الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

صناديق النذور والتبرعات مال سايب

صناديق النذور والتبرعات مال سايب
صناديق النذور والتبرعات مال سايب




تحقيق - محمد فؤاد

انتشرت ظاهرة بناء الأضرحة خلال العقود الماضية بشكل مبالغ فيه، فكل شخصية مهمة سواء كان شيخا أو وزيرا أو زعيما يريد أن يبنى لنفسه ضريحا فإنه يقوم بذلك، ويستثنى من ذلك مجموعة من أولياء الله الصالحين يستحق أصحابها التكريم حقا ببناء أضرحة لهم، مما استدعى خلق تابع لتلك الظاهرة وهو «صناديق النذور» التى لاقت إقبالا ملحوظا من بسطاء وعامة الناس عليها.


تقدر حصيلتها المعروفة بعشرات الملايين سنويا والكثير منها غير معروف فى الأضرحة والمقامات خاصة غير المرخصة والتى ليست عليها رقابة، وغياب الضمير يجعل القائمين عليها يطمعون فيها.
«روز اليوسف» التقت بعض القيادات بوزارة الأوقاف والمساجد الكبرى المقام بها أضرحة للوقوف على حقيقة ما يدور حول صناديق النذور والتبرعات والاتهامات التى تؤكد على أنها «مال سائب» تفاصيل كثيرة داخل هذا التحقيق.
فى قرى ونجوع مصر أكثر من 3 آلاف ضريح، وفى مسجد سيدى إبراهيم الدسوقى بمدينة دسوق محافظة كفر الشيخ، يستولى بعض المسئولين بالأوقاف على أموالها منذ أكثر من عام، والمسجد ليس به سوى إمام ضعيف لا يستطيع أن يصلى الصلاة الجهرية، والذى يقوم بها هو مقيم الشعائر رغم أن وقته ينتهى عند صلاة العصر، لكن على حد قول مصدر - طلب عدم ذكر اسمه - أن المسئولين بالأوقاف يسهلون عمليات السرقة، بل يصرون عن عمد ألا يوجد بالمسجد مدير ولا إمام ثان حسب القانون للسيطرة عليه.
والكارثة الكبرى هى أنه عند فتح الصندوق يتم قطع الكهرباء لوقف كاميرات التصوير، حتى يتم التعامل مع الأموال بطريقتهم الخاصة.
قال الشيخ على الله الجمال - إمام وخطيب مسجد السيدة زينب - أنه يرفض النذور العينية التى يكون فيها شبهة ومشقة على العاملين بالمسجد مثل تقديم الأكباش والحيوانات الحية، لكن وزير الأوقاف كلف الإمام بناء على اللائحة 72 لعام 2014 أن يوزع الأطعمة على الفقراء والمساكين بناء على قائمة معدة بأسماء من يستحق من اللحوم الجاهزة للتوزيع وأى نوع من النذور العينية المعدة بشكل نهائى للاستخدام .
مشيرا إلى أن صناديق النذور بالمسجد مغلقة بالشمع الأحمر وممهور بشعار الأوقاف، ويفتح كل 10 أيام عن طريق لجنة مشكلة من 10 أفراد من قطاعات مختلفة مثل وزارة الداخلية والمالية والاوقاف والحسابات والعدادين وإمام المسجد والعمال، ويتم توزيعها بشكل ثابت 15% من حصيلة الصندوق للمجلس الأعلى للطرق الصوفية، وإمام المسجد 100جنيه وخصم منها 5 جنيهات، وما يتبق منها يتم تحرير محضر بمقداره، ويوقع عليه كل أعضاء اللجنة على أن يتم إيداعه فى بنك مصر لحساب وزارة الأوقاف بعد صرف مكافأة لكل عضو من أعضاء اللجنة بمقدار 250 جنيهًا عدا إمام المسجد فله حصة ثابتة.
