الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

السيد الجزايرلى: «قصور الثقافة» اغتالت ديوانى الأول منذ عشرين عاما

السيد الجزايرلى: «قصور الثقافة» اغتالت ديوانى الأول منذ عشرين عاما
السيد الجزايرلى: «قصور الثقافة» اغتالت ديوانى الأول منذ عشرين عاما




حوار – خالد بيومى
السيد الجزايرلى.. شاعر وكاتب متعدد الاهتمامات، تمتد تجربته من الشعر إلى النقد الأدبى، ومن العمل الصحفى والتوثيق إلى نقد الفنون البصرية كالتشكيل والمسرح والسينما..وهو يحتفى فى شعره  ببساطة الرؤية مع الحفاظ على وضوح السياق والمعنى الذى يطرحه ويتحاور معه. حصل السيد الجزايرلى على عدة جوائز من بينها جائزة المجلس الأعلى للثقافة للشعراء الشباب عام 1993م، وجائزة الهيئة العامة لقصور الثقافة عن ديوان «وجع البحيرة» عام 1995م، وقد كرمته عدة جهات من بينها وزارة التعليم العالى عن نشاطه بالمركز الثقافى المصرى بالرياض عام 2010م، وكذلك الجمعية السعودية للثقافة والفنون عن مسرحيته «عودة هاملت» التى عرضت ضمن مهرجان المسرح السعودى عام 2012م، وقد أصدر حتى الآن سبعة كتب، من بينها ديوان «سيرة العطش» عام 2011م، وديوان «أبجدية الوجع» عام 2014م، ومعه كان هذا الحوار:
■ أنت شاعر وصحفى وناقد سينمائى وتشكيلى وكاتب وتعمل بالتوثيق الصحفي.. كيف توفق بين هذه الاهتمامات؟
- أمام كل هذه الاهتمامات أحرص دائمًا على الانتصار للشعر والشاعر، وأعتز دائمًا بكونى أحد الصحفيين الذين دخلوا عالم الصحافة من بوابة الشعر، لأننى عندما احترفت العمل الصحفى قبل عشرين عاما، لم أشأ أن أكون صحفيًا باهتًا يعبر الصفحات الثقافية دون ضجة تذكر، وقد أعطانى تكوينى الشعرى الذى يختزن قدرًا لا بأس به من الحس النقدى مساحة عريضة للكتابة النقدية عن الفنون البصرية كالسينما والمسرح والتشكيل والنحت، بالإضافة إلى الكتابة النقدية فى فنون الأدب كالشعر والقصة والرواية، وأرى أن هذه كلها روافد متصلة بالعملية الشعرية، ولذلك لم أشعر ـ أبدًا ـ أن عملى الصحفى استطاع أن يخطف منى روح الشاعر، ولم أجد صعوبة فى التوفيق بين تلك الاهتمامات لأنى لا أكتب نقدًا إلا عن التجارب التى تحرك الحواس النقدية الموجودة بداخلي، ولأنى لم أفرغ نفسى لفرع منها، ولم أتخذ من النقد مجالا للتكسب أو لبناء شبكات مشبوهة من علاقات المصالح المتبادلة كما يفعل تجَّار النقد فى الوقت الراهن.  
■ ألا يمثل ذلك تشظيًا فى موهبة المبدع؟
- إن كنت ترمى من خلال سؤالك إلى تأثير الصحافة والاهتمام بالكتابة النقدية فى مجالات مختلفة على مشروعى الشعري، فاسمح لى أن أختلف معك، لأن اهتمامى بهذه الجوانب أسهم فى إثراء تجربتى الشعرية وأنضجها وجعلها قادرة على التشابك مع فنون أخرى يتوهم بعض الشعراء أن العلاقة بينها علاقة تنافر أو تصارع أو قطيعة، وهى فى جوهرها علاقة بناء وتراكم وتكامل، وبالتالى لم أتعرض لهذا «التشظي» الذى أشرت إليه، بل كنت مدركًا أن علاقتى المعرفية بالفنون الإبداعية الأخرى تعمق ـ دائمًا ـ علاقتى كشاعر بالشعر.
