الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

مآسى الأطفال فى «دور الإيواء»

مآسى الأطفال فى «دور الإيواء»
مآسى الأطفال فى «دور الإيواء»




رصدها بالصور: سمر حسن محمود مصطفى - دعاء محمد

لم تنته أزمات دور الإيواء فى مصر حتى الآن.. والأزمة تتفاقم.. فما بين استغلال وعنف واعتداءات لفظية وبدنية وجسدية.. يقبع أطفال بلا مأوى بين ظلم الدنيا لهم وجشع بعض المسئولين عن دور الإيواء.. والرقابة فى واد آخر.. «روزاليوسف» قامت بمعايشة لجمعيات ودور تضم هؤلاء الأطفال، ورصدت الانتهاكات بحقهم.. وواجهت حقوقيين ومسئولى 3 وزارات معنية بشئونهم هى التضامن والصحة والسكان بحقيقة ما يحدث بداخلها.
فى البداية أجرينا عددًا من الاتصالات بعدة دور إيواء، لمعرفة إذا كان هناك مشكلات تواجهها ورصد المخالفات والمشاكل.


 وبالفعل تواصلنا هاتفيا مع «منى سعيد» مديرة دارى إيواء القدس والفتح بالمعادي، سألناها إذا كان هناك أى مشكلات تعيق أو تمنع العاملين بهما من تقديم أفضل رعاية للأطفال، فأجابت: لا توجد أى مشكلات هنا، والأمور على ما يرام، ويوجد طبيب للكشف الطبى على الأطفال بشكل دورى وإعطائهم الدواء المناسب خوفاً من انتشار أى أمراض بينهم، لافتة إلى وجود مشكلة فى نقص العمالة المدربة والمؤهلة للتعامل مع هؤلاء الأطفال، ورفضت زيارتنا للدار بحجة عدم وجود زيارات، مما أثار الريبة والشك، ودفعنا للذهاب إلى الدار لرصد ما يحدث بها.
وعند العقار رقم 70 بشارع 10 بالمعادى سألنا عن الدار وقال الجيران بأن إدارتها لا تهتم بالأطفال ويعلمونهم التسول، حيث يؤكدون عدم وجود طعام يكفيهم للمعيشة، كما أن لهم سلوكًا سيئًا، وملابسهم رثة ومتسخة ومتهالكة، ويعيشون فى فوضى كبيرة، بسبب إدارة الدار التى تهمل الأطفال وتستولى على التبرعات، حيث استعطاف أهل الخير تجاههم.
توجهنا إلى الدار ذات الواجهة المميزة، وهى عبارة عن مبنى من عدة طوابق، وفوجئنا بمجموعة من الشباب والفتيات الزائرين، فدخلنا معهم، وفى الطابق الثانى، وكان به أطفال فى حالة غير آدمية ويرثى لها بسبب ما يرتدونه من ملابس رثة متسخة، وقديمة وينامون على بعض المراتب الإسفنجية المتهالكة على الأرض، وتجلس بالقرب منهم عاملات يطلق عليهن «أمهات» واللائى اشتكين من سوء معاملة الإدارة للأطفال، وعدم الاهتمام باحتياجاتهم من مأكل وملبس وحالة نفسية وعلاج، وأن التبرعات جزء منها يستغل فى تحسين واجهة المكان، والباقى لا نعلم عنه شئ، وطالبن أن يكون التبرع عينيا بشراء مستلزمات وأدوية للأطفال، وحتى وسائل الترفيه عنهم كالألعاب وغيرها غير موجودة، ولكن الإدارة تخدع الزوار ببعض الرسومات على الحوائط كوسيلة للإيحاء بوجود وسائل الترفيه، رغم أن مكتب مديرة الدار تم تجهيزه على مستوى عال وتتناول وجبات خاصة من خارج الدار وقت وجودها.
وبمجرد الدخول لغرفة الفتيات أسرعت إلينا إحداهن وهى تبكى قائلة «عايزة أمشى معاكى متسبينيش هنا» وانهمرت فى البكاء، ثم فعلت باقى الفتيات مثلها.
