الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

المرأة فى انتظار معارك جديدة بعد «الربيع العربى»




 
 اهتمت مراكز الأبحاث العالمية بتقييم أوضاع المرأة بعد الربيع العربى ، واشار معهد بروكنجز الأمريكى فى دراسة له بعنوان: «فرص وتحديات المرأة بعد الربيع العربى» الى انه على الرغم من خروج النساء فى تونس والقاهرة وطرابلس إلى الشارع للمطالبة بتغيير النظام والتنديد بالممارسات القمعية للأنظمة الاستبدادية، الا ان مستقبل المرأة يكتنفه الغموض بعد دخول فاعلين سياسيين جدد يرفعون شعارات دينية.
 
وقد استضاف مركز ويلسون للأبحاث والحوار بواشنطن ندوة بعنوان: هل يسهم الربيع العربى فى تهميش المرأة؟ تحدث فى الندوة عدد من السيدات عن واقع المرأة العربية فى ظل التغيرات التى شهدتها المنطقة ومن بينهن رند الرحيم (سفيرة سابقة للعراق بالولايات المتحدة) ورولا دشتى (النائبة السابقة بالبرلمان الكويتى)، وقد تحدثت كل منهما عن وضع المرأة فى بلادها والمنطقة.
توصل المشاركون فى الندوة الى نتيجة مفادها أن الثورات العربية التى خلّصت الشعوب من الحكام المستبدين ليست بالضرورة مخلصة للمرأة العربية من راهنها الصعب الذى تعكسه الأرقام، سواء فى التعليم أو البطالة أو الصحة أو العنف الأسرى والسياسي.
 
وفى سياق متصل، رأت مجلة التايم الأمريكية أن هناك قوى سياسية تريد اختفاء المرأة بعد ثورة 25 يناير فى مصر، وأشارت المجلة الأمريكية إلى أن المرأة المصرية على الرغم من وقوفها جنبا إلى جنب الرجل فى ثورة 25 من يناير ومشاركتها فى ميدان التحرير الذى كان مسرحا لأحداث الربيع العربى فى مصر وساهمت فى صنع التغيير والإطاحة بمبارك ونظامه وكتابة النهاية لعقود من الظلم والفساد وقمع الحريات عاشتها مصر فى ظل الحقبة المباركية؛فالمرأة المصرية لا تزال تبحث عن مكان لها ما بعد مبارك.
 
وتساءلت دلفين مينوى كاتبة فرنسية متخصصة فى شئون المرأة: «هل يعنى وصول الإسلاميين إلى سدة الحكم فى عدد من الدول العربية، أن المرأة ستجد نفسها فى مواجهة معركة جديدة، لا هدف يرجى منها، سوى المحافظة على حقوقها ومكتسباتها السابقة»؟
واشارت الى انه فى سيدى بوزيد، مهد الثورة التونسية والربيع العربي، تعرضت النساء للقمع والضرب من قبل عناصر الرئيس السابق زين العابدين بن علي، مثلهن مثل الرجال. وفى مصر ـــ وتحديدا فى ميدان التحرير تظاهرت النساء منذ البداية، واصطففن إلى جانب أزواجهن، يرددن شعارات مناهضة لنظام حسنى مبارك. أما فى بنغازى الليبية، فقد كان تحركهن هو ما أجج الثورة ضد القذافى، حين كسرن الخوف وتظاهرن للتنديد بتوقيف محامى أزواجهن المفقودين، وفى درعا السورية، أججت صرخات النسوة الثورة بعد أن عذب أطفالهن بسبب رسومات مناهضة للنظام.
 
وتقول الروائية اللبنانية جمانة حداد فى مقال لها بصحيفة الجارديان البريطانية: «فى الواقع ثورة النساء، بدأت للتو.. فبعد أن تظاهرن وكافحن من أجل الحرية، نلاحظ أن النساء هن الغائب الأكبر فى هذه الورشة السياسية الجديدة. لم نعد نراهن أو نسمع آلامهن».
 
وقد نشرت مجلة فورين آفيرز مقالا لإيزابل كولمان هى مديرة برنامج المرأة والسياسات الخارجية بمجلس العلاقات الخارجية حول خوف نساء الربيع العربى على حقوقهن من تيارات «الإقصاء السياسي» قالت فيه إنه فى غمرة احتفالات جماهير الثورة فى مصر وتونس بعد الإطاحة بحسنى مبارك وبن على، كانت المرأة فى هاتين الدولتين تخوض احتجاجا جديدا للتأكد من أن الديمقراطية التى أخذت تلوح فى الأفق لن تؤدى إلى تآكل حقوقها.
 