■ لكن ديوانك الأول تأخر صدوره لأكثر من خمسة عشر عاما.. بماذا إذًا نفسر ذلك؟
- أوضحت لك فى إجابتى الأولى إننى عندما دخلت عالم الصحافة لم أشأ أن أكون صحفيًا باهتًا، وهذا الأمر كان يتطلب منى جهدًا كبيرًا، لذلك قررت تأجيل إصدار المجموعات الشعرية لفترة معينة تفرغت فيها لتأهيل نفسى بالصورة التى تسمح لى بالاستمرار فى الصحافة السعودية التى يعمل بها صحفيون محترفون من جنسيات عربية مختلفة، فانشغلت إلى جانب عملى اليومى كمحرر ثقافى بدراسة الإعلام من جوانبه المهنية العملية عبر عدد من الدورات والدبلومات المتخصصة فى التحرير والتصميم والإخراج وتحليل المحتوى وصناعة النشر وإدارة المطبوعات، وقد ساعدتنى هذه الدراسات المتخصصة التى تركز على التأهيل العملى المهنى أكثر من تركيزها على التأهيل النظرى فى تحقيق موقع متميز، وخلال سنوات قليلة أصبحت مسئولاً عن صفحات ثقافية فى صحف يومية، ومنها انتقلت إلى إدارة التحرير فى عدد من المجلات الشهرية والأسبوعية وعدد من المؤسسات المتخصصة فى صناعة الإعلام والنشر، ولست نادمًا على تلك السنوات لأنها لم تذهب هباءً، وإن كنت قد تأخرت فى إصدار مجموعتى الشعرية الأولى التى اغتالتها الهيئة العامة لقصور الثقافة، فأنا لم أنقطع أبدًا عن كتابة الشعر.
■ كيف اغتالت هيئة قصور الثقافة مجموعتك الشعرية الأولى كما تقول؟
- يتصور كثيرون أن ديوان «سيرة العطش» الصادر عام 2011م هو ديوانى الأول، والحقيقة أن الهيئة اغتالت قبله ديوان «وجع البحيرة» الذى فاز بالجائزة المركزية للهيئة العام 1995م، وكان من المفترض أن يصدر ضمن إصدارات سلسلة «أصوات أدبية»، لكنه لم يصدر، وعندما ذهبت للهيئة مستفسرًا عن أسباب عدم صدوره، قال لى أحد موظفى الهيئة: «يا عم سيد إنت قاعد فى الخليج ومبسوط اترك بأه الفرصة للشعراء الغلابة اللى قاعدين هنا»، وكأن سفرى للعمل فى دولة خليجية مبررًا لإسقاط حقى المشروع كشاعر مصرى يطمح فى أن يطبع أعماله عبر الجهات المعنية بالنشر فى وزارة الثقافة المصرية.. لقد خرجت يومها من مبنى الهيئة كمن طعنته بخنجر مسموم، ومن ذلك اليوم اعتبرت أن هذا الديوان تم اغتياله مع سبق الإصرار والترصد فى مبنى الهيئة بشارع قصر العينى.
■ لماذا لم تصدره فيما بعد، مثلما أصدرت كتبك الأخرى؟
- لدى قناعة بأهمية أن أنشر مجموعاتى الشعرية داخل مصر، وليس خارجها مثل الكتب الأخرى، ولكنى بعد حادثة قصر العينى اتخذت قرارًا بتأجيل فكرة صدور الديوان لفترة معينة، فوضعته ضمن قائمة الأحلام المؤجلة، وكنت مرتاحًا لذلك لأن معظم قصائده كانت منشورة فى مجلات مثل: «إبداع، والشعر، والثقافة الجديدة» وبعض المجلات والصحف المصرية والعربية، وعندما فكرت عام 2010م فى إصدار مجموعتى الشعرية الأولى تيقنت أنه من الأفضل لى أن أبدأ بديوان آخر غير «وجع البحيرة» لقناعتى بأن تجربتى الشعرية قد تجاوزته وأصبحت أكثر نضوجًا، فكان ديوان «سيرة العطش» الذى صدر فى 2011م هو الأول من حيث الصدور، لكنه الثانى من حيث الترتيب التراكمى لنتاج التجربة.  
