السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

فليتنافس المتنافسون ... على مثل «هنا انتيجون»

فليتنافس المتنافسون ... على مثل «هنا انتيجون»
فليتنافس المتنافسون ... على مثل «هنا انتيجون»




ربما قد تتراجع إدراة المهرجان الدولى للمسرح المعاصر والتجريبى عن فكرة إلغاء التسابق، خاصة بعد ما تشهده اليوم الدورة الثامنة للمهرجان القومى للمسرح، من اشتعال المنافسة بين عروضها المسرحية، لأن التنافس فى النهاية، يخلق حالة من التحفيز والسعى للإجادة بالأعمال المقدمة، وهو ما حدث بالفعل طوال أيام المهرجان، حيث سعى الجميع، للبحث عن آليات جديدة لرفع مستوى كفاءة اعمالهم الفنية، كى تكون على أكمل وجه يوم التحكيم، يأتى على رأس هذه العروض التى سعت لذلك، وبقوة، عرض «هنا أنتيجون» للمخرج تامر كرم، وإنتاج مسرح الطليعة، وكانت بداية تحسين وتطوير العرض فى نقله من خشبة الطليعة إلى خشبة مسرح الجمهورية، وهذه النقلة الفنية انتقلت بالعرض إلى منطقة أعلى وأرقى كثيرا، مما قدم عليه بالطليعة.
تناول المخرج مسرحية «انتيجون» الشهيرة لسوفوكليس برؤية موسيقية، وهو ما كان يصعب تحقيقه على مسرح بإمكانيات الطليعة، وبالتالى شاب العمل وقتها عيوبا كثيرة أهمها الصوت، فلم تكن أصوات المطربين واضحة على الإطلاق، وبالتالى لم يسمع الجمهور، معظم المقاطع المغناة، لكن بالطبع كان واضحا حجم المجهود المبذول، والذى ظهر أكثر على مسرح الجمهورية، خاصة أن المخرج اعتمد فى رؤيته الموسيقية، على الغناء «اللايف»، وهو ما تطلب وجود أوركسترا، على خشبة المسرح التى انقسمت إلى مستويين، جزء للكورال الذى غنى بطريقة الجوقة، والجزء الأخر لعازفى الأوركسترا، الذين اعتلوا خشبة المسرح والمستوى الأخر لديكور العرض، وبالتالى استغل المخرج خشبة المسرح كاملة ونظرا لضيق خشبة الطليعة، ظهرت جماليات العرض فى تقسيم الخشبة على الجمهورية بوضوح أكبر، ليس هذا فحسب بل لعب أيضا كرم على التغيير، فى الملابس بشكل كامل والأداء الحركى للراقصين، وهو ما كان فارقا بشدة فى تماسك العمل فنيا وبصريا.
لم تقتصر جودة «انتيجون» هذه المرة، على عرضه بمسرح الجمهورية فقط، ولكن سعيا لاكتمال عناصره الفنية والدرامية استعان كرم بمصمم الإضاءة عمرو عبد الله الشريف، وهو ما ساهم فى الارتقاء بالعمل إلى مستوى بصرى ودرامى، أقوى كثيرا مما كان عليه، حيث ساهمت الإضاءة بقوة تشابكها، مع دراما العرض فى معايشة الجمهور للصراع النفسى للممثلين، على المسرح ولمعايشة أجواء العمل بالكامل، الذى يدور حول أسطورة انتيجون الفتاة التى تحدت الملك كريون، وحاولت باستماتة إنقاذ جثة أخيها من يد الملك الباطشة، الذى لم يتردد فى التنكيل بها، وظلت انتيجون على موقفها حتى ماتت، فى سبيل جهادها ضد الطغيان، وبأداء تمثيلى وصوتى متميز لأبطال العرض هند عبد الحليم، والتى ادت شخصية انتيجون بأداء سينمائى حميمى هادئ وبسيط، وابتعدت عن الأداء المسرحى الحنجورى التقليدى، وذلك رغم صغر سنها وحداثة عهدها بالتمثيل إلا أنها كانت من أميز أبطال العمل، وكان كذلك الفنان علاء قوقة فى دور كريون، ورحاب خليل ومحمد ناصر، كل هذه العناصر المتميزة، صنعت من «هنا أنتيجون» حالة فنية مختلفة، لم يشهدها العرض على خشبته القديمة من قبل، لذلك يجب هنا التوقف والإشارة إلى ضرورة الخروج من خندق خنق الإبداع، بإتاحة الفرص للشباب لاستغلال المسارح ذات الإمكانيات الضخمة، فقد تساهم هذه المسارح فى إظهار الإبداع أو فضح الإدعاء، وهو ما حدث تحديدا مع عرض «هنا أنتيجون» لأن العرض على خشبة مسرح الجمهورية، خرج إلى آفاق أرحب أظهرت إبداع صناعه، وبالتالى كان من الظلم اخفاء جماليات العمل وأصوات الممثلين، على خشبة لا تحتمل عرضا يحتاج إلى إمكانيات وتقنيات فنية ضخمة، ففى الجمهورية وضح أكثر جمال أصوات المطربين والكورال، والتى كانت مكتومة من قبل وغير مسموعة بالمرة على الطليعة، وهو ما تسبب فى ظلم العرض والمؤلف الموسيقى وليد غازى.
لكن فى النهاية لابد من الإشادة، بإصرار المهرجان القومى للمسرح على الاحتفاظ بالتسابق، فخضوع العروض المسرحية للمنافسة والتسابق خلقت حافزا للاجتهاد والإجادة، لإظهار أفضل ما يملك كل مخرج وممثل بعمله المسرحى، وهو ما ساهم فى المقابل فى صنع حركة مسرحية حية وقوية، لأن الجميع يعلم أنه تحت التقييم والمراقبة، وبالتالى لم يستسلم أحد لشكل نهائى وأخير لخياله الفنى، وأصبح يسعى المشاركون إلى تحقيق الأفضل، وكان عرض «هنا أنتيجون» خير دليل على إمكانية استيعاب التجديد والتغيير و«...على مثل هذا فليتنافس المتنافسون».