الجمعة 20 سبتمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

التسامح من أجل الاستقرار والسلام

التسامح من أجل الاستقرار والسلام
التسامح من أجل الاستقرار والسلام




كتب - أحمد عبده طرابيك

يُعد التنوع الثقافى فى المجتمعات التى يتعايش فيها الجميع على قدم المساواة فى وئام ووفاق وسلام نتيجة التسامح وشيوع ثقافة قبول الآخر من أهم ثروات المجتمع، فالسلام الأهلى والوطني، والاستقرار الاجتماعى هو أساس تقدم الدول والمجتمعات، حيث يوفر ذلك الاستقرار البيئة الملائمة للتنمية والبناء، كما يشيع السلم الأهلى جوا من التآلف والوحدة بين أبناء المجتمع، ومن ثم يشحذ الهمم نحو العمل والسعى بكل جد واجتهاد لبناء مجتمعهم وتنمية أوطانهم.
فما يجب أن يميز الحياة داخل المجتمع المتحضر والساعى نحو الفضيلة، هو التوافق وتقبل الآخر، خاصة إذا ما كنا نريد من الآخرين أن يتقبلوا منا ما نعتقده ثقافيا وفكريا ودينيا وحتى سياسيا، فالقبول المتبادل بين الذين يعيشون فى مجتمعات تتميز بالتنوع الثقافى هى أهم عناصر تقدم المجتمع، فالمتعصب والمتشدد مع مخالفيه، ظنا منه أنه يسعى إلى الكمال، وإحقاق الحق، وإبطال الباطل؛ إنما ينشد «ملكوت آخر»، غير ملكوت الفضيلة والكمال.
شاركت فى مؤتمر بجمهورية أذربيجان بعنوان «التسامