الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

الروائى عمرو عاشور: الصدام مع الواقع الثقافى والفنى لن يأتى فى مصلحة الإخوان




على مدى ثلاثين عاما كان يعانى جيل من المبدعين بأكمله، ولد وتربى وتعلم فى ظل نظام كرس كل طاقته من أجل إفساده، بين المحاولات المستميتة لمواصلة الحياة أو الحفاظ على النذر البسيط الذى تحقق منها، جاءت رواية «كيس أسود ثقيل» للروائى عمرو عاشور لتصف حياة شاب من أبناء جيل عرف طعم القسوة مبكرًا، وتلخصت كل آماله وأحلامه وطموحاته فى أن يجد لقمة العييش، لا أن يمتلك سيارة فارهة أو منزلا على النيل كمثال لشريحة اجتماعية من جيل الطَّموح بين أبنائه يحلم بالزواج قبل أن يهلك بحثا عن وظيفة وشقة إيجار جديد.
 
■فكرة الرواية كانت فى الأصل متتالية قصصية.. فلماذا حولتها لرواية؟
 
- فى البداية كنت قد انتهيت من كتابة مجموعة بعنوان «التعب»، وفى الوقت ذاته كنت أعمل فعليًا على كتابة رواية تدور أحداثها فى إمبابة وسوق الجمعة، وكانت المجموعة مقسمة لثلاثة أجزاء، اعطيتها لصديقى الروائى إيهاب عبد الحميد فأثنى عليها غير أنه أبدى أعتراضه على الجزء الأخير من تلك الأقسام الثلاث، فقررت حذف هذه القصص، وعدت للعمل على المجموعة فى شكلها الجديد، وفى تلك الفترة أيضًا كنت أتردد على زيارة الروائى حمدى أبو جليل، وكنت أقرأ عليه بانتظام كل ما ينتهى من الرواية حتى ولو كان مقطعًا صغيرًا، وحين اعطيته المجموعة بشكلها النهائى فوجئت به يتصل بى ويخبرنى بأنها تستحق النشر لكنه يراها رواية أكثر منها مجموعة، وذلك لأن البطل واحد واللغة والأحداث متقاربة جدًا، وهنالك خط واضح يجمع بين القصص، ثم اقترح علىَّ أن أضمها لما أكتبه فى المخطوطة، فى بداية الأمر ارتبكت ولم أكن أعرف ما يتوجب علىّ فعله فأخبرت إيهاب برأى أبو جُليل فاندهشت من اقتناعه التام بهذا الرأى، وبدأت العمل على المخطوطة والرواية معًا.. فى الحقيقة كان العمل على هذه الرواية ممتعًا فعلاً، وفى خلال عدة أشهر كنت قد انتهيت تمامًا من المخطوطة الأولى، وكالعادة تم توزيعها على الأصدقاء مرة أخرى فكانت الآراء مبشرة، وأحسست أن مجهودى لم يضع هباءً.
 
■تميز الغلاف بتكنيك جديد ساهم فيه صورة الطفل عمرو عاشور بشكل كبير.. فهل كان لك دور فى هذا التكنيك أم هى فكرة الفنان أحمد اللباد؟
 
