السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

سنغافورة مركز الاقتصاد الآسيوى

سنغافورة مركز الاقتصاد الآسيوى
سنغافورة مركز الاقتصاد الآسيوى




كتب: أحمد عبده طرابيك

تسير القارة الآسيوية بخطى متسارعة نحو قيادة العالم اقتصاديا، بفعل ما تحققه العديد من دولها من طفرات اقتصادية غير مسبوقة، فإذا كانت التجرية الصينية قد اعتمدت على القوة البشرية الهائلة فى وصول الاقتصاد الصينى إلى ثانى أكبر اقتصاد فى العالم، فإن تجربة سنغافورة تأتى بعد التجربة اليابانية فى الانتقال من بلد فقير فى موارد الطاقة، ويعانى من شح الموارد الطبيعية والاقتصادية، إلى بلد يتجاوز معدل دخل الفرد فيه 24 ألف دولار سنويا، بفضل نظام الإدارة الرشيد المتكامل.
تعتبر منظومة التعليم فى سنغافورة هى الأكثر تأثيرا فيما وصلت إليه سنغافورة من تقدم، حيث تعتمد سنغافورة على نظام تعليمى يعتبر من أفضل النظم فى العالم، الأمر الذى جعلها تتصدر الأولمبياد الدولى فى امتحانات المواد العلمية، كما عملت على تطوير التعليم العالى والبحث العلمي، فبعد مرحلة رياض الأطفال يجرى فرز الطلاب حسب مستوياتهم، ويتلقى المتفوقون منهم رعاية خاصة فى مدارس للمتفوقين، حيث يؤهَّل الطلاب للمرحلة الجامعية اجتماعيا وتعليميا وثقافيا، ولذلك تعتبر الجامعة الوطنية بسنغافورة من الجامعات الرائدة عالميا، ويتم إعداد هذه النخب للعمل فى الخدمة المدنية والقوات المسلحة، ويستمر نظام بناء النخب وتشكيلها من خلال فرز المتميزين فى سلسلة من المهارات والوظائف والأعمال الحكومية.
يؤسس النظام التعليمى لإيجاد جهاز إدارى للدولة قائم على الكفاءة والمهارة والمهنية العالية، حيث يتم اختيار العاملين بالجهاز الحكومى فى مختلف مؤسسات الدولة عبر مناظرات عامة ومفتوحة للرأى العام، ويتساوى العاملون فى الجهاز الحكومى مع العاملين فى المؤسسات الخاصة فى المميزات والواجبات والحقوق، الأمر الذى جعل سنغافورة تتصدر مؤشر الشفافية الذى تصدره منظمة الشفافية الدولية.
ونظرا لأن سنغافورة من الدول الفقيرة بالموارد الطبيعية، ولا توجد لديها مساحات كبيرة صالحة للزراعة، فإنها اتبعت استراتيجية تعتمد على التنوع فى الأنشطة الاقتصادية، فعملت على إيجاد بيئة مشجعة لجذب الاستثمارات من خلال القضاء على البيروقراطية، وسن حزمة من القوانين التى شجعت على جذب رءوس الأموال إلى جانب إعداد قوائم بالمجالات الاستثمارية فى مختلف القطاعات بما يخدم الاقتصاد الوطني، فطورت صناعة السياحة حتى أصبحت من أهم المقاصد السياحية فى العالم، كما أقامت مركزا ماليا دوليا يضم أكثر من 500 مؤسسة مالية عالمية.
اعتمدت سنغافورة على التقنية المتقدمة لدفع عجلة النمو، حيث تمثل الصادرات عالية التقنية أكثر من 60% من إجمالى صادراتها للخارج، حتى تربعت على صدارة الدول الأكثر استخداما لتقنية المعلومات متقدمة على الولايات المتحدة واليابان حسب تقرير منتدى دافوس الاقتصادي، وتعمل سنغافورة على تطوير مجمعات للتقنية الحديثة فى مجال الاتصالات والتقنية الحيوية، بالإضافة إلى تطوير مراكز بحثية تفوق فى قدراتها ما هو متاح فى الدول الأوروبية، مما شجع العديد من الشركات متعددة الجنسيات على العمل فيها.
يعتبر «لى كوان يو» هو مؤسس نهضة سنغافورة الحديثة، حيث استطاع أن يضع سنغافورة فى مكانة مرموقة بين الدول المتقدمة، ويقدم نموذجا فريدا فى التنمية الشاملة بجميع جوانبها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، حتى صار نموذج التنمية فى سنغافورة مدرسة بحد ذاتها مرتبطة باسم «لى كوان يو»، وتحتذى بها كثير من الدول الطامحة إلى التقدم والنمو.
أصبحت منطقة شرق آسيا التى تنتمى إليها سنغافورة متشابهة إلى حد كبير فى بنيتها الاقتصادية والاجتماعية، ولذلك فإنها تسعى إلى الخروج من تلك المنطقة والانتشار فى أسواق جديدة، وتعتبر منطقة الشرق الأوسط من الأوراق التى تتطلع إليها سنغافورة بشكل كبير، ولذلك سعت إلى ذلك من خلال مبادرتها بإقامة الحوار الآسيوى الشرق أوسطي، والذى استضافته سنغافورة فى يونيو 2005، وتجاوبت مصر مع تلك المبادرة واستضافت الاجتماع الثانى للحوار الآسيوى الشرق أوسطى فى مارس 2008، وقد توقف ذلك الحوار نظرا للعديد من العوامل منها ما يتعلق بالضغوط الخارجية، ومنها ما يتعلق بالأوضاع السياسية فى منطقة الشرق الأوسط، ويمكن الآن أن تقود كلا من مصر وسنغافورة ذلك الحوار مرة أخري، ولكن بصورة مختلفة عما كان عليه فى البداية، فقد تغيرت كثير من العوامل والظروف التى يجب وضعها فى الاعتبار عند استئناف ذلك الحوار بشكل عملى حتى يحقق الأهداف المرجوة منه فى تنمية مصالح جميع الأطراف.