الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

«حى الدقى» يحرض مضارى «العشش» على الاعتصام بـ«مجلس الوزراء»

«حى الدقى» يحرض مضارى «العشش» على الاعتصام بـ«مجلس الوزراء»
«حى الدقى» يحرض مضارى «العشش» على الاعتصام بـ«مجلس الوزراء»




تحقيق ـ إبراهيم المنشاوى

لو أن كُتّاب الدراما أرادوا وصف الواقع المأساوى الذى يعيشه سكان «السكة الحديد» خلف شارع السودان، بالدقي، ما استطاعوا، فهؤلاء الناس أصبح مصيرهم فى مهب الريح، حيث إن هناك أسرًا مشردة.. بكاء وأنين للأطفال وكبار السن.. متعلقات شخصية مبعثرة، وفور أن تطأ قدماك المنطقة، تجدهم يعيشون فى غرف ارتفاعها لا يزيد على مترين.. مبنية من الطوب والطين.. مساحتها لا تزيد على 3x3 أمتار، يتزوجون فيها ويتكاثرون، والأدهى والأمر أنهم يقومون بتربية الأغنام والماعز بذات المكان فى وضع لا يمكن تخيله، ورغم ذلك قامت بلدوزرات خالد زكريا محافظ الجيزة، وإبراهيم فرج، وكيل وزارة الإسكان بالمحافظة، ومسئولى حى الدقى، بهدم عشش الفقراء دون أن توفر لهم مأوى.