 ففى تونس خرجت عدة مئات من النساء إلى الشارع للتعبير عن قلقهن إزاء ما يمكن أن تسفر عنه صحوة إسلامية جديدة. وفى مصر، شنت مجموعة من الناشطات فى مجال حقوق المرأة حملة واسعة عندما تردد أن لجنة صياغة الدستور الجديد لن تضم بين أعضائها أى امرأة، وفى كلا البلدين، يمكن ملاحظة أنه يوجد دعم شعبى لتطبيق أكبر للشريعة الإسلامية، أو القانون الإسلامى، المستمد من القرآن والسنة. وبالطبع فإنه تجرى بين الحين والحين تغييرات فى القوانين فى المنطقة، ففى المغرب ـ على سبيل المثال- تحدد السن القانونية للزواج بالنسبة للفتاة بـ 18 عاما، فيما يسمح الشرع فى دولة عربية أخرى بزواج الفتاة وهى فى سن الثامنة.
 
وتضيف الكاتبة أنه إذا ما مزج القادة الجدد فى دول الربيع العربى بين الديمقراطية والشريعة فإن حقوق المرأة ستصبح عنصرا مركزيا فى الجدال. وتسلط الكاتبة الضوء على وضع المرأة فى تونس بشكل خاص، وتشير بهذا الصدد إلى قانون الأحوال الشخصية الذى استنه الرئيس العلمانى الحبيب بورقيبة عقب استقلال تونس عام 1956 الذى منع تعدد الزوجات والذى منح المرأة التونسية بموجبه نفس الحقوق فى الطلاق للرجل، إلى جانب وضع حد أدنى لسن الزواج، وغير ذلك من القوانين التى جعلت البعض يشبهه بمصطفى كمال أتاتورك، وهو ما كان مؤلما بالنسبة لقطاعات كبيرة من الشعب. لكن هذا الوضع ساهم فى جعل المرأة التونسية تتمتع اليوم بوضع طيب على صعيد التعليم، وعلى صعيد المكاسب التى حققتها فى مجالات القانون والطب والأوساط التجارية والأكاديمية والإعلامية.
 
وجاءت دولة بن على التونسية بمزيد من التشدد على الإسلاميين، حيث كان من المألوف أن يستجوب الشخص دائم التردد على المساجد، كما ألقى القبض على زعماء الحركة الإسلامية ونفوا خارج البلاد، لكن ذلك لم يمنع العديد من النساء من ارتداء الحجاب على الرغم من حظره فى الأماكن العامة. وتنبأت الكاتبة بأن الديمقراطية لابد وأن تضع الجماعات الإسلامية فى قلب التيار السياسى التونسى، حيث عبرت بعض الأصوات المحافظة عن رغبتها فى مراجعة قانون الأحوال الشخصية، فى حين سارع الإسلاميون المعتدلون فى دعم حقوق المرأة والتمسك بالقانون الحالى.
 
وكان من الواضح أن محاولة فرض العلمانية بالقوة فشلت فى القضاء على التدين، وتضيف الكاتبة إن الديمقراطية فى مصر لابد وأن توجد نوافذ مهمة للجماعات الإسلامية، وعلى الأخص الإخوان المسلمين، ففى عام 2007 أظهر استطلاع جالوب أن 64% من المصريين يؤيدون أن تكون الشريعة المصدر الوحيد للتشريع فى البلاد، فيما قال 24% إنها ينبغى أن تكون أحد مصادر التشريع، وتستطرد أنه لا تزال رغبة المصريين فى تطبيق الشريعة تقابلها تطلعات قوية نحو التحديث ونفور من الثيوقراطية، وأن حقوق المرأة ستكون اختبارا لأى حكومة جديدة.
 
وتذكر الكاتبة بالجدل الذى أطلقته الجماعة الإسلامية عام 2007 عندما نشرت برنامجها السياسى الذى استبعدت فيه النساء (وغير المسلمين) من رئاسة الجمهورية ودعوة علماء الدين لمراجعة التشريعات التى لا تتوافق مع القواعد الدينية.
 
 كما لاحظت الكاتبة أن لجنة مراجعة الدستور لم تضم أى امرأة بالرغم من العريضة التى حملت 11 ألف توقيع امرأة إلى المجلس العسكري، وهو ما يجعل عملية الإصلاح الدستورى تحديا حقيقيا لحقوق المرأة لما بعد الثورة. وتضيف الكاتبة أن فى صعود التيار السلفى فى مصر ما يوجب قلق المرأة المصرية، لكنها تضيف أن ارتداء الحجاب أصبح مفضلا فى تونس ومصر لأسباب عدة يأتى فى مقدمتها أنه تعبير عن الهوية الإسلامية، وكموقف تحدوى ضد التوجهات العلمانية السلطوية للحكومة.