الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

الفن وفق الضوابط الشرعية

الفن وفق الضوابط الشرعية
الفن وفق الضوابط الشرعية




كتب -  عاطف بشاى

 

الداعية د. عثمان عبد الرحيم الذى يشغل منصب الأمين العام للهيئة العالمية لضمان جودة الدعوة وتقييم الأداء «اسم المنصب كده»، اقترح تحويل المساجد إلى مراكز إشعاع حضارى تضم قاعات للمسرح والسينما تعمل وفق الضوابط الشرعية «ضوابط؟! وشرعية؟! أعتقد أنه المقصود بذلك الرقابة الدينية، أى أن يخضع الفن بالإضافة إلى الرقابة المدنية التى تقوم بها هيئة الرقابة على المصنفات الفنية إلى رقابة دينية، ولتكن الأزهر» وكما يقول التقرير الذى نشره «الوطن» أن الأمر لم يقتصر على ذلك بل أن هذا الأمين على جودة الدعوة يطالب بأن يكون للمؤسسات الدينية كالأزهر الشريف ووزارة الأوقاف شركات للإنتاج الفنى لتحاصر الأعمال غير المنضبطة «وهى كلمة غريبة وغامضة ومطاطة يمكن أن نستنتج أن المقصود بها الأعمال التى يشتم منها أنها تخالف الضوابط الأخلاقية» وألا يقتصر دور المؤسسات الدينية على النقد وبيان الأخطاء، وهو ما طرحه فى شكل مشروع موسع قدمه لوزارة الأوقاف المصرية لتشكل لجنة برئاسة الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف، وتضم فى عضويتها الدكتور «أحمد عمر هاشم» لدراسة المشروع والبحث عن سبل تنفيذه.
وعند استطلاع «الجريدة» لآراء بعض الدعاة والفنانين استلفتنى ما كتبه الدكتور أسامة القوصي الباحث والداعية الإسلامى معلنا فى غضب وتوجس وتحذير أن المشروع يشى بمكر من الإخوان المسلمين مشيرا إلى أن هذا ليس بجديد عليهم خاصة أن حسن البنا أنشأ من قبل فرقا مسرحية فى المدارس فارضا التمثيل الإسلامى فى مواجهة الفن الماجن، أو بمعنى آخر الفضيلة فى مواجهة الرذيلة، ويرى أسامة القوصي أن الإسلام برىء من هذا الخلط فى الأمور لأن المساجد بنيت لغرض معروف فى الشريعة وهو ذكر الله ومن الواضح أن صاحب الاقتراح لا يفرق بين المساجد وما يلحق بها كالمستشفيات والمؤسسات وهذا خطأ فاحش لأنه يخلط بين وزارة الأوقاف والمجتمع المدنى التابع لوزارة التضامن الاجتماعى وليس لوزارة الأوقاف دخل بها، وتساءل إذا كانت وزارة الأوقاف أصلا لا تهتم بالإنفاق على المساجد ولا بأمور موظفيها فكيف يدعوها هذا الشخص إلى إنشاء شركة إنتاج فنى، ويؤكد «القوصى» أنه بعد سقوط الاتحاد العالمى للعلماء المسلمين وتبين أنه كيان إخوانى إرهابى تم إنشاء ما يسمى بالهيئة العالمية لتطوير الدعوة وتقييم الأداء «إيتاك»، ويرأس هذا الكيان النائب السابق للاتحاد عبد الله بن بيا الموريتانى الإخوانى وقد أصدرت وزارة الأوقاف مؤخرا قرارا بمنع كل من ينتمى للاتحاد العالمى لعلماء المسلمين من صعود المنابر التابعة للوزارة، وما يتردد من تلك المشاريع ما هو إلا محاولة للسيطرة على الدعوة فى العالم والمقصود به تجنيد الشباب فيما بعد لخدمة المشروع الإخوانى العالمى تماما كما يفعل الصهاينة وهم أداة من أدوات مؤامرة الصهيونية العالمية لتقسيم المنطقة من جديد بـ«سايكس بيكو» لتقسيم المقسم وتجزئة المجزأ، وعلينا الانتباه لمثل هؤلاء الأشخاص ذوى التاريخ المريب، وللأسف الأزهر غافل عنهم والدولة أيضا، كما يجب علينا الانتباه لأى هيئات أو منظمات تستخدم كلمة عالمية.
والحقيقة أن الدعوة تحمل فى طياتها عدة أمور مهمة تتصل بعلاقة الخطاب الدينى بالخطاب الفنى، والتى كثيرا ما تعرضنا لها بالجدل والنقاش الذى وصل إلى مرحلة التطاحن، والاشتباك العنيف، بل إلى ثورة المثقفين التى تمضخت عن ثورة «يونيو» فالخطاب الفنى خطاب جمالى، والخطاب الدينى خطاب أخلاقى، والخلط بينهما لا يجوز، كما لا يجوز الخلط بين الخطاب الدينى، والخطاب السياسى .
وللخطاب الفنى أدواته ووسائله وأشكاله ومضامينه الخاصة التى لا تخضع للمعايير الأخلاقية والمضامين التى تحث على الفضيلة والقيم التربوية ولا ثقافة «الحلال والحرام» وبالتالى فهى متحررة من حسابات الإرشاد والتوعية والموعظة الحسنة والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، وإلا لتم حرق أعمال «شكسبير» و«تولستوي» و«تشيكوف» و«أبسن» و«هيمنجواى» و«نجيب محفوظ» و«يوسف إدريس» و«توفيق الحكيم» حيث كثيرا ما ينتصر فيها الشر على الخير وترسم فيها الشخصيات بأبعادها الاجتماعية والنفسية بحيث تتضمن نوازع الضعف الإنسانى والأطماع البشرية، والدوافع الدنيوية.
المدهش أن التضييق على الفن وتقييد حرية التعبير تحت مظلة نواهى الدين كان السمة الأساسية فى علاقة الفن بدولة الإخوان التى أقصتها ثورة 30 يونيو، والتى سعت أثناء حكمها إلى فرض رقابة دينية على الأفلام والمسلسلات التليفزيونية تشمل عددا كبيرا من المحظورات التى جاء الوزير الإخوانى لتدعيمها لولا ثورة المثقفين التى منعته من دخول مكتبة حتى اجتاحت الثورة كالإعصار قلوع الظلاميين الذين أرادوا لنا أن نحيا فى ظل ردة حضارية مقيتة.
أتصور أننا إذا كنا جادين فى تصحيح الخطاب الدينى وتنقيته من شوائب «الفتاوى الضارة التى تكرس للخرافة وتعادى العلم والمرأة والفن أن نسعى إلى المطالبة الملحة والجادة بحل الأحزاب القائمة على مرجعية دينية لنساهم فى بناء دولة مدنية لا يتم الخلط فيها بين الخطاب الدينى والخطاب الفنى، وبالتالى لا يتم الزج بالأزهر أو الكنيسة فى الوصاية أو الإشراف أو فرض المعايير الأخلاقية والدينية على الفن.
اعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله.