السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

تسعيرة العيادات الخاصة تجارة بوجع الغلابة

تسعيرة العيادات الخاصة تجارة بوجع الغلابة
تسعيرة العيادات الخاصة تجارة بوجع الغلابة




تحقيق - محمد فؤاد
بعد تدنى الخدمات الصحية المقدمة من المنشآت الحكومية، أصبح شعار «كفاية على المريض مرضه» هو السائد، وجملة تتردد بين المرضى البسطاء غير القادرين على توفير العلاج بعد أن أصبحت العيادات الخاصة مشروعاً استثمارياً على حساب المريض الغلبان الذى وصل به الحد إلى أن يبيع منزله وأرضه لتوفير نفقات العلاج، والكشف لدى الأطباء فى عياداتهم الخاصة بقيم تتراوح بين 50 جنيها فى المناطق الريفية و500 دولار فى المناطق الراقية.
الأمر الذى دعا الصيدلى هانى سامح - الخبير بشئون الدواء ومنسق حركة تمرد الصيادلة - بإنذار على يد محضر لوزير الصحة ونقيب الأطباء والذى حصلت «روزاليوسف» على نسخة منه، يطالبهم فيه بإعمال القانون الخاص بالأطباء والذى يلزم وزير الصحة بوضع حد أقصى لأسعار الكشوفات الطبية والمستشفيات والخدمات الطبية بشكل عام، وكان لنا بعض اللقاءات مع المسئولين عن هذا الأمر للوقوف على إعمال القانون لصالح الغلابة، داخل هذا التحقيق.

بداية قالت الحاجة «أم محمد» - من قرية شنشور محافظة المنوفية - إنها باعت مصاغها الذهبى للسعى وراء الأطباء فى أكبر العيادات فى مصر الجديدة ومدينة نصر لعلاج ابنها محمد من عدم القدرة على الوقوف على ساقه والكلام حتى بلوغه 11عاما من عمره، وتراوحت أسعار الكشوف الطبية بين 200 و 300 جنيه والاستشارة 70 جنيها، إضافة لمستلزمات الكشف من رسم سمع بالكمبيوتر وجلسات علاج طبيعى وفحوص وتحاليل، ما جعلها تتكبد أموالا كثيرة، وحتى الآن تبحث عن علاج ابنها فى العيادات بعد فقدها الثقة فى مستشفيات الحكومة لعلاج ابنها بعد مشوار كبير بين حجرات الكشف فى المستشفيات العامة وجراحات اليوم الواحد والذى باء بالفشل.
هانى عبدالسلام - من شبرا الخيمة - يقول ابنى مصاب فى العين، وذهبت به إلى المستشفى وبعد الكشف عليه وتناول الدواء زادت حالته سوءا، ونصحنى جار لى أن أذهب إلى الطبيب «هـ - ف» فى عيادته الخاصة بشارع شبرا، لتوقيع الكشف عليه يوما بعد يوم، وكان الكشف 150 جنيهاً والاستشارة بـ50 جنيها وانتظمت معه 6 أشهر، ثم انتقلت لطبيب آخر بمنطقة الزمالك كشفه 500 جنيه، والحجز بعد شهر على الأقل، وعلمت أن له عيادة أخرى فى مدينة طنطا والكشف هناك 100جنيه فقط فأسرعت بالحجز هناك، وكنت أسافر بالقطار حتى يتوفر معى نفقات العلاج حيث إننى موظف بسيط بالمحليات، وبدأ ابنى يتماثل للشفاء والآن نتابع مع الطبيب حتى تستقر حالته.
صلاح بركات - من حلوان - قال ذهبت بابنى إلى المستشفى العام فى الواحدة ظهرا ودرجة حرارة جسده مرتفعة جدا، وبعد انتظار الدور أكثر من نصف ساعة قال الطبيب لى «تعالى بكرة لأن ميعاد العمل انتهى، وأنا عندى عيادة» وتركنى وخرج فأسرعت خلفه وقلت يادكتور ابنى بيموت فقال «تعالى العيادة فى الشارع الثانى بعد المستشفى» وطلبت منه تقاضى ثمن الكشف وتوقيعه عليه هنا فتوقف وأخذ منى الكشف «70 جنيها» وكشف على ابنى وعند عودتى به إلى المنزل التقط أنفاسه الأخيرة وودع الدنيا التى بها أطباء بلا ضمير، أثق تمام الثقة بأن عدالة السماء سوف تأتى بحق ابنى الذى فقدته بسبب غياب الضمير.
