الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

دنيا كمال: الكتابة علاج نفسى ودورها كبير فى تصالح الإنسان مع ذاته

دنيا كمال: الكتابة علاج نفسى ودورها كبير فى تصالح الإنسان مع ذاته
دنيا كمال: الكتابة علاج نفسى ودورها كبير فى تصالح الإنسان مع ذاته




حوار-  إسلام أنور    
دنيا كمال القلش.. كاتبة مصرية تعمل فى مجال الإعلام، صدرت راويتها الأولى «حكايتان: هى وضحى» عام 2009، وحصلت روايتها الثانية «سيجارة سابعة» الصادرة عن دار ميريت على المركز الأول فى جائزة ساوريس الأدبية فرع الشباب لعام 2014.
تملك دنيا كمال ميراث من المعرفة الأدبية المتنوعة والثرية بحكم كونها مترجمة بالإضافة لكونها ابنة الأديب والمثقف المصرى الكبير كمال القلش، وتدرك دنيا جيداً الدور الذى يلعبه الفن والأدب فى تكوين ذاكرة بديلة عن الذاكرة التى تصنعها السلطة.
 ونجد هذا الاهتمام بالذاكرة حاضر بقوة فى روايتها الأولى «هى وضحى»، ويتكرر سؤال الذاكرة من جديد بصورة مغايرة فى روايتها الثانية «سيجارة سابعة»، وفى هذه الرواية تأخذنا الكاتبة فى رحلة مع بطلتها «نادية»، التى تعانى على المستوى الشخصى من عقدة اليكترا، فهى تبحث عن أبيها فى كل الرجال الذين أحبتهم، حتى فى مشاركتها فى ثورة 25 يناير تستدعى ذكرياتها مع أبيها فى طفولتها، هذا الأب المناضل، الذى علمها الحرية وحب الفن والحياة.
ومن خلال رحلة البطلة «نادية» نتطلع على أزمات الطبقة الوسطى المصرية وخاصة جيل الشباب الذى يشعر بالشتات والضياع فى ظل منظومة مجتمعية فاسدة ومتهالكة.
جريدة «روزاليوسف» التقت دنيا كمال وحاورتها عن أعمالها وفوزها بجائزة ساويرس الأدبية وإلى نص الحوار:
■ الرواية بها انحياز واضح للثورة وللأفكار اليسارية مع رفض للسياسات الرأسمالية التى تفقر المجتمعات وتسحق الشعوب وعائلة ساويرس واحدة من رموز الرأسمالية فى مصر هل توقعت أن تفوز روايتك بالجائزة فى ظل هذا التناقض؟
ــ لم أكن متأكدة من فكرة الفوز، ولكنى كنت على ثقة من كون الرواية من الأعمال التى ستكون داخل دائرة المنافسة، وفيما يخص كون الرواية بها انحياز لثورة 25 يناير، فبكل تأكيد هناك انحياز لدى الشخصيات التى شاركت فى الثورة وحلمت بها وصنعتها، وأنا شخصياً لدى انحياز واضح للثورة بكل تبعاتها، وبالتالى عندما أكتب نصًا أدبيًا طبيعيًا أن يعبر عن انحيازاتي، وفى النقطة التى تخص التناقض بين كون جائزة ساويرس تدعهما عائلة رأسمالية، والانحياز اليسارى فى الرواية، فأولاً مؤسسة ساويرس هى جمعية أهلية غير حكومية تندرج تحت القطاع المدني، وثانيا لا توجد جوائز إيجابية فى مصر تمثل أى تحقق للأدباء، وبالتالى فكون عائلة ساويرس تطوعت بعمل هذه الجائزة فهذا شيء جيد، وطبعا أتمنى أن تكون هناك جوائز أدبية أخرى تقدمها أفراد أو عائلات غير رأسمالية.
■  بدأت الرواية بمقطع من رواية أولاد حارتنا لنجيب محفوظ يقول «لا يحول بيننا وبين السعادة إلا العفاريت الكامنة فى أعماقنا» ما هذه العفاريت وكيف يمكن لنا التغلب عليها وهل الكتابة قادرة على طردها وتحريرنا منها أم ماذا؟
ـــ العفاريت مجرد أشياء داخلنا، تشعرنا بالخوف دائماً، وتتغير من مرحلة لأخرى، وعلى مدار رحلة الحياة نحاول الابتعاد عنها وإلغاء وجودها، وفى نهاية الأمر أعتقد أننا إذا لم نستطع التخلص منها فعلينا التصالح معها كى نستطيع أن نعيش الحياة، وأعتقد أنه لا يوجد وصفة للتخلص من العفاريت بأى طريقة من الطرق، لكن بالتأكيد الكتابة لها دور كبير جدا فى التصالح.. تصالح الإنسان مع ذاته ومع عفاريته، وبالنسبة لى الكتابة علاج نفسي، فأنا خريجة كلية  آداب قسم لغة  انجليزية، وأستاذتى كانت الدكتورة والأديبة الكبيرة رضوى عاشور - رحمها الله - وهى من أول من قرئوا رواية «سيجارة سابعة» وقالت لى «أنت لم يكن لديك حل آخر غير الكتابة، فإما تكتبى يا إما تخبطى رأسك فى الحيطة».