- بعد تجربتى مع «دار الغواية» تأكد لى أن الغلاف مهم جدًا للنص، وهو يشبه إلى حد كبير الملابس التى يرتديها الفرد، يجب أن تناسب الشخصية ووعيها وطريقتها فى الحياة، وهكذا الغلاف، وكنت قد قررت بل عزمت على أن من يصمم الغلاف سيكون الفنان أحمد اللباد، وأننى سأتحمل التأخير ومعاناة الانتظار، المهم أن تحصل الرواية على غلاف جيد، لكن ما حدث كان مذهلاً: ففى أقل من شهرين اتصل بى اللباد وطلب منى أن أغير عنوان الرواية، حيث كان اسمها «الخليجى».. وأفهمنى أن هذا الاسم لا يتناسب مع التصميم الذى يبدو أنه انتهى منه. وكان ذلك بمثابة مأزق بالنسبة لى، فأنا لا أجيد وضع العناوين والأسماء، فكيف سأبدل الاسم فى تلك الفترة الوجيزة، وطلبت منه أن يشرح لى الغلاف فرفض وامتنع تمامًا، وأخبرنى أنه يستطيع أن يرشح لى عناوين أخرى، وكان من بين تلك العناوين «كيس أسود ثقيل».. فتحمست له جدًا وأحسست بأنه ملخص جيد للعمل ولحياة الشخصيات. بعدها بأيام عرفت أنه انتهى تمامًا من الغلاف، وأرسل لى بروفة، وكان التصميم مختلفًا، فقد كانت الصورة الموجودة لطفل آخر، بمعنى أدق لمراهق. ورغم ذلك فقط أسرنى الغلاف من البداية، وأحسست أنه يخصنى وحدى حتى إننى أوشكت على البكاء، بعدها طلب منى عدة صور لى وأنا صغير فاحضرتهم واختار من بينهم تلك الصورة الموجودة الآن على الغلاف.
 
■ مثّل نموذج «عاطف» البطل الكثير من أبناء جيله.. فكيف عايشت تفاصيل حياته المتناقضة؟
 
- التناقض سمة الإنسان الطبيعى. فالفرد لا يعيش حياته فى خط مستقيم أبدًا، إنما حياة الإنسان تسير متعرجة أحيانًا ومتشابكة أحيانًا أخرى، خاصة مع «عاطف» البعيد كل البعد عن الشخصيات النمطية، صحيح هو يشترك مع أبناء جيله فى العديد من المشكلات مثل البطالة والحرمان الجنسى والوقوع تحت مقصلة مجتمع لا يرحم، خاصة أصحاب رأس المال أمثال سمارة وصاحب المكتب، غير أنه يختلف عنهم فى نشأته، ووعيه المبكر بالحياة، ورغبته الملحة فى كونه التعرف على العالم واكتشاف أسراره وجنى ثماره، لكن الاصطدام المستمر بالواقع جعل من أحلامه –حتى التافه منها- مستحيلة، فسقف الأمنيات يعلو ويهبط، قد يصل إلى عنان السماء وفى أوقات أخرى قد يلتصق برؤوسنا ومع ذلك لا نطوله، كما أننى حاولت فى تلك الرواية أن أبدل فكرة البطل الذى كنا نراه قديمًا قويًا وشجاعًا ومعشوقًا من النساء « أبو دم خفيف» للشخص الذى يعانى من الجميع صغيرًا وكبيرًا، فيصبح طموحه الأعظم على الإطلاق أن يجلب لأسرته حياة عادية وعادلة، وعلى الرغم من ذلك يأتى البطل الحقيقى الذى لا نراه ولا نسمع له جملة حوارية واحدة فى الرواية – حسين زوج شيماء - ليحقق هذا الحلم العائلى البسيط بمنتهى البساطة فيزيح عناء الأم التى عانت فى بيت أبيها ثم فى بيت زوجها، ويرفع الهم من الأخت الصغرى التى طافت بائعة فى المحلات، ويرمى من على كتف عاطف مسئولية ضخمة كان يتمنى لو أنها تُنزع منه.
 
