السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

«طيور الظلام» تحاصر برنامج«توفير الطاقة»

«طيور الظلام»  تحاصر برنامج«توفير الطاقة»
«طيور الظلام» تحاصر برنامج«توفير الطاقة»




تحقيق - مروة عمارة

«عايز توفر.. عايز إضاءة بجد..عايز لمبات عمرها طويل القرار فى إيدك.. غير للمبات الليد.. ووفر 90 % من فاتورة الكهرباء المخصصة للإضاءة.. لمبات ذات إضاءة أعلى موجودة فى العالم، ويصل عمر التشغيل إلى 15 سنة باختلاف ظروف التشغيل.. تخلص من اللمبات العادية بمظهرها السيئ ودرجة حراراتها المرتفعة واستهلاكها المفرط للكهرباء وقصر عمرها وما فيها من مواد سامة، واستبدلها بلمات صديقة للبيئة وآمنة على الأرواح والممتلكات، وفر فلوسك من خلال شراء لمبة ليد 9 وات بـ21 جنيها والكرتونة 50 لمبة، ولمبة 7 وات بحوالى 11 جنيهًا و23 وات بـ16 جنيهًا كان هذا هو نص الإعلان عبر إحدى القنوات الفضائية، ولم يذكر الإعلان الاسم التجارى للمبات أو بلد المنشأ أو الضمان.