وقالت صابرين أحمد - من الوراق - زوجى عقيم، وتزوجته منذ 3 سنوات، أعشق الأطفال وحلمى أن أصبح أما، ولكن علاج زوجى يستغرق وقتا طويلا نقضيه متنقلين بين أطباء الذكورة والعقم، وأمراض النساء والتوليد التى نسمع عنها فى التليفزيون ويكون الكشف فيها بالحجز المسبق لفترات طويلة، وكل طبيب له تسعيرته الخاصة والتى تصل لمئات الجنيهات، رغم أن ك منهم يكتب علاجا مختلف عن الآخر لكى يثبت أنه الأصح، ورغم أن زوجى باع ميراثه وهو عباره عن منزل حتى يستطيع الإنفاق على الحلم الكبير بالإنجاب إلا أنه لا فائدة حتى الآن من علاج الأطباء.
قال الدكتور إبراهيم فتحى - أستاذ الجراحة العامة بكلية الطب جامعة الأزهر - إنه فى بداية حياته كان يعمل فى عيادة بقريته بالمنوفية بكشف 15جنيها، مراعيا ظروف أهله ومعارفه وسكان القرية، ومع ارتفاع الأسعار رفع قيمة الكشف إلى 25جنيها بعد الثورة، ومع الإقبال على العيادة قام بنقلها إلى مدينة أشمون على أن يكون سعر الكشف 40 جنيها، والاستشارة مجانية خلال أسبوع، حتى يتماشى مع طبيعة عمل الأطباء بالعيادات الموجودة بالمدينة، وأيضا يتناسب مع الظروف الاقتصادية التى يمر بها المرضى المصريون.
وأكد د.إبراهيم أن أسباب ارتفاع سعر التذكرة هو غلاء المعيشة فقط وتكاليف تشغيل العيادة من تمريض وعمال وضرائب وكهرباء ومياه وصيانة أجهزة، وهو الدافع الوحيد لرفع «الفيزيتا».
أما الدكتور عبدالعزيز جاد - استشارى أمراض النساء والتوليد بمستشفى القصر العينى - وعيادته بمصر الجديدة فكشفه 200جنيه، والاستشارة خلال أسبوع بـ 50 جنيها، ويقول إن أسباب تحديد سعر التذكرة هو الإقبال الشديد على الكشف فى العيادة الخاصة بموجب الخبرة الطويلة فى هذا المجال، وهو ما جعله يتنقل بين العقارات فى المنطقة بحثا عن مكان مناسب حيث يدفع قيمة إيجارية 7 آلاف جنيه شهريا بخلاف مقابل الخدمات والمرافق وأجور العمالة والصيانة والمستلزمات.
مضيفا أنه لا يجبر أحدا على الكشف لديه، وأن تفرغه للمرضى يأخذ كل وقته وصحته، فلابد من توفير الدخل المناسب لأسرته أيضا، والمريض عليه أن يختار وهناك قطاع كبير يتعامل مع المستشفى الحكومى دون تكلفة، ولكن المريض الذى يتردد على عيادته يبحث عن خدمة جيدة، وهذا يحتاج تكاليف يتم استقطاعها.
