الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

«التعليم الفنى» يخوض معركة الوجود

«التعليم الفنى» يخوض معركة الوجود
«التعليم الفنى» يخوض معركة الوجود




تحقيق وتصوير - دعاء محمد
أهمل التعليم الفنى فى مصر لسنوات طويلة، وأصبح فى  جزر منعزلة عن التعليم، وتراكمت عليه العديد من التحديات أهمها نظرة المجتمع المتدنية له ولطلابه المعروفين بـ«الدبلومات»، بالرغم من أهميته ودوره فى رفع كفاءة الصناعة واهتمام الدول المتقدمة به وجعله فى مرتبة رفيعة شأنها شأن التعليم الجامعى.. يحتاج هذا النوع من التعليم لاهتمام خاص وخطة قومية للنهوض به وإدماج خريجيه فى سوق العمل حيث يصل عددهم للملايين، ويتم التعامل معهم على أنهم مهمشون وليس لهم دور في المجتمع، ويحتاج الاقتصاد القومى لسواعدهم.

«روزاليوسف» رصدت حال تلك المدارس والتحديات التى تواجه هذا القطاع فى جميع مراحله، وقال هيثم راضى - طالب بالتعليم الفنى – سأعمل بشهادة الدبلوم بعد الحصول عليه، فيرى نفسه أفضل من طالب الثانوية العامة الذى يذاكر طوال العام ثم يتحكم التنسيق فيه فى النهاية، وقد لا يدخل الكلية التى يحلم بها.
عصام ربيع – طالب – فرغم أن تقديره فى الإعدادية كان يتيح له الالتحاق بالثانوية العامة إلا أنه فضل دخول المدرسة الفنية الصناعية لكى يتعلم أى حرفة تساعده بعد انتهاء الدراسة تؤهله للعمل فى أى شركة أو مصنع حسب تخصصه، لكن خريجى الجامعات عندما يتخرجون لا يجدون فرص عمل.
علياء أحمد – طالبة تعليم فنى – ترفض النظرة المتدنية من المجتمع للتعليم الفني، فهو يتيح التفوق لدارسه وبالتالى الالتحاق بكلية الهندسة، فهى تحلم بأن تصبح مهندسة وستحقق هذا الحلم من خلال تفوقها فى التعليم الفني، فأسرتها غير قادرة على تحمل أعباء الثانوية العامة ونفقاتها الضخمة.
انتقلنا إلى المعلمين فى الدبلومات الفنية، فقال كمال عبد اللطيف - مدرس بالمدرسة الفنية المتقدمة التجارية بشارع قصر العينى - إن توفير أسواق عمل لطلاب التعليم الفنى أمر مهم لتطوير قدرات الطالب الفنى سواء تجاريا أو صناعيا، والذى كان يتلقى تدريبه فى المصانع الحربية وشركات التأمين وغيرها قبل خصخصة الشركات والمصانع العامة، ولكن الآن لا يجد فرصة عمل، ويرجع ذلك لعدم تطوير المناهج التعليمية، فآخر تعديل تم على المناهج التجارية كان عام 2004، لذلك يحتاج التعليم الفنى دعماً إعلامياً لتغيير رؤية المجتمع المتدنية له، فمدارسه مهمشة مما دفع الطلاب للاعتداء على المدرسين بها مما دفعهم للعزوف عن العمل بها، مطالبا بدعم التعليم الفنى باستشاريين وخبرات من داخل التعليم الفنى نفسه.
وقالت فاطمة تبارك - مدرس أول بمدرسة المرج الصناعية بنات – إن تخصيص وزارة للتعليم الفنى خطوة جيدة سوف تعالج الإهمال المتراكم منذ سنوات طويلة، وبالفعل اتخذت خطوات على أرض الواقع للتطور والتوسع فى التدريب المزدوج ولجان المناهج، وتشكيل لجان لدراسة سوق العمل، وسوف يتم انتهاء عمل لجان تطوير المناهج خلال يناير المقبل، مشيرة إلى أن منظومة التعليم الفنى تعانى من تدنى فى مستويات تدريب المدرسين والطلاب، فلا توجد خامات كافية فى المدارس لإنتاج الكثير من المنتجات، فالإمكانيات لا تسمح سوى بتنظيم معرض نهاية العام، كما تتناول وسائل الإعلام التعليم الفنى بطريقة مُهينة.
 وهناك أقسام قادرة على إنجاز الكثير من المنتجات بكفاءة عالية وبأسعار رخيصة، مطالبة بعرضها فى أرض المعارض دون مقابل، مشيرة إلى نجاح بعض المدارس الفنية من حيث التجهيزات وتخصصات سوق العمل وتأهيل المعلمين، مثل مدرسة تكنولوجيا المعلومات بالإسماعيلية ومياه الشرب والبتروكيماويات وتشهد هذه المدارس إقبالا كثيفا من قبل الطلاب الذين يخضعون لاختبارات للقبول بها.