ليس هذا الإعلان الوحيد فهناك عشرات الإعلانات وآلاف المحلات والمصانع التى تعمل فى مجال تجميع وتصنيع لمبات غير مطابقة للمواصفات، أو تستورد لمبات مهربة مغشوشة، وهو ما نرصده فى التحقيق التالى، ولعل تلك التجارة لم تنتعش من فراغ، فقد بدأت عقب إعلان الرئيس عبد الفتاح السيسى عن أبرز خطط برنامجه وهو توفير الطاقة، معلنًا أن  طاقة المنازل تستهلك نحو 15 ألف ميجا وات منها 6 آلاف ميجاوات للمبات الإضاءة فقط، مطالبًا باستبدال لمبات الإضاءة بأخرى ستوفر 4 آلاف ميجاوات،  لأن مصر تنتج 30 ألف ميجاوات، ولا يمكن الاعتماد على الفكر التقليدى بإنشاء محطات كهرباء، ولابد من ترشيد الطاقة.
موزعون لمبات ليد مهربة
تواصلنا مع الموزع  الذى عرض التوصيل المجانى للمنزل، وعندما سألنا عن بلد المنشأ والضمان، أفاد إن اللمبات ألمانية وإنه لا ضمان لأنها مستوردة، وطالبنا بإرسال رسالة عبر برنامج «الواتس اب» أو إرسال ميل على الإيميل الآتى
 (SmartSolutions77@ yahoo.com).
تاجر آخر يعلن عن لمبات ليد بسعر 15 جنيها للمبات الليد 9 وات بدلا من سعر شركات التوزيع الحكومية التى يصل سعرها إلى 25 جنيها، وأكد أنها مستوردة من الصين والعرض لفترة محدودة
وحتى يقنعنا بشرائها اكد لنا أنها سوف توفر فى استهلاك الكهرباء لمدة قد تصل إلى 15عامًا ولا تنكسر وتعطى استهلاكًا اقل من ٣٠٪ من اللمبات الموفرة (فلورسنت) ولا تعتمد على مواد سامة (صديقة للبيئة) وحاصلة على جائزة نوبل فى العلوم وتسترد ثمنها خلال استعمالها ٤٥ يومًا فقط توفير والعمر الافتراضى ٢٠٠٠٠ ساعة عمل. وتتعدد وسائل تجارة اللمبات المغشوشة، ويجد الموزعون والتجار من  المواقع الالكترونية سوقًا رائجة بعيداً عن أعين الجهات الرقابية، فأحد مستوردى اللمبات الموفرة يعلن عن منتجه بخدمة الشحن للمحافظات ويتفنن الباحثون عن مجالات الربح السريع وبالأخص فيما يتعلق بالسلع الحيوية والتى تتواجد داخل كل منزل، فهناك بعض المكاتب تقدم خدمات إنشاء مصنع لمبات موفرة وتقدم دراسة الجدوى للراغبين... تواصلنا معهم لمعرفة كيف يتم تصنيع اللمبات الموفرة والليد المغشوشة.
مشروع تجميع لمبات موفرة
بدأ صاحب المكتب الحديث عن «مشروع تجميع لمبات موفرة للطاقة - تفاصيله كاملة، بتعريفه لفكرة المشروع بأنه إنتاج لمبات مضيئة تتميز بالعمر الطويل والإضاءة الجيدة والأهم التوفير فى الطاقة حيث تصل نسبة التوفير فى الطاقة إلى 80 %، كما يقول.
وتابع: «تتم عملية التجميع باستيراد اجزاء اللمبة مفككة ويتم تركيبها ولحام الاسلاك الداخلية وإجراء بعض العمليات الخاصة بإعداد اللمبة للعمل فى المنازل، ويمكن تصنيع اللمبة كاملة فى مصر مع استيراد بعض الخامات الأساسية ولكن يفضل الاستثمارات الكبيرة لتحملها المخاطرة وتحملها مصاعب تصنيع منتج كامل، والمصنع بحاجة إلى وردية عمل 8 ساعات طاقة الخط حوالى 5 آلاف لمبة، والآلات المستخدمة عبارة عن ثلاث ماكينات آلية بسيور كهربائية لتحدد سرعة الماكينة وفى حالة الرعبة فى التوفير يمكن الاستغناء عن اثنين منها والاعتماد على الأعمال اليدوية، بالإضافة إلى بعض الأجهزة الكهربائية وبعض الأجهزة البسيطة الأخرى، والآلات تحتاج إنتاج تقريبا 500 متر مربع بالإضافة إلى مكان لتخزين الخامات يحتاج تقريبا إلى 1500 متر، 30 الف لمبة كبداية فى مرحلة التجربة والإعداد، وستكون بحاجة لمسئول إنتاج ومسئول مبيعات لادارة عملية البيع والتسويق وفتح اسواق جديدة، وعدد  فنى ميكانيكا وعدد فنى كهرباء و2 فنى إنتاج صاحب خبرة فى صناعة اللمبات، وعدد من العمالة العادية على الأقل 60 عاملاً.
وعندما تساءلت عن التراخيص والإجراءات سواء من الامن الصناعى لكون الخامات خطيرة وقابلة للاشتعال، وإدارة التراخيص بالاحياء والسجل الصناعى وكذلك الرقابة الصناعية والبيئة وغيرها، أفاد بإن هناك آلاف المصانع منشأة وبدون تلك الاجراءات ولا داع لها، لأنها ستجلب رسوما وضرائب، كما أنه فى حالة استيراد المكونات وتجميعها يتم تخفيض الجمارك، ويوجد العديد من الاتفاقيات الاقتصادية مع كثير من الدول مما يسمح بدخول المنتجات المصرية بتخفيضات إلى الدول العربية والأفريقية.
تفاصيل الأرباح