وطالب الجمال وزير الأوقاف بسرعة العمل على إيجاد وسيلة تبعد الإمام عن الاعباء الإدارية للمسجد، بتوفير الحماية المطلوبة لهذه الصناديق عن طريق وزارة الداخلية أو تركيب كاميرات مراقبة حتى يتفرغ للدعوة فى المقام الأول.
ومن جانبه قال الشيخ عبدالناصر بليح - مدير عام بوزارة الأوقاف - أن صناديق النذور لها قانون خاص على أن يعين للمسجد الكبير مدير مسجد على درجة كبير أو الدرجة الأولي، وإمام أول وإمام ثان، علما بأن صناديق النذور فى مصر إذا تم التحكم فيها بشكل صحيح ولم تنهب لحصلت على عشرات الملايين فى العام، رغم أن وزارة الأوقاف تعين حارسًا خاصًا للإشراف على صندوق النذور فى كل مسجد، لأنه يعتبر موردا مهما لجلب الأموال وتوزيعها على الفقراء والمحتاجين، وتخضع الأموال لمراقبة الجهاز المركزى للمحاسبات، لكن ليس على كل مسجد، وليس على إجمالى الواردات لوزارة الأوقاف من المساجد جميعا كما أن هناك رقابة على ما يتم صرفه من تلك الأموال.
مشيرا  إلى أنه عند غياب الضمير يتم نهب هذه النذور عن طريق المديرين والأئمة، ووفقاً للقرار رقم 52 لسنه 1998 تُفتح صناديق النذور التابعة لوزارة الأوقاف كل أسبوع أو شهر أو سنة حسب المسجد عن طريق مديريات الأوقاف، ويتم توزيع نسبة منها على المشايخ ومقيمى الشعائر والعمال ووفقًا للقرار يتم منح شيخ المسجد أو الإمام حصة ونصف الحصة بما لا يزيد على 300 جنيه، وأمين المكتبة وكاتب النذور ومقيم الشعائر ورئيس العمال حصة واحدة نحو 100 جنيه، مع صرف نصف حصة لقارئ السورة والحرفيين بما يعادل 80 جنيهًا، ووفقاً للقرار نفسه، يحصل شيخ مشايخ الطرق الصوفية على 150 ألف جنيه، سواء كل أسبوع أو شهر أو سنة حسب فتح الصندوق.
وقال إن هذه الحصة تصرف على شراء السجاد لفرش المساجد، وعلى الدعوة الإسلامية والإنفاق على المساجد الحكومية التابعة للوزارة، وتخصص الوزارة مبلغًا ماليًا لكل نائب فى البرلمان يقدر سنوياً من 5 إلى 10 آلاف جنيه للصرف على المساجد التى بدائرة النائب.
وأكد بليح أن الحراسة الخاصة بالمساجد الكبرى ومساجد النذور هى ضرورة ملحة حيث إن الإمام والعاملين بالمسجد ليست معهم سلطة لحماية المسجد فى ظل ما شهده الجميع من فتن وتقلبات وتطورات حدثت من بعض المسيسين وكذلك ليتفرغ الإمام لعمله الأصلى وهو الإمامة والدعوة إلى الله وليس الحراسة .
أما مسجد الأحمدى بطنطا فقال أحد المصادر بوزارة الأوقاف بأن خليفة المسجد على نسبة 3% من حصيلة النذور، بما لا يزيد على 20 ألف جنيه، أما حامل مِفتاح مقصورة الضريح فيحصل على 2%، وبحد أقصى 10 آلاف جنيه.
أما مسجد «الحسين» فتبلغ حصيلته نحو 8 ملايين جنيه سنويا فى المتوسط، وتتفاوت الأضرحة فى حصيلة النذور، فمنها ما يجلب 15 مليونا، ومنها 10 ملايين، ومنها 3 ملايين جنيه، فلو أخذنا المتوسط واعتبرناه 5 ملايين جنيه فى السنة، وضربنا هذا الرقم فى 100 ضريح به صناديق نذور ، لأصبح المجموع 500 مليون جنيه حصيلة هذه الصناديق سنويا، هذا بخلاف الأموال التى تنفَق ببذخ على بناء القباب والمساجد التى بها قبور، وعلى سبيل المثال مسجد «إبراهيم الدسوقي» بكفر الشيخ فتم ترميم سقفه بمبلغ 5 ملايين جنيه، هذا بخلاف الوقف المخصص للقباب وللسدنة، والذى يقدر سنويا بالملايين.