«عزة» – طفلة داخل الدار – بدت عليها علامات العزلة عن باقى الأطفال وفى عينيها حسرة، ترتدى ملابس صبيانية، وتم قص شعرها، اقتربت منى وقالت «متخافيش أنا بنت مش ولد»، وأن قص شعرها وارتداءها ملابس الأولاد ما هو إلا عقاب من مديرة الدار لها، مما دفع باقى الأطفال لتجنب اللعب معها، والدموع تنهمر من عينيها.
وفى الغرفة الأخرى لم يختلف الحال كثيرا، فعدد الفتيات يزيد على عدد الأسرة، فيضطرون للنوم والجلوس على الأرض، ومعظمهم يعانى من التهابات جلدية، وقرح، ولا تهتم الدار بعلاجهم، وهى بيئة خصبة لانتشار الأمراض، وطلبت الأمهات منا شراء أدوية «مضادات حيوية، وخافض للحرارة» حيث تعرضت الفتيات للاجهاد الحرارى وقت الارتفاع فى درجات الحرارة مؤخرا، وانتشرت الحمى بينهن، وحينما اشتد المرض على واحدة منهن تم نقلها إلى العناية المركزة بمستشفى خاص تابع لنفس لإدارة العليا للدار وتحمل نفس الاسم، ومن خلال الموظفين علمنا أن هناك 5 حالات مصابة بالحمى وعلى وشك دخولهن إلى المستشفى، واستغاثن بنا لتوفير الدواء لهن فى أسرع وقت.
وفى غرفة المشرفات علمنا أن الإدارة تجمع التبرعات وتستغلها فى إنشاء دار إيواء جديدة فى التجمع الخامس حتى تتمكن من جمع أكبر قدر من الأموال مستخدمة هؤلاء الأطفال وسيلة لذلك، والكارثة تكمن فى أن الإدارة تسيطر على دارين لإيواء الأطفال هما دار الفتح، ودار القدس، وتتبعان التيار الإسلامى «الجمعية الشرعية» وأنهما مكونان من أكثر من مبنى بينهما مبنيان «آيل للسقوط» ومعرضان للانهيار فوق رءوس الأطفال فى أى وقت، ويأتى إليهم دعم من عدد من الجمعيات، والغريب أن إدارة الدار جمعت الفتيات الواعيات فى الطابق الثالث ليكون الأبعد عن أنظار الزوار، وهو ما علمنا سببه عندما طلبن مغادرة الدار لعدم الاهتمام بهن، وتعريض حياتهن للخطر، والإهمال فى علاجهن وعدم توفير الطعام المناسب لهن.
وفى وسط القاهرة توجد دار إيواء اسمها «زهرة الياسمين»، وأقيمت فى شقتين بعقار مكون من 5 طوابق، رصدنا الأثاث المتهالك والأجهزة القديمة، وعدم النظافة، وعدم صلاحية المكان للحياة فيه، وأبدى الأطفال استياءهم من عدم وجود أية وسائل للعب والترفيه بالدار، الأمر الذى يفرض عليهم اللعب فى الشارع، وهو ما يعرض حياتهم للخطر، ويواجه الدار نقصا فى المواد الغذائية، ويحتاج إلى بعض الأجهزة الكهربائية والإلكترونية، ويتوافر بالدار 4 غرف فقط، فى كل منها 3 أسرة صغيرة، وعدد الأطفال المتواجدين 14 فتاة و3 أولاد، علمًا بأن هذا الفرع من الدار للفتيات فقط.
وقال محمد – نجل صاحب الدار - إن هناك تجديدات يتم إجراؤها فى فرع الدار الثانى بمدينة العبور وهو المخصص للأولاد، حيث يعيش بعضهم فى هذه الدار والبعض الآخر يسكن معه فى بيت أسرته، وأكد أن جميع الأطفال تلاميذ فى المدارس، ولديهم تأمين صحى وبعضهم مريض بالصرع.