رصدنا آراء مديرى المدارس الفنية، فيرى رضا عبد المنعم - مدير مدرسة فنية متقدمة تجارية - بأن أصبح الطالب التعليم الفنى لا يريد التعليم، ويرغب فى شهادة الدبلوم من أجل تقليص مدة الخدمة العسكرية، وهناك سوء سلوك للطلبة ولا يوجد ضوابط للسيطرة عليهم خاصة بعد ثورة يناير، ولكن وزارة التعليم الفنى تسعى لتدريب القائمين على المنظومة، ورفع كفاءتهم ومحاولة الوصول إلى نواحى القصور ومعالجتها.
بينما أشاد أحمد نجيب - مدير مدرسة بنبا قادن الثانوية الصناعية بنين - بالإمكانيات والمعدات داخل الورش، ويراها مناسبة للتمارين داخل المدارس الفنية فى القاهرة والجيزة والإسكندرية التى تجد اهتماما كبيرا بعكس مدارس القرى والنجوع المهملة للغاية، واعترض على عقم المناهج وارتفاع نسبة الغياب، ويرى بأنه لابد من تدريب الطلاب فى المصانع، خاصة أن منهم ذوى المهارات لكن لا يجدون اهتماما أو مساعدة، منتقدا نظرة المجتمع المتدنية لطالب التعليم الفنى وأن شهادته غير مجدية.
وأكد إبراهيم عبد الخالق - مدير مدرسة السيدة زينب الثانوية الصناعية بنات - أن مشاكل التعليم الفنى تتلخص فى تطوير المناهج، والاهتمام بالحقوق المادية للمدرسين الذين لا يحصلون على حقوقهم كاملة مما يجعلهم أكثر كفاءة، فيتراوح أجر المعلم بين 1280جنيها للمعلم و 2716 جنيها لمدير المدرسة شهريًا، وبعد المعاش يتقاضى 800 جنيه، ويشير إلى أن هناك بعض الإدارات فى وزارة التربية والتعليم يتقاضى موظفوها أجورا فلكية، مثل المطبعة السرية والإدارة العامة للامتحانات وشئون الكتب، ويرى أن التعليم الفنى قادر على المساهمة فى الاقتصاد القومي، وقال إن وزارة التعليم الفنى توفر التدريب للمعلمين والمديرين، ويتوقع صعوبة تطوير التعليم الفنى إذا تم الاعتماد على الوساطة وليس القدرات والشهادات.
ويرى د. صلاح جودة - الخبير الاقتصادى - إن التعليم الفنى له دور مهم وهو توفير احتياجات المجتمع، وعلى الحكومة إعداد خطة لإغراء المجتمع بالعمل الفنى، ولا يتم تعيين عمال فى المصانع والهيئات العامة إلا من خريجى التعليم الفني، وصرف مكافآت تحفيزية للطلبة، وإرسال الطلبة والمعلمين فى بعثات تعليمية وتدريبية للخارج لاكتساب الخبرات، وجلب خبراء من الخارج لتدريبهم فى الداخل، والاهتمام بالجانب العملى فى المصانع، وتحديث الورش داخل المدارس، وإنشاء أكاديميات لتعليم الطلبة وتنمية مهارات المعلمين، ويمكن أن يتحقق ذلك خلال 5 سنوات من العمل الجاد.
فضل صابر - رئيس الإدارة المركزية للتعليم الفنى السابق - يرى أن حقوق التعليم الفنى مهدرة منذ سنوات طويلة، حيث يتم إهدار الجهد والمال دون عائد أو فائدة، حتى أصبح فى جزر منفصلة عن سوق العمل، وانهيار مستوى العنصر البشرى فيه من معلم وموجه ومدير مدرسة، لذلك يحتاج لإعادة تأهيل، ودراسة واقع المدارس وتوفير التجهيزات والمعدات لتدريب الطلاب، والتطور التكنولوجي، فغالبا لا تستخدم المعدات فى الورش  خوفًا من تلفها ولكونها عُهدة.
ويقول: الدول المتقدمة تضع التعليم الفنى فى المركز الأول، فكل مصنع فيه مهندس مقابل 20 فنيا، لذلك يجب تطوير مناهج التعليم الفنى كل 3 سنوات، وينصح بتخفيض أعداد المقبولين فى المدارس التجارية وتوزيعهم على المدارس الصناعية والزراعية، مع مراعاة الرغبة فى اختيار التخصصات لدى الطالب على الأقل فى الصناعي، وضرورة الاهتمام بمشاكل المعلمين، حيث يعود بالإيجاب على الطالب، وأكد دور رجال الأعمال فى التواصل مع الوزارة لإعادة الرؤية فى الخطط الموضوعة للتعليم الفني.
وأكد الدكتور محمد يوسف - وزير التعليم الفنى – فى تصريحاته أن مصر تواجه عجزا شديدا فى العمالة الماهرة، وأن التعليم الفنى يخرج سنويا 650 ألف طالب وطالبة، منهم 12 ألفا فقط عمالة ماهرة، مشددا على أهمية إنشاء منظومة للتدريب تضمن الاستمرارية من خلال دراسة السوق وعمل استراتيجية للتدريب، وأن الوزارة تتجه لتخريج المستوى الثاني، والعمالة الماهرة كى تتماشى مع متطلبات سوق العمل، لتنتج بالمصانع وتنهض بالإنتاج، منوها إلى أن البطالة بين المتسربين من التعليم وصلت لـ2.5%.