قال الصيدلى هانى سامح – الخبير بشئون الدواء بالمركز المصرى للحق فى الدواء - إن قانون نقابة الأطباء رقم 45 لسنة 1969 نص فى فصل «تنظيم تقدير الأتعاب» المادة 46 على أن «يضع مجلس نقابة الأطباء جدولا بالحد الأقصى للأتعاب التى يتقاضاها الأطباء فى حالات الاستشارة والعلاج والعمليات الجراحية على أن يعتمد هذا الجدول من وزير الصحة»، مؤكدا أن قانون العقوبات يلزم وزير الصحة ونقيب الأطباء بتنفيذ تلك المادة أو السجن المشدد بالإضافة إلى قائمة جرائم تربيح الغير والتربح وجرائم الأموال، وهناك قائمة طويلة من الأطباء يتراوح الكشف الواحد لديهم بين 800 و 2000 جنيه، رغم أن القانون واللائحة السابقة تنص على أن أقصى سعر للكشف الطبى للأستاذ 15 عاما خبرة لا تتجاوز 100 جنيه.
وأكد أن كثيرا من الأطباء يمصون دماء المرضى ونقابتهم تسكت عنهم، بتهاونها وتجاهلها القانون وتحصيل الدمغة الطبية، خاصة أن تحصيلها سيكشف الحجم الحقيقى للتهرب الضريبى من قبل غالبية الأطباء، وأدان سامح تراخى وزير الصحة ومحاباته للأطباء على حساب الغلابة، وطالب المواطنين بالتوجه إلى نقابة الأطباء، وطلب تقدير الأتعاب فى حالة تجاوز قيمة الكشف أيا كان جهته عيادة خاصة أو مستشفى وذلك تنفيذا لنص المادة 47 والتى تنص على  «لا يجوز للعضو أو للمريض أو ولى أمره أن يلجأ إلى القضاء فى شأن أجر العلاج قبل اللجوء إلى مجلس النقابة الفرعية»، وإذا اختلف الطبيب وذوى الشأن حول أجر الكشف تولى مجلس النقابة الفرعية تقديرها بناء على طلب أحد الطرفين، وعلى النقابة الفرعية أن تخطر الطرف الآخر بخطاب موصى عليه بصورة من طلب التقدير ليبدى ملاحظاته على ما ورد فيه، وعليها أيضا أن تخطر الطرفين بميعاد ومكان الجلسة المحددة لنظر التقدير، ولكل من الطرفين أن يحضر الجلسة أو ينيب عنه وكيلا، ويعلن مجلس النقابة الفرعية كلا من المتظلم والمتظلم ضده بصورة من القرار الذى أصدره فى النزاع، وذلك بكتاب موصى عليه مع علم الوصول على العنوان الثابت لكل من المتنازعين لدى المجلس.
 من جانبه قال الدكتور أحمد شوشة - رئيس اللجنة القانونية بنقابة الأطباء - إنه للأسف لا يوجد تشريعات قانونية تحمى المريض من جشع بعض الأطباء فى هذا الزمان الذى غاب فيه الأمانة والضمير، حيث يتعارض ذلك التشريع مع كرسى النقيب حيث أنه طبيب وله عيادة أيضا ولا يحب أن يخسر الأصوات الانتخابية حفاظا على الكرسي، وإنسانيا تكون المغالاة ابتزازا للمريض تحت وطأة المرض، وضعف المواطن وسعيه للبحث عن العلاج لمرضه، حتى يوجد منهم من يبيع أرضه ومنزله وكل ما يملك حتى يحافظ على أغلى ما عنده وهو كنز الصحة، وقال بأن أحد أطباء الأعصاب بكلية الطب القصر العينى سابقا حقق أعلى رقم فى فاتورة الكشف حتى وصل إلى 500 دولار للكشف على المريض الواحد، والتى يستغرق مدة كشفه 15 دقيقة، كما أن هناك مجموعة من الأطباء معروفين فى مجال المخ والأعصاب والكبد هم من يستغلون المريض ويحققون ثروات من ورائه، وطالب وزير الصحة بمضاعفة الرقابة على الخدمات المقدمة من  العيادات الخاصة، وعلى الشئون الاجتماعية وسرعة إنشاء كيان تحت مسمى «جمعية أصدقاء المريض» للدفاع عن حقوق المريض الذى لا يقدر على الدفاع عن نفسه، وهو فريسة المرض وبعض الأطباء.