■ هل تتوقع تغييرًا فى نمط الكتابة الإبداعية بعد تولى الإخوان للسلطة؟
 
- «كان غيرهم أشطر»، ليس ثمة قوة فى الأرض تستطيع أن تدفن الأفكار وتقبرها، وأتوقع أن تكون حافزًا للكتابة الحرة التى ستحطم كل التابوهات سواء على مستوى الدين أو الجنس أو السياسة، والصدام مع الواقع الثقافى والفنى لن يأتى فى مصلحتهم فقد انقضى عهد الإظلام فى العالم كله، الرواية التى سيتم إقصاؤها أو منع نشرها أو الهجوم عليها حتى ولو باللفظ على كاتبها ستكون الأشهر والأكثر توزيعًا ليس على المستوى المحلى فقط، ولكن على المستوى العالمى، ولكم فى «آيات شيطانية» عبرة يا أولى الألباب، والتاريخ يكتظ بهؤلاء الذين حاولوا أن يقتلوا الأفكار، والتاريخ أيضًا أثبت أن المجد كل المجد للإبداع الفكرى، أما المبدع الذى سيغير من طريقة كتابته وطرح أفكاره حتى تواكب سياسة لا تقدر الفن أو تحترمه لا يستحق أن يكون مبدعًا، ويقينًا فسيكون إنتاجه ضعيفًا وغير مقروء ولن يدوم طويلاً، فالفن الحقيقى المجرد من أية حسابات هو ما يبقى ويدوم ويتم تخليده إلى الأبد.
 
■ تماس الكاتب والبطل فى مناطق عدة.. فهل شكل ذلك تحدياً آخر أم ارباك وخلط بين الأصوات؟
 
- لا أحد يأتى بالإبداع من العدم، لابد أن يكون هناك أشخاص ومواقف وذكريات وأوجاع وأفكار متشابكة ومعقدة فى عقل الكاتب تجبره على الكتابة وتدفعه دفعًا.. ولكن يبقى الفارق بين كاتب وكاتب فى كيفية صياغته لكل ما سبق واختيار الطريقة التى تشكل عملاً فنيًا.. ففى الوقت الذى يخرج فيه الفنان ما يدور بداخله على شكل لوحة أو العازف عن طريق مقطوعة موسيقية فالروائى أيضًا يصوغ كل ما بداخله على شكل رواية، وللرواية أشكال عديدة جدًا ومتنوعة ومختلفة، وقد اخترت أن يُكتب هذا العمل على شكل سيرة ذاتية -مع العلم أن هناك مواقف وشخصيات كثيرة تم تخيلها أو تأليفها ومواقف وشخصيات أخرى حدثت ولكن تم كتابتها بشكل متغير عما حصل- لأن السيرة تحمل للقارئ درجة عالية من المصدقية حتى إنه يجزم أحيانًا أن كل تلك الأحداث قد مر بها الكاتب بالفعل، وما يهمنى فى المقام الأول أن يكون النص ممتعًا وهذا هو الفارق الحقيقى بين ما يقدمه المبدع وبين ما يقدمه المفكر أو المحلل، كلاهما يتكلمان عن الأفكار ولكن الثانى يأتى بالكلام فى كتابه بمنطقية ويتسخدم لغة جافة ومحايدة ويعتمد فيه على الاستشهاد بنظريات معينة تدعم فكره فى حين أن الأول يأتى بالأفكار فيضعها فى مواقف وشخوص وعالم مواز مع العالم الحقيقى.
 
■ وسط الضجيج السياسى الذى نعيشه الآن، هل تم الاحتفاء بالرواية بالشكل اللائق؟
 
- بالتأكيد لم تلق الاهتمام والنقد والاحتفاء كما حصل مع روايتى الأولى (دار الغواية)، ولكن كل الأعمال فى الفترة التى لاحقت الثورة حدث معها نفس الشىء تقريبًا، حتى الأفلام السينمائية والأعمال الفنية الأخرى لم يهتم بها سوى قليل القليل، فدائمًا الأحداث الحياتية اليومية هى ما تشغل بال الجميع، خاصة فترة الانتخابات البرلمانية والرئاسية ومتابعة كل فئات الشعب لمجرى محاكمات رموز النظام السابق، والخوف الثورة، كلها أشياء جعلت من القراءة جانب هامشى جدًا، حتى الصحف التى كانت تخصص صفحات أدبية ركزت فى الفترات السابقة على الأعمال التى لها صلة وثيقة بالثورة، لكن الخوف لم ينتابنى لحظة، فالنص إذا كان جيدًا سيُعاد قراءته فيما بعد وسينال ما يستحق.