بعد استكمال التفاصيل المادية للمشروع وتسويق الكمية المتوقع إنتاجها شهريا التى تبلغ: 300 ألف لمبة فحسب رأس المال أقصى قدرة لخط الإنتاج هى 8  آلاف لمبة فى الوردية 8 ساعات، ورأس المال المطلوب حوالى 120 الف جنيه و80 الف جنيه قيمة سيارة نصف نقل للتوزيع ومصنع 400 متر بـ100 ألف جنيه بالمبانى والخامات تبلغ 30 ألف لمبة مفككة بحوالى180 ألف جنيه، ليصبح إجمالى التكلفة حوالى  500 الف جنيه يتم جمع التكلفة فى حوالى 15 شهرًا أو 18 شهرًا.
ومع تزايد رغبة الدولة فى تعميم اللمبات الموفرة والليد بالبلاد ظهر بعض راغبى الربح السريع من السلع المغشوشة والمهربة  مجهولة المصدر بالأسواق، وسعوا للمتاجرة بوهم  رغبة المواطنين تخفيف الأحمال والحد من انقطاع الكهرباء وتوفير مبالغ طائلة.
تجارب المواطنين
وحول معاناة المواطن المصرى من انتشار اللمبات الموفرة والليد المغشوشة بمحلات الأدوات الكهربائية والمعارض، يقول محمد كمال: «كل السلع أصبحت صينية، وحتى الآن لم يصل لنا نظام توزيع لمبات الليد على فواتير الكهرباء، وحتى نخفض الاستهلاك فكرت فى شراء اللمبات الموفرة وتبديلها باللمبات العادية، وتوجهت لمحل الأدوات الكهربائية وكانت هناك لمبات بعشرة وخمسة عشر جنيهات، وأخرى بحوالى 25 جنيهاً، وحتى أتمكن من شراء قرابة الخمس لمبات اضطررت لشراء لمبات الصينى بحوالى عشرة جنيهات، ولكن احترق اثنيان بعد شهر، والبقية كانت لمبات ذات إضاءة ضعيفة ولم يتمكن الأبناء من المذاكرة بسببها، فاضطررت للعودة للمبات العادية مرة أخرى، خاصة أن اللمبات الموفرة الصينى كان ينبعث منها رائحة كريهة وحرارة شديدة.
وعن تجربته مع اللمبات المغشوشة قال محسن عبد النبى: الأزمة أن المواطن لا يعرف الفرق بين الأصلى والمغشوش فمحصل الكهرباء نصحنى باستبدال اللمبات المنزلية بلمبات موفرة أو لمبات ليد الحديثة، لأنها تقلل استهلاك الكهرباء، فاللمبة القديمة تستهلك 100 وات والموفرة 20 وات، وعمرها يستمر بالأعوام، وبالفعل ذهبت لشراء اللمبة الموفرة من أحد المعارض، ولم أجد أمامى إلا لمبات صينى بحوالى 7 جنيهات، وكانت الفاتورة الشهرية تأتى لى بحوالى 140 جنيهاً، ولم تتغير بعد تركيب اللمبات، وعندما استفسرت من المحصل أكد لى أن اللمبات المتواجدة مغشوشة وليست موفرة وإن على شرائها من شركات التوزيع المعتمدة حتى لا أتعرض للغش.
جمعية ترشيد الطاقة
 من جانبه أفاد الدكتور محمد هلال، رئيس جمعية ترشيد الطاقة، أن الجمعية تسعى لمنع استيراد نحو 17 مليون لمبة ليد من الصين، لأن هناك 70 مليون لمبة هى حجم إنتاج السوق المصرية، من خلال 150 مصنعًا للمبات.
وتابع « مصانع اللمبات الموفرة تستطيع بكل سهولة سد احتياجات الأسواق ومصنعى لوحده يعمل بطاقته الكاملة ينتج وحده 25 مليون لمبة سنويًا، والمصانع المحلية تعمل حاليًا بنحو 5 إلى %10 فقط من طاقتها بسبب اللمبات المستوردة، التى يدخل معظمها السوق دون جمارك أو إشراف رقابى، وهو ما يضع المنتج المحلى عالى الجودة امام مأزق خاصة أن هناك مصانع تعتمد على تجميع قطع اللمبات الموفرة ويضر ذلك بالصناعة الوطنية التى تخضع للرقابة من قبل هيئة المواصفات والجودة والرقابة الصناعية».
وكشف هلال أن المصانع المرخصة عددها حوالى ثمانية مصانع فقط والباقى غير مرخص، ولابد من تقديم تسهيلات للصناعة الوطنية وذلك لمنع توزيع منتجات غير مطابقة للمواصفات الفنية المطلوبة، وحتى يتم سد احتياجات السوق المحلية وتعتمد على الاستيراد فى سد احتياجاتها.
صاحب مصنع
وشرح محمد متولى، عضو شعبة الادوات الكهربائية وصاحب مصنع، أنه وفقا للمعايير الدولية فإن المدى الزمنى للمبة من 6 إلى 10 آلاف ساعة، وأغلب اللمبات فى مصر أقل كثيرا من ذلك، والمفترض أن تحقق اللمبة وفرا بنسبة 80% فى استهلاك الكهرباء إذا ما تمت مقارنتها بالأنواع المختلفة من اللمبات الأخرى، ولكن عشوائية إنتاج اللمبات الموفرة وعدم التزام المصانع بالمواصفات القياسية واعتماد المعايير الدولية والرقابة من قبل الصادرات والواردات على شحنات اللمبات الموفرة المستوردة  من الخارج وفقا للمعايير الدولية، أدى لانتشار لمبات مغشوشة بواقع 70 % من السوق المصرية لدى المحال التجارية.