وعن التحليل النفسى والاجتماعى لهؤلاء الأطفال قال د. محمد غانم - أستاذ الطب النفسى بجامعة عين شمس - إن الأطفال فى دور الإيواء يتولد لديهم شعور بـ «النقمة» على المجتمع الذى حرمهم من أهلهم، بالإضافة إلى  شعور الطفل بظلم تسبب فيه المجتمع وكل من حوله، وتنشأ لديهم فكرة الانتقام من المجتمع الذى سلبهم الأمن والطمأنينة، ويتجه  كل منهم إلى مرحلة إثبات الذات من خلال مخالفة القوانين، وهذا ينمى لديهم اللجوء الدائم للعنف الجسدى واللفظي، ويرون أنهم إذا ظلوا ضعفاء بين الناس سوف تسلب منهم حقوقهم، وأن بالقوة سوف يحافظون على حقوقهم، ويصبحون متبلدى المشاعر، تستحوذ عليهم دائما رغبة الانتقام من أى شخص يخطئ بحقهم، ويكون ليس لديهم انتماء للمجتمع أو للوطن، بل انتماؤه إلى المجموعات التى تشاركهم نفس الأحاسيس.
 أما المنظمات الحقوقية المهتمة بحقوق الأطفال فأرجع المحامى محمود البدوى – رئيس الجمعية المصرية لمساعدة الأحداث وحقوق الإنسان – تدنى الخدمات والإهمال فى دورالإيواء إلى ضعف رقابة وزارة التضامن الاجتماعى عليها، مما أتاح لبعض معدومى الضمير اتخاذها كوسيلة للكسب غير المشروع وجنى الأموال على حساب الأطفال، هذا بخلاف التراخى فى تفعيل لجان حماية الطفولة، هانى هلال - رئيس الائتلاف المصرى لحقوق الطفل – يرى أن وزارة التضامن الاجتماعى كانت ترصد انتهاكات كبيرة داخل هذه الدور مثل «الإهمال، الوجبات السيئة المقدمة للأطفال، والفساد المالى والإداري، وغيرها»، وتراخت الرقابة الآن، حتى أن القائمين عليها يحاولون عزل الأطفال عن المجتمع الخارجى، كما أن القوانين الحالية غير رادعة للمخالفين من إدارات الجمعيات، هناء محمد - رئيس فريق التدخل السريع بوزارة التضامن الاجتماعى – قالت إن الشرطة تبلغ بهؤلاء الأطفال المعثور عليهم، ثم يعرضون على الصحة لتوقيع الكشف الطبى عليهم، ثم تسلم لإحدى دور الإيواء بعد العرض على النيابة العامة، وأن الشرطة هى من يسمى الطفل رباعيا وتحدد أسماء أبويه وتستخرج له شهادة ميلاد، وأغلقت الوزارة 6 مؤسسات مخالفة بالقاهرة والجيزة بسبب العنف والإهمال وهى «دار رابح، والبسمة، رحاب الرحمن، الحنان، الحنين، والرحمة»، وبسبب المشاكل التى تواجهها تلك الدور والأطفال بها منعت الحكومة استخراج تراخيص جديدة لحين الانتهاء من إزالة التحديات.. علاء عبد العاطى - معاون وزيرة التضامن للرعاية الاجتماعية – قال إنه لابد من تخصيص أماكن مناسبة لإيواء الأطفال بإنشاء مؤسسات الرعاية الاجتماعية، وطبقا للقانون تلتزم الجمعيات والمؤسسات الأهلية الراغبة فى ترخيص مؤسسة للرعاية الاجتماعية للأطفال المحرومين من الرعاية الأسرية بإيداع مبلغ نقدى فى حساب بالبنك يكفى الإنفاق على المؤسسة لمدة عام، على أن تفرق بين دور الذكور والإناث.