المنطقة يسكنها أعداد كبيرة من المواطنين الذين مضى عليهم نحو 50 عاما على تلك الأراضى، تزوجوا وأنجبوا وشيبت رءوسهم فى هذا المكان، فهم لا يمتلكون سوى تلك العشش البسيطة غير الآدمية بل تعتبر شققهم السكنية التى لم تمنحها لهم وزارة الإسكان أو توفرها لهم الدولة سوى مؤخرا حينما اعتزمت الجهات المعنية القضاء على العشوائيات من بينها «عشش السكة الحديد» وأعلنت عن بناء أبراج سكنية مقسمة لوحدات يتم توزيعها على مرحلتين الأولى تم الانتهاء منها بمنح 30 شخصا شققًا سكنية، نظيرا لهدم أماكنهم الأولى.
جدير بالذكر أن الأسبوع الماضى خرجت علينا محافظة الجيزة، وأعلنت بالتعاون مع وزارة التطوير الحضرى والعشوائيات، عن بدء تسليم المرحلة الثانية من الوحدات السكنية، الثلاثاء الماضي، من مشروع تطوير منطقة عشش شارع السودان بالدقي، التى تستوعب 75 وحدة سكنية كاملة التشطيب، بمساحة 45 م2 لكل وحدة بديلة عن 75 «عشة»، حيث بلغت تكلفة المرحلة 7 ملايين جنيه، وقامت وزارة التطوير الحضري، بتقديم الدعم المادى لها، بعد أن أنهى السادة المسئولون حصر المستحقين لهذه الوحدات وفقًا للضوابط والشروط المعمول بها على حد تصريحاتهم.
وعلى الفور قامت مديرية أمن الجيزة بالاشتراك مع الأحهزة المعنية بالمحافظة بتنفيذ عملية إزالة عشش شارع السودان بالدقى بناء على تعليمات السيد المبجل محافظ الجيزة، حيث دفعت قوات الأمن بإشراف اللواء طارق نصر، مساعد الوزير لأمن المحافظة، واللواء مجدى عبد العال، مدير الإدارة العامة لمباحث الجيزة، بتشكيلات أمنية للتصدى لأى محاولات شغب من قبل الأهالى أثناء قيام القوات بتنفيذ عمليات الإزالة وهدم العشش على رءوس أصحابها ممن يعيشون تحت خط الفقر.
الغريب أن مسئولى المحافظة ضحكوا على البسطاء وأقنعوهم بالخروج من عششهم لاستلام وحداتهم السكنية التى أنشأتها لهم المحافظة، الأمر الذى هرول إليه جموع القاطنين معتقدين أنها لم تكن وعودًا فشنك، خاصة أننا نعلم جميعا أن «اصحاب العرس يشتهون المرقة» وعند خروجهم وترك أماكنهم تدخلت اللوادر والجرافات لهدم منازلهم البسيطة دون أن تسلم الجميع مفاتيح شققهم الجديدة.
«روزاليوسف» انتقلت لعشش «السكة الحديد» لترصد معاناة الأهالى بعد تشردهم فى الشوارع وتحت الأسوار فى ظل حرارة الجو ولهيب الشمس..
«المصائب لا تأتى فرادى» بهذه الكلمات بدأ عم عبدالراضى أحمد عبد الهادى محمد،  55 سنة، من سكان عشش السكة الحديد، كلامه، حيث يقول: «الأجهزة التنفيذية بالجيزة استكترت علينا العيش فى عشش لا ترقى للمعيشة فى منطقة لا توجد بها مقومات للحياة، وحرمت أبناءنا من التعليم، وأصابت كبار السن بالأمراض المزمنة، بل الأدهى والأمر أنها قامت بهدم كهوفنا دون أن توفر لنا أماكن بديلة لحين تلسيمنا وحدات سكنية، أو حتى كلفت خاطرها بإنذارنا مسبقا لجمع مقتنياتنا ومتعلقاتنا الشخصية وإخراجها من العشش قبل تنفيذ الإزالة».
ويستنكر المتضرر رد فعل قوات الأمن المركزى والمسئولين حينما حاولوا اعتراضهم ووقف القرارات التى تهدم العشش وتشرد الأسر، ودفنت مقتنياتهم ومتعلقاتهم الشخصية تحت الأنقاض، بل ملابسهم أيضا والنقود التى كانت معهم «تحويشة العمر»، مؤكدين أن المعدات الثقيلة اقتحمت المنطقة لتجرف العشش يمينا ويسارا، الأمر الذى تبعه إبقاء بعض الأهالى داخل «العشش» رافضين الخروج من مساكنهم، وبدأ بعضهم الاشتباك مع قوات الأمن بإلقاء الطوب والحجارة والزجاجات الفارغة، لترد الشرطة بوابل من قنابل الغاز المسيل للدموع وطلقات الصوت والخرطوش، الذى أسفر عن إصابة عدد من المواطنين والأطفال بالاختناق، مستنكرين تأخر سيارات الإسعاف ووصولها بعد مرور 3 ساعات من الحادث، ما يعيد إلى الأذهان أزمات ما قبل ثورة يناير 2011.
ويوضح عم عبدالراضى أن المسئولين أوهمونا بأن الجميع له وحدات سكنية بخلاف الحقيقة، منوها إلى أن الـ75 وحدة سكنية فى المرحلة الثانية لم يتم توزيعها على المستحقين توزيعا عادلا، حيث إنه كان من المفترض توزيع الوحدات على الأسر التى تم اختيارها وهدم عششها، لكن ما حدث هو أن التوزيع الذى قام به المسئولون شمل منح 31 أسرة مستحقة، و27 غير مستحقين فى تلك المرحلة وغير متضررين ولم تشملهم أعمال الهدم، بالإضافة إلى أن هناك 17 شقة أخرى مغلقة بالضبة والمفتاح ولا نعرف لمن سيتم منحها.