■ لماذا اخترت له عنوان «سيرة العطش»؟
- لأن قصائده تمثل حالات مختلفة من الرفض، وصورًا متباينة لمدلولات «العطش» بكل ما تحمل هذه المفردة من تصوير لفداحة الفقد والحاجة إلى قيم العدل والمساواة والحرية، وبكل ما تكشف عنه من مظاهر الجفاف والفساد والقهر والتجريف وانتهاك الحريات وسلب الحقوق ومشاعر الغربة داخل الوطن وخارجه، وذلك من خلال صور شعرية مشحونة بالغضب والأسئلة الموجعة، ومن المفارقات ذات الدلالة القدرية أن يأخذ الديوان رقم الإيداع فى 2010م، ويصدر فى 2011م بالتزامن مع ثورة 25 يناير.
■ ما التجربة الإبداعية التى يطرحها الديوان؟
- قصائد هذا الديوان كتبت على مدى سنوات من حكم مبارك الذى نجح نظامه باقتدار فى إشغال المواطن المصرى برغيف الخبز عن كل أحلامه وتطلعاته إلى واقع أفضل يليق بقدراته وتاريخه، وهى تبدو شعريًا كما لو كانت حالات سردية لسيرة «العطش» الذى أصاب مصر بالجفاف والتصحر على مستويات مختلفة، ولكنها لم تخلُ ـ أبدًا ـ من الأمل فى التخلص من سنوات القمع والفساد، لذلك لا أرى الديوان تجربة إبداعية فقط، بل تجربة إنسانية لمواطن مصرى اختار الغربة مضطرًا بعد أن استولى النظام على أرض آبائه وأجداده ليوزعها كعطايا على كبار مسئوليه.  
■ «أبجدية الوجع» هو عنوان ديوانك الثاني.. برأيك هل للوجع أبجدية؟، وما عدد حروف هذه التجربة؟
- نعم.. فالوجع يختزن أبجديته الخاصة. كما أن الأبجدية تختزن وجعها الخاص، وديوان «أبجدية الوجع» يتكون من جزأين، وقد حاولت فيه أن أقدم تجربة مغايرة من حيث استثمار وتوظيف الطاقات الدلالية للحروف العربية وبعض مفرداتها التى تحيل بطبيعة تكوينها اللغوى إلى قضايانا التى توجعنا بشكل يومي، ولذلك حينما استخدمت «حرف الهاء» على سبيل المثال كانت القصيدة «هاءُ الهزيمة»، وكان الوجع المتجذر فى هزائمنا المتكررة موضوعًا للقصيدة، وكذلك عندما استخدمت «حرف الميم» كانت القصيدة «ميم المحطة»، وكان وجع الفقد والغياب موضوعًا للقصيدة، وهكذا فى كل قصائد الديوان الذى ضم فى جزأيه ثمانية وعشرين قصيدة هى عدد حروف اللغة العربية، وقد حرصت على أن تكون كل القصائد على بحر واحد هو «الكامل» حتى تتحقق لها الوحدة الإيقاعية العروضية التى تتوافق ـ من وجهة نظرى  مع وحدة الفكرة التى يقوم عليها الديوان.
■ حصلت على العديد من الجوائز.. برأيك هل الجائزة تصنع مبدعاً؟
- الجوائز بالتأكيد لا تصنع مبدعًا، ولكنها عندما تأتى فى سياقها المناسب، ولا تدور حولها الشبهات، تمثل تكريمًا مستحقًا للمبدع، ولكن ـ للأسف ـ معظم الجوائز فى الوقت الراهن تفتقد إلى الحيادية والموضوعية والنزاهة بسبب الفساد الذى طالها مثلما طال الكثير من جوانب حياتنا، ومعظم الجوائز التى حصلت عليها جاءت فى فترة مبكرة من حياتي، وتقريبًا منذ عشرين عامًا لم أتقدم لأى جائزة.