 

مطالب المصنعين


وتلخصت مطالب أصحاب مصانع اللمبات الليد فى تقنين أوضاع مصانع تجميع اللمبات الموفرة وإلزامها  بتطبيق المواصفات القياسية واعتماد المعايير الدولية فى التصنيع وإلزام الهيئة العامة للرقابة على الصادرات والواردات بإجراء الاختبارات المطلوبة على مدخلات التصنيع المستوردة وفقا للمعايير المعتمدة دولياً حتى نضمن إنتاج لمبات بكفاءة عالية تحقق الهدف من إنتاجها وهو ترشيد الاستهلاك» وناشد رئيس جمعية ترشيد الطاقة الجهات المعنية بالرقابة على صناعة اللمبات الموفرة مطالبًا بالرقابة على شحنات اللمبات الموفرة القادمة من الصين والتى يتم التلاعب بدخولها على كونها مستلزمات تصنيع ويتم تجميعها داخل المصانع وبالتالى التهرب من الرسوم والجمارك، ولا يتعدى العمر الافتراضى لها أيامًا بدلا من أن تستمر فى العمل لأعوام .


الرقابة على الصادرات والواردات

ومن جانبه أكد مصدر مسئول بهيئة الرقابة على الصادرات والوارادت أن جميع شحنات اللمبات الموفرة التى تدخل عبر هيئة الرقابة على الصادرات والواردات تخضع للفحص وفقا للمواصفات القياسية المصرية، ولا يتم قبولها إلا بعد مطابقتها، إلا أن ما يتم إخضاعه للهيئة هو الشحنات من السلع ذات المنتج النهائى للمبات الموفرة فقط، ولكن  الشحنات التى يتم دخولها فى صورة مستلزمات إنتاج لا تخضع، وهناك شحنات إخرى تدخل مهربة وعبر المناطق الحرة  وهو دور هيئة الموانئ.
جدير بالذكر أن لجنة الجمارك باتحاد الصناعات تقدمت باقتراحات لرئيس مصلحة الجمارك لزيادة التعريفة على اللمبات الموفرة للطاقة لتصبح %20 بدلاً من %10 على المكونات لحماية المنتج المصرى فى ظل وجود مشاكل عديدة متعلقة بعمليات التهريب وتثبيت التعريفة على لمبات الليد %5 فى ضوء اتجاه الحكومة لنشر استخدامها لتوفير الطاقة.

 

دراسة مهمة


حول مخاطر اللمبات الموفرة المغشوشة قام فريق من خريجى هندسة أسوان قسم دراسات وقياسات الكترونية بإجراء بحث على اللمبات الموفرة من النوع LED الموجودة بالاسواق المصرية من أجل معرفة مدى كفاءتها وجودتها، لكنهم وجدوا أن حوالى 98 % من اللمبات الموفرة غير مُطابقة للمواصفات الفنية وعمرها الافتراضى قصير.
وقام فريق البحث بأخذ عينات من جميع الشركات الموجودة داخل مصر والبلاد التى تقوم بتصدير هذا النوع من اللمبات الموفرة، وأكدوا أن هذه اللمبات تُباع ذات الكفاءة 7 وات تُباع على أنها ذات كفاءة 9 وات وبنفس السعر، وأعرب فريق البحث عن غضبه الشديد جراء عملية الغش هذه التى وصفوها بالكارثة، حيث أكدوا أن المواطن العادى لا يستطيع التفرقة بين اللمبة الموفرة الأصلية والمُزيفة لأن هذا يتم معرفته فى المعمل فقط، وأكدوا أن هذا يؤثر بالسلب على الكهرباء نتيجة لعدم وجود مصداقية.
وتابعت الدراسة أن جميع المستخدمين يتجهون إلى استخدام اللمبات الموفرة لأن حجمها صغير وتدوم لفترة أطول، وأكد الباحثون أن هذا النوع من اللمبات قد يؤدى إلى الإصابة بالسرطان، حيث أنها تُطلق غازات كيميائية تؤدى إلى الإصابة بالسرطان، وأن إبقاءها منيرة لفترة طويلة فوق رأس الانسان يتسبب فى إطلاق مواد سامة.
وحذرت دراسات أجنبية من اللمبات الموفرة المغشوشة بأنها تحتوى على الغازات هى الفينول والنفثالين والستايرين السام، وأن الضباب الدخانى المنتشر حول اللمبات يحتوى على غازات عالية السمية، وتنبعث منها مستويات مثيرة للقلق من الأشعة فوق البنفسجية، مما يزيد من احتمالات تعرض الأفراد للإصابة بسرطان الجلد، والتعرض المستمر لموجات الأشعة فوق البنفسجية المنبعثة من اللمبات الموفرة يضعف بشدة نظر العين، ويسبب ضمورًا واعتامًا لعدسة العين، وهو ما يسبب العمى والصداع النصفى والصرع.