أما الحاج عبد الحليم محمد حفنى، 60 سنة، فيقول إن نجله عصام، متزوج، وكان من أحد المستحقين فى وحدات المرحلة الثانية، إلا أننا فوجئنا بأن المسئولين حرموه من شقته رغم أن الدكتور على عبدالرحمن، محافظ الجيزة السابق، واللواء محمود العشماوى، المحافظ الحالى للوادى الجديد، وعدانى بمنح عصام وإدارجه ضمن المستحقين نظرا لظروفنا المادية، فضلا عن أننا ضمن المربع الذى تم هدم العشش به لتسليمه وحدات سكنية جديدة.
وبصوت خافت وعيون تغمرها الدموع استشهد عم عبدالحليم بأحد المواقف مع عبدالرحمن والعشماوى منذ عام ونصف العام، حيث اصطحباه معهما فى سيارتهما إلى مبنى الديوان العام لمحافظة الجيزة فور الانتهاء من جولة تفقدية للعشش، وسألاه عما يتمنى فأخبرهما انه يأمل حجز شقة سكنية لنجله المتزوج والمستحق خاصة أنهم من أوائل المتواجدين بالمنطقة، وبدوره قام محمود العشماوى بإجراء مكالمة هاتفية لـ«إبراهيم فرج» وكيل وزارة الإسكان، وناشده ضم عصام لمستحقى المرحلة الثانية.
وتابع وهو يبكى: «من ساعة ما عرفنا إن التوزيع قرب روحت لمدير مديرية الإسكان بالجيزة إبراهيم فرج وذكرته بمكالمة اللواء محمود العشماوي، فرد ساخرا: أنت تعرف توصله دا بقا محافظ الوادى الجديد لو عرفت توصله ابقا قابلنى»، فأجبته بأننى سأتواصل معه ليكون شاهدا على أحقية نجلى عن غيره ممن حصلوا على وحدات سكنية فى تلك المرحلة.
تواصلت «روزاليوسف» مع اللواء محمود العشماوى، محافظ الوادى الجديد، للتأكد من صحة الواقعة التى رواها لنا «الحاج عبدالحليم»، فأكد أنها تمت بالفعل حينما كان نائبا للدكتور على عبدالرحمن، منذ ما يتجاوز سنة نصف السنة، مشيرا إلى أنه سيتواصل مع وكيل وزارة الإسكان بالجيزة، ومسئولى حى الدقى، لمعرفة ملابسات الأزمة، وأسباب حرمان نجل المتضرر «حفني» من الحصول على حقه «وحدته السكنية».
بينما تصرخ زينب عفيفى، إحدى المتضررات، التى شردها المحافظ خالد زكريا، وإبراهيم فرج، وكيل الاسكان، وتقول: «عندى 4 بنات وأنا وهن فى الشارع من ساعة ما شرطة المرافق هدت العشش على دماغنا، ومافيش مكان ننام فيه غير جنب السور وسط الأنقاض والرفات»، وتبكى: «لو حى الدقى كان بلغنا قبلها كنا لمينا حاجاتنا وملابسنا ومتعلقاتنا الشخصية، بس هقول إيه ولا إيه غير إن الشكوى لغير الله مذلة، و«حسبنا الله ونعم الوكيل».
ويلفت أحمد عبدالهادى، أحد المتضررين من هدم عشش السكة الحديد، إلى أنهم منذ أن قاموا باستخدام الأراضى منذ ما يتجاوز الـ50 عاما يقومون بسداد المبالغ والرسوم المحددة من قبل الحكومة عن المساحات التى حصل عليها كل شخص منهم لمصلحة الضرائب العقارية، مشيرا إلى أنه لم يتخلف عن السداد منذ أن كان مساحة الـ400 متر يسدد عنها 30 جنيها إلى أن وصلت لـ70 جنيهًا خلال العام الجاري.
«على المتضرر اللجوء للقضاء» هذا الشعار رفعه السادة المسئولون فى وجوه الأهالى، على حد تعبير المواطن على السيد على حسن، أحد قاطنى مساكن السكة الحديد، مشيرا إلى أن نائبة المحافظ حينما اشتكينا لها قالت: «أنا ماليش دعوة ولا بإيدى حاجة»، ناهيك أن رئيس حى الدقى رد أيضا: «مش مشكلتى كل واحد يتفضل يروح على بلده».
وينوه السيد إلى أنهم فوجئوا عندما توجهوا إلى حى الدقى لتحرير محاضر بالواقعة وطلب توفير أماكن بديلة عن التى هدمتها الأجهزة التنفيذية بالجيزة، بأن الموظفين يقولون لهم حرفا: «اتفضلوا روحوا اعتصموا عند رئاسة الوزراء وقدموا شكاوى للمهندس إبراهيم محلب»، مستنكرا من عملية توزيع الوحدات السكنية خاصة أنها تدخل فيها الوساطة والمحسوبية واختيار بعض غير المستحقين.
ويناشد 44 أسرة مشردة بعشش السكة الحديد، السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى، رئيس الجمهورية، التدخل لإنهاء الأزمة، وانتشالهم من الحياة غيرالآدمية التى يعيشونها، وتوفير مساكن بديلة تأويهم من الشوارع وتحفظ أعراضهم وبناتهم، وإعادة النظر فى الشقق التى وزعها المسئولون على المواطنين بما يخالف العدالة فى التوزيع ومراعاة المستحقين، خاصة أن لا حول لهم ولا قوة.