ويجب توافر عدد من الشروط للترخيص هى وجود مكان مخصص للمؤسسة الإيوائية، وشهادة من جهة الإسكان المختصة بصلاحية المبنى للإشغال وأخرى من إدارة الدفاع المدنى، وتقرير معاينة فنية يثبت توافر الشروط الواجبة لاصدار الترخيص من عدمه، وتعيين هيكل وظيفى مناسب وفقا للتخصصات المذكورة وعدد الأطفال المستفيدين ومراجعته من الجهات الإدارية المختصة، وشهادة من البنك بالمبالغ المودعة للصرف على المؤسسة لمدة عام، ولائحة داخلية تنظيمية للعمل بالمؤسسات، وتعتمد من مديرية التضامن الاجتماعى.. وقالت منى ظريف - مسئول الخدمة الاجتماعية بالإدارة العامة للأمومة والطفولة بوزارة الصحة - إن الطفل الذى يتم العثور عليه دون السنتين من قبل الأفراد يتم تسليمه للشرطة، ونقله إلى وحدة رعاية الأمومة والطفولة، والكشف الطبى عليه وأخذ بصمة القدمين وتحرير محضر بالشرطة إبلاغ مكتب الصحة، وتطبيق نظام التأمين الصحى بالمجان، واستخراج شهادة الميلاد له، وأن هناك 31 مركزًا للأمومة والطفولة على مستوى الجمهورية منها 5 مراكز فى القاهرة، وتخضع للرقابة والإشراف المتواصل وإعداد تقرير شهرى عنها، وتوجد فرق متكاملة من أطباء وتمريض وعمال نظافة وأخصائى اجتماعى داخل كل مركز، وتوفر لهم احتياجاتهم من الألبان والحفاضات والمنظفات وتوفير أماكن جيدة التهوية، فهناك 1000 طفل جديد يتم العثور عليه سنويا فى المتوسط..ويوفر المجلس القومى للطفولة والأمومة الحماية والرعاية والوقاية للطفل المصرى بهدف تحقيق المصلحة الفضلى له من خلال آليات الرصد والحماية الموجودة بداخله والمتمثلة فى شبكة الخطوط الساخنة ( خط نجدة الطفل 16000- خط المشورة الأسرية والاتجار 16021- خط ذوى الإعاقة 08008886666) وإدارة الإعلام.
وبمجرد استقبال البلاغ توفد لجنة تقصى حقائق من إدارة خط نجدة الطفل والجمعيات الأهلية للوقوف على طبيعة المشكلة والمخالفات التى يتم ارتكابها، لتتم مخاطبة الجهات المعنية لاتخاذ اللازم، وكان عدد البلاغات التى تلقاها المجلس خلال عام 2014 وحتى يونيو 2015 عن وجود مخالفات أو عنف ضد الأطفال فى دور الأيتام والإيواء 203 بلاغات، سواء عنفًا ضد الأطفال أو فسادًا ماليًا وإداريًا أو إهمالاً.
وللجان حماية الطفولة العامة والفرعية بالمحافظات دور هام فى التدخل مع البلاغات الواردة لإزالة الخطر عن الأطفال وتقديم الخدمة لهم، وهى بمثابة آلية حماية وطنية ترصد الانتهاكات وتوفر الحماية والرعاية والوقاية للأطفال، وتشكل اللجنة العامة برئاسة المحافظ أونائبه وتتضمن فى عضويتها مدير الأمن، وتشكل اللجنة الفرعية برئاسة رئيس الحى وعضوية مأمور القسم..
ولمواجهة ظاهرة الاعتداء والاستغلال للأطفال بلا مأوى ولأطفال الشوارع وللطفل داخل الأسرة عموما، أكدت د. هالة أبوعلى  أمين عام المجلس القومى للطفولة والأمومة على تفعيل منظومة حماية الطفل المصرى وآلياتها وتطوير نظم معلومات حماية الطفل، وتفعيل التشريعات الخاصة به، فى ضوء الاستراتيجية القومية للطفولة والأمومة، وأكدت د. هالة يوسف - وزيرة الدولة للسكان - أن الطفل المصرى محمى بموجب المادة 80 من الدستور المصرى 2014، وقانون الطفل رقم 12 لسنة 1996 والمعدل بالقانون رقم 126 لسنة 2008، والاتفاقيات والمواثيق الدولية التى صدقت عليها مصر، وله الحق فى البقاء والنماء والمشاركة والحماية من كل أشكال العنف والإساءة والاستغلال، وأن 91% من الأطفال بين 1و14 سنة تعرضوا لعقاب نفسى، و 49% من الأطفال بين عمر 3و4 سنوات للعقاب البدنى وفقا للمسح السكانى الصحى 2014، بالإضافة إلى المشكلات الأخرى مثل الاتجار بالأطفال، وأطفال الشوارع، والمعاقين، وأطفال الأمهات السجينات، والتعاطى والإدمان وغيرها.