الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

«المفكر الرقاصة» .. يفضح أمراض النخبة الثقافية

«المفكر الرقاصة» .. يفضح أمراض النخبة الثقافية
«المفكر الرقاصة» .. يفضح أمراض النخبة الثقافية




كتب – خالد بيومى
فى كتابه الصادر حديثاً عن دار الأدهم تحت عنوان «المفكرالرقاصة.. من تفاصيل ثقافة منهارة»  يفضح الدكتور أيمن بكر أستاذ النقد الأدبى بجامعة الخليج للتكنولوجيا بالكويت أمراض مجتمع النخبة فى مصر والعالم العربى ويقدم تعريفاً للمثقف الرقاصة بأنه الشخص صاحب التكوين الإبداعى والذى قرر أن يوجه طاقته نحو التحايل على الثقافة التى يعيش ضمنها، وليس إنتاج معرفة عميقة بهذه الثقافة الذى يمارس مجموعة من الآلاعيب الفكرية والسياسية ويتوجه للعالم بصورة غير مباشرة، بصورة تعتمد على تبديل الأقنعة الفكرية حسب مقتضى الحال بحيث يضطر المتعامل معه دوماً إلى البحث عن المعنى المستتر لكلامه، ويدشن هذا المفكر معدلات مع السلطة بصورة عامة، خاصة السلطتين السياسية والدينية .
كما يتعرض لمفهوم النخبة بأنها مجموعة البشر المسئولة عن تطوير مجال إبداعها، وهى المسئولة عن تغيير أعراف الإبداع نفسه وتحمل مسئولية التعبير عن أعلى ممكنات الأداء المهنى فى كل المجالات، ويشير إلى تنامى الإحساس بتآكل النخبة والمبنى على الإحساس العميق بضعف الثقافة العربية، وانتهاء زمن المشاريع القومية والإقليمية الكبرى، والتى ألهبت طاقات الإبداع لدى النخب العربية، وصنعت وشائج قربى بين هذه النخب والجماهير التى كانت منساقة بقوة الأمل وراء مشاريع التحرر الوطني، وهو ما أدى لوجود حالة تبدو مثالية من التفاعل بين جمهور الناس والنخب المبدعة على المستويات كافة .
ويشير المؤلف إلى تمتع النخب على مستوى العالم بصفة «الكبرياء» فيما عدا النخب العربية التى تمثل جزءاً من بنية السلطة وتمارس سلوكاً مزدوجاً، فهى تعلن شرفها وعلو كرامتها فى وسائل الإعلام، لكنها تمارس تجبراً وتسلطاً فى مواجهة من تطلق عليهم صفة العاديين أو«العامة» بما يؤكد انتسابها للسلطة الحاكمة وينفى إمكان انتمائها لهؤلاء العاديين. كما تتوجه بأفكار مهدفة سياسياً لمغازلة رموز النظام السياسى بما يخدم مصالح الأفراد فيها ويهمش ويغيب المشكلات الأكثر إلحاحا وتم تدجين النخب بصورة كبيرة داخل المؤسسات الرسمية، وأصبحت ترى بعيون تلك الأنظمة وتبرر حتمية أسطورية هذه النظم الملهمة والمقبلة من السماء والتى فعلت كل ما هو ممكن أو متاح، وستفعل بالتالى المستحيل لخدمة شعوبها.
 .فى المقابل ترتفع مكانة المثقف وكبرياؤه فى الغرب ، فقد استعانت الحكومة الكندية بالمفكر الفرنسى جان فرانسوا ليوتار ليكتب تقريراً مفصلاً عن اللحظة الثقافية الغربية والذى تبلور فى كتابه المهم «الوضع ما بعد الحداثي» كما استعانت الحكومة الفرنسية بعدد من المفكرين للاستئناس بآرائهم فى استصدار قرار منع الرموز الدينية فى المدارس.
فى المقابل يشير إلى انسحاب النخب الأكثر تأثيراً إلى زوايا الثقافة العربية مثل جمال حمدان صاحب كتاب «شخصية مصر» الذى ظل سجين بيته باختياره لسنوات طويلة قبل أن يموت فى حادث مأساوي، فقد عانى الإنكار المؤسساتى حين رفضت لجان الترقية فى الجامعة منحه ترقية لم يكن هناك من هو أجدر بها منه وتعرض لتضييقات وصراعات لا يمكن لمنشغل بالعلم أن يفهم منطقها أو يتكيف معها، فانسحب داخل وطنه متخلياً عن دوره الثقافى العام، وطرد نصر حامد ابو زيد خارجه، وإن ظل مصراً على التواجد الإعلامى ومحاولة تحويل دفة الصراع نحو أفكار الحرية والتعدد وحق التعبير والاختلاف.
كما تطرق الكاتب إلى مجموعة من الظواهر الثقافية اللافتة مثل ظاهرة «الناقد البلاتينى الكبير» الذى تحصن فى فترة شبابه بمقولات نقدية معينة توحد معها بلا وعى غالباً، وظل يدق بها على رؤوس النصوص لفترات طويلة وصنعت ركاماً من الكتابات النقدية الباهتة؛ لأنها لا تبدع غالباً فى استخدام الأداة النقدية ويتجاهل عدداً ضخماً من الأسئلة والتعقدات التى يمارسها أو يعانى منها الجادون من جيل الشباب، ويقرر توصيف الأزمة النقدية الحالية بوصفها أزمة تبعية ثقافية، ويوصف الحل بكلمات لا تسمن ولا تغنى من جوع مثل :«يجب أن تكون لنا مقولاتنا النقدية العربية» أو«لماذا تهرعون إلى المنتج الثقافى الغربي؟» فهو مثل البلاتين المحفز للتفاعل فى بعض التفاعلات الكيميائية، ولكنه لا يعطى من ذاته ولا يتأثر بذلك التفاعل.
كما ناقش حالة الغناء العربى سواء ما يتصل بالموجة التى تكتسح الفضائيات العربية أو ما يتصل بالغناء البديل الذى لا يزال العامل الأعمق فى إشباع حاجات الشعوب العربية من الغناء والموسيقى وعلاقة الثقافة العربية بالآخر، فلحضور الغربى فى الثقافة العربية هو الأكثر طغياناً، سواء على مستوى المنتج الثقافى بأشكاله المختلفة، أو حتى على مستوى الإشكالات التى تتخذ صورة الصراع الثقافى أو الحربى على حد سواء.