■  الرواية قائمة على التداعى الحر للذاكرة ولذلك أتت فصول الرواية غير مرتبة زمنياً لماذا اخترت هذا الأسلوب فى بناء العمل وبرأيك إلى أى مدى نحن أسرى لذاكرتنا؟
ـــ بالنسبة لاعتمادى على أسلوب التداعى الحر للذاكرة، فبحكم دراستى للأدب الانجليزى فقد اطلعت على العديد من النصوص الأدبية الانجليزية التى تستخدم هذا الأسلوب، وتأثرت كثيراً فى هذه النقطة تحديداً بأعمال الروائية الإنجليزية الشهيرة فرجينيا وولف، وفكرة التداعى الحر للذاكرة أقرب ما تكون لعمل الذاكرة، فذاكرتنا لا تعمل بمنطق منتظم ومرتب، ولكنها تستدعى أشياء مختلفة ومتنوعة زمنياً ومكانياً وتسقط أشياء أخرى، لذلك حرصت أن تكون معظم فصول الرواية مرتبة بهذا الشكل الذى لا يسير بخط زمنى متصل، وباستثناء أحداث ثورة 25 يناير التى حرصت أن تكون أحداثها متصلة زمنيا وبالتحديد فترة الثمانية عشر يوماً التى قضيناها فى ميدان التحرير من 25 يناير حتى 11 فبراير.
وفيما يخص السؤال هل نحن أسرى لذاكرتنا؟ فنعم نحن أسرى لذاكرتنا، وفى روايتى الأولى «هى وضحى»، كانت أول جملة فى الرواية هى «الذاكرة تلعب بنا طوال الوقت»، وللأسف الشعب المصرى ذاكرته ضعيفة، فنحن ننسى أسرع مما نتنفس، وهذه الحالة من ضعف الذاكرة لدى المصريين متعمدة من قبل أنظمة الحكم المتعاقبة.
■  فى سياق الحديث عن الثورة قالت بطلة روايتك نادية «لم تكن لدى مشكلة مع أى شخص يدافع عن نفسه بالسلاح بل أرى قراره أن يظل متبعا السلمية وهو يهاجم شخصه فهذا نوع من الانهزامية»  برأيك إلى أى مدى كان يجب أن نكون راديكاليين لتنتصر الثورة؟
ــ لا أعرف إلى أى مدى فأنا لا أضع تنظيرات سياسية بالمرة، ولكن علينا أن نتعامل مع جملة البطلة فى سياقها ولا نجتزئها، فالبطلة كانت تتحدث بفكر تأملى وهذه البطلة التى تحدثت عن خيار المقاومة والثورة المسلحة، هى ذاتها التى كانت تشعر بالخوف عند رؤية أى شخص مصاب سواء كان من الثورة أم من أعداء الثورة.
■  أشرت فى الرواية إلى أن معظم من قاموا بالثورة هم من الطبقة الوسطى الذين قلتى أنهم لم ينجزوا شيئًا مكتملاً فى حياتهم.. إلى أى مدى تشبه الثورة صانعيها؟
ـــ الثورة تشبههم 100%، كما قلت.. من قاموا بالثورة لم ينجزوا أى شيء كامل فى حياتهم، نحن جيل مستهلك لم نصنع شيئًا بأيدينا، وصنعنا ثورة تشبهنا لم نستطع إكمالها. ببساطة « عملنا ثورة عظيمة لكننا فشلنا فى تقفيلها بأيدينا لأن أيدينا لم تعتد أن تنجز شيئًا»، ومع كل الاحترام والرحمة والبطولة العظيمة لشهداء الثورة ومصابيها، لكن فى النهاية الثورة لم تكتمل، ولم يبذل فى سبيلها ما تستحقه من تضحيات، فمعظمنا استسهل ولم يكمل نضاله للنهاية، فنحن جيل نفسه قصير للأسف.
ولنكن صرحاء المجتمع المصرى كله يحتاج للثورة فالطبقة الوسطى تحتاج للثورة لتحسين أوضاعها، لكنه احتياج به الكثير من الرفاهية، ففى نهاية الأمر الطبقة الوسطى لن تجوع، مهما حدث، فى حين أن الطبقات الفقيرة التى تشعر بالجوع والفقر وتعانى من الجهل هى الأكثر احتياجا للثورة ولكنها لم تدافع حتى الآن عن مصالحها وحقوقها بالشكل الذى ينبغى عليها أن تفعله.
■ ختمت الرواية بقرار البطلة بالسفر والرحيل وجعلت نهاية العمل مفتوحة فهل هذا يمكن أن نعتبره رحلة بحث عن حياة جديدة وإلى أى مدى يمكن أن تكون هذه الرحلة هى عملك المقبل؟
ـــ قد تكون حياة جديدة للبطلة، وقرار الرحيل مجرد رمزية بحته للأزمات التى مرت بها نادية (بطلة الرواية)، ولا.. لن تكون هذه الرحلة عملى المقبل.. هذه نهاية سيجارة سابعة وعملى المقبل سيكون حدوته مختلفة تماما.