الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

«المُبعدون».. رواية عن آخر مستعمرة جذام أوروبية

«المُبعدون».. رواية عن آخر مستعمرة جذام أوروبية
«المُبعدون».. رواية عن آخر مستعمرة جذام أوروبية




كتبت - ابتهال مخلوف
ضمن خطتها الدؤوبة لتقديم الأدب العالمى المجهول للقارئ العربى مثل أدب شرق أوروبا قدمت دار العربى للنشر الترجمة العربية لرواية «المبعدون» التى كتبها الكاتب «أوجنين سباهيتش» بلغة يتكلمها 20 مليون أوروبى فى شرق أوروبا، والتى لاقت استحسان النقاد فى العالم وتمت ترجمتها للغات عديدة.
وحملت أول ترجمة عربية للرواية، التى ترجمتها المترجمة هبة ربيع، عنوان «المبعدون».
المبعدون أو «أطفال هانسن» هى الرواية الأولى للأديب «أوجنين سباهيتش» من جمهورية الجبل الأسود - إحدى جمهوريات يوغوسلافيا سابقًا قبل تقسيمها - وقد فازت بجائزة «ميسا سليموفيتش» عام 2005 كأفضل رواية من جمهوريات يوغوسلافيا، ونالت عام 2011 جائزة «أوفيد» للروايات المترجمة باللغة الرومانية.
سباهيتش هو روائى وكاتب قصص قصيرة درس الهندسة المدنية والفلسفة فى جامعة الجبل الأسود، له بخلاف رواية «المبعدون» 3 مجموعات قصصية هى «كل هذا» و«بحث شتوى» و«رأس مفعمة بالسعادة» التى صدرت مؤخرًا. ويعمل الكاتب صحفيًا فى صحيفة «فيجستى» بمدينة بودجوريتسشا عاصمة الجبل الأسود.
ويعتبر سباهيتش نفسه كاتبا قصاصًا أكثر من كونه روائيًا لأن فن القصة القصيرة أول ما اجتذبه عندما شق طريقه فى عالم الأدب رغم أنه يخطط لخروج الرواية الثانية له خلال شهور قليلة.
يبدأ أوجنين (38 عامًا) روايته التى صدرت عام 2004، بالتعريف بمكان أحداثها، ذاكرًا أن آخر موطن أوروبى لمرضى الجذام أو «مستعمرة الجذام» كان يقع فى جنوب شرق رومانيا وسط مناظر الظلام والأرض الجرداء، وأنه على مر العصور مُزق البلد إلى أشلاء بمخالب أسود الشر العجوزة، وتلطخت أيديهم بدم الملايين المقهورة، مؤكدا أن رومانيا لم تنسَ مجد الشجعان الذين ساهموا فى صناعة تاريخها. فهو يتباكى على مجد قطعة من اوروبا صارت خرابا بتعابير مثل أجنحة الخيول الرومانية اللامعة والتى تمزقت الى أشلاء بمخالب أسود الشر».
تروى حكاية «المبعدون» مذكرات راو فى مستعمرة للجذام فى رومانيا كان قد دخلها موصومًا بالمرض عام 1981 ويصف صداقته برفيقه الأمريكى فى غرفة الحجز روبرت دنكان.
وتبدأ أحداث الرواية بتاريخ محدد هو 16 أبريل عام 1989 وهو العام الذى شهد نهاية «العالم الثاني» بانهيار الشيوعية، ليأخذنا فى رحلة مع مأساة مرضى الجذام وتاريخ مستعمرة الجذام ونظرة الناس لهم باعتبارهم منبوذين و أن كل جزء فى جسم المريض ناقل لجراثيم المرض لذا يحتجزون فى مستعمرة يصفها الكاتب بالمقبرة المسكونة بالأرواح الشريرة التى يعيش فيها مرضى مشوهون جسديًا وعقليًا لافتقارهم للعواطف الإنسانية والتواصل مع غيرهم من الأسوياء.
لكن ما النقطة التى يلتقى فيها عالم المصابين بالجذام وعالم المظلومين وضحايا القمع؟
إنه الجوار الجغرافى فى التقاء ظاهرى يبدو ظاهريًا، حيث تنطلق الشرارة الأولى للاحتجاجات ضد الديكتاتور الرومانى تشاوتشيسكو عام 1989فى مصنع مجاور لمستوطنة الجذام.
إلا أن هناك مستوى أعلى وأعمق للجوار وهو المعاناة البشرية والألم والظلم قد تتلخص فى معنى يتردد صداه فى كل صفحة من الرواية وهو أن مريض الجذام ميت فى العالم لكنه حى عند الله.
وفى مزج مثير بين التحرر من العبودية وبين السعى للشفاء من المرض تأتى لحظة التنوير فى الرواية عندما تم حرق المستعمرة ليرمز بها إلى التخلص من وصمة عار وإذلال طالت البشرية وليندمج المرضى فى المجتمع.
المغزى الأعمق الذى يلمس أوتار قلوبنا عند قراءة الرواية هو ما عمد إليه أوجنين سباهيتش من تشبيه الظلم السياسى بمرض الجذام، فالمصابون به يسجنون فى مستعمرة ورويدًا رويدًا يفقدون كثيرًا من «أشياء صغيرة» وهى ما يشعر بها الإنسان بمعنى حياته، كما شبه الحرية بالدواء الذى لابد للإنسانية من تجرعه ليشفى العالم من أمراضه ومشكلاته.
يبدأ الفصل الاخير بنداء لرومانيا لتستيقظ من سبات الموت الذى أغرقها فيه الطغاة البربريون ولتشاهد أعداءها وهم ينحنون أمامها.
حينذاك يأتى مشهد النهاية عندما يخرج البطل وصديقه الأمريكى من المستعمرة ينتقلان عبر الحدود ليصلا على مشارف النمسا – بداية أوروبا الغربية فى إشارة إلى أن الضمير البشرى يتصور تلك البقعة من العالم الخلاص من القهر والظلم والفقر. وربما هى مصادفة يفرضها الواقع حاليًا، حيث يتردد فى داخل القارئ معاناة لاجئى الشرق الأوسط الفارين لأوروبا.
ويتجسد مغزى الرواية عبر أغنية يسمعها الراوى تقول: «أنا عابر سبيل غريب فقير. أسافر عبر هذا العالم من الويل، لكن ليس هناك مرض، أو كدح أو خطر، فى تلك الأرض المشرقة التى سأذهب إليها».
تأتى لغة الرواية بصورة مباشرة للتعبير عن شبكة معقدة من الخوف والعواطف، وحاول سباهيتش توظيف تشبيهاته المستمدة من الطبيعة حول المستعمرة ليعكس الحالة النفسية فى روايته مثل «الديدان تنخر فى نسيج الوقت» ومثل وصفه للمستعمرة بأنها بيت عنكبوت العمر والطائرات الهليكوبتر بالحشرة العملاقة، وكذلك يصف نهاية آخر مستعمرة للجذام بالمخلوق العجوز البغيض المهيب فى سقوطه، أما التاريخ فهو العين الثالثة للبشرية.