أما التبرعات فقال عنها الشيخ محمد عبدالله نصر - خطيب الميدان - إن هناك ظاهرة غريبة فى المناطق العشوائية هى صندوق تبرعات وبجواره مكبر صوت مسجل عليه تبرعوا لمسجد كذا والذى يجمع الآلاف كل يوم حسب المكان الذى يوضع فيه هذا الميكرفون.
مشيرا إلى أن هناك مساجد كثيرة ليس بها أى نوع من الرقابة على التبرعات مثل مساجد الجمعية الشرعية، وتقسم إلى الصحن الموجود فيه المنبر ومكان العبادة ومجالس العلم والصحن يكون به عدد من الصناديق لجمع الأموال مثل كفالة الأيتام ومساعدة الفتيات اليتيمات وطالب العلم وغيرها، وكل هذا يضع فيه المواطنون الأموال، وعند فتحه لا تحضر لجنة من التضامن الاجتماعى أو الجهاز المركزى للمحاسبات، وهناك مساجد فى مناطق راقية تجمع فى الجمعة الواحدة أكثر من 20 ألف جنيه، كما حدث وقت التبرع لإعمار غزة والبوسنة والهرسك والجوعى فى الصومال، فتجمع كل هذه التبرعات فى أيدى القائمين على إدارة الجمعية دون رقيب من الدولة، كما أنهم فى عيد الفطر تجمع أموال الزكاة فى المساجد وفى عيد الأضحى تخصص السيارات لجمع جلود الأضاحى دون ايصال يثبت الصادر والوارد للجمعية.
وأضاف نصر أن أكبر المساجد التى تستقبل هذه الأموال والنذور هى مسجد السيد أحمد البدوى بطنطا، ومسجد إبراهيم الدسوقى بكفر الشيخ، والحسين والسيدة زينب بالقاهرة، والمرسى أبو العباس بالإسكندرية، وعبدالرحيم القناوى بقنا، وهذه المزارات معروفة للمقيمين بالقاهرة والمحافظات، بل وخارج مصر، بخلاف الأضرحة غير التابعة لوزارة الأوقاف وهى كثيرة جدا فى مصر ولا توجد رقابة عليها.
وقال الدكتور عبد الهادى القصبى - رئيس المجلس الأعلى للطرق الصوفية - إن المجلس يحصل على نسبة 10% فقط من أموال صناديق النذور بموجب قانون وزارة الأوقاف، وهذه النسبة تؤخذ فى حال فتح صناديق النذور كل شهر أو عام، وتحصل عبر وزارة الأوقاف من خلال لجنة مشكلة من الوزارة وليس للمجلس الأعلى للطرق الصوفية، أى أن التعامل مع النذور العينية مثل الأغنام واللحوم والمأكولات التى ينذرها المواطنون لآل البيت هى من اختصاص الأوقاف فقط.
وأشار القصبى إلى أن هذه الصناديق تتخطى الآلاف فى كل المساجد المقام بها ضريح، ولا يوجد حصر رسمى شامل لها وتتعدى 4 آلاف ضريح والمسئول عن ذلك الحصر هى وزارة الأوقاف،  
مضيفا إلى أن هناك تواصلاً مع وزارة الأوقاف لحماية المساجد والأضرحة من السرقة والنهب والحفاظ عليها من العبث.
وبعد هذه التفاصيل التى تحمل بين طياتها اتهامات مباشرة وغير مباشرة للقائمين على الصناديق حاولنا التواصل مع الشيخ محمد عبدالرازق مساعد وزير الأوقاف لشئون المساجد فلم يستجيب لاتصالاتنا المتكررة فى أوقات مختلفة للرد على ما جاء على لسان المصادر حول صناديق النذور.
وعند الاتصال بالشيخ صبرى عبادة وكيل الوزارة وبعد الرد وسماع الاستفسار حول الموضوع رفض الإجابة بحجة أن هناك تعليمات بعدم الرد على الإعلام بشكل نهائى.