أما الدكتور علاء غنام - مدير برنامج الحق فى الصحة بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية - فأكد أن هناك فوضى فى القطاع الخاص للخدمات الصحية والمسئول عنها هى إدارة العلاج الحر بوزارة الصحة، وأن هناك عددا كبيرا من العيادات غير المرخصة تمارس عملها جهرا أمام الجميع، وغاب عنها الضمير المهني، حيث يطلب أدوية وتحاليل من أماكن معينة يتوفر له نسبة فيها على تحويل كل مريض عليها، وهذا ما يسمى «اختلاق الطلب» فى الطب، وقال إن 70% من الإنفاق الكلى على الصحة فى مصر من جيوب الناس حيث توضح الدراسات أن 25% من إجمالى الإنفاق الصحى للمواطنين فى مصر يذهب للأطباء فى العيادات الخاصة، مما يحقق ثروات لـ 150 ألف طبيب، أما شباب الأطباء فهم ضعفاء وغير قادرين على إنشاء عيادة أو مركز علاجى فى ظل الشروط والتكاليف التى لا يقوى عليها أى شاب فى مقتبل عمره، وطالب بإنشاء مجلس طبى أعلى للإشراف والمتابعة على جميع الخدمات التى تقدم للمريض من صرف روشتات وإجراء الفحوصات وغيرها بعيد عن أعين المتخصصين.
وقال الدكتور سمير بانوب - الخبير العالمى فى السياسات الصحية - إن الاصلاح الجذرى لمافيا العلاج الحر فى العيادات الخاصة هو الحل غير العملي، وهو أن تحدد قيمة الخدمة، ويجب حماية المرضى من الإهمال بمراقبة الجودة طبقا للمعايير، ومراقبة جدية الخدمات، وضمان أن المريض يحتاجها فعلا، فبعض الدول تسعر الخدمة، وتحرم عمولات التحويل للمعامل، أما الحل الجذرى فهو تعميم التأمين الصحى الاجتماعى الحقيقى لجميع فئات الشعب، وإلزام الأطباء فى القطاع العام بالعمل به طول الوقت، ودفع رواتب عادلة مقابل ذلك، فى هذه الحالة لن يجد الطبيب الذى يغالى فى أسعاره بديلا إلا قبول أسعار نظم التأمين المخفضة، لأن حجم القطاع الخاص سوف يقل كثيراً.
وقال الدكتور صابر غنيم - وكيل وزارة الصحة رئيس الإدارة المركزية للتراخيص والمؤسسات غير الحكومية بوزارة الصحة – أن ما يحدد أسعار تذاكر العيادات الخاصة هو قانون العرض والطلب على الأطباء فى التخصصات المختلفة، حسب أهميتها والمنطقة الواقع بها العيادة، فى ظل العمل على قرار وزير الصحة، وتشكيل لجان لدراسة ومناقشة أمر تعريفة للكشف فى العيادات الخاصة مع نقابة الأطباء باشتراك عضو من المؤسسة العلاجية، ونعقد اجتماعات بشكل دورى مع النقابة، وقريبا سوف تعلن وزارة الصحة عما توصلت إليه هذه اللجنة، بعد الوصول إلى التسعيرة المناسبة لكل طبيب حسب الدرجة العلمية الحاصل عليها وخبراته من أخصائى واستشاري, واستشارى عام، ومدرس, ومدرس مساعد, وأستاذ، وأستاذ دكتور.
وأضاف غنيم: أن إدارة العلاج الحر تفتش على الخدمات المقدمة للمريض من أشعات أو تحاليل أو أدوية، وتعرضها على متخصصين، وإذا ثبت أن المريض فى حاله عدم احتياج لها، تصدر الإدارة قرارا بغلق العيادة وطلب من النقابة العامة للأطباء تحويل الطبيب إلى لجنة «آداب المهنة» وقد تصل العقوبة إلى الإيقاف عن ممارسة المهنة.
وأشار غنيم إلى أن الإدارة المركزية للعلاج الحر تكلف لجان بفحص جميع اللافتات الموجودة فى الشوارع للأطباء، ومطابقتها بالشهادات التى يقدمها الطبيب للجنة لمراجعة اللافتة، وذلك لحماية المريض من أى وسيله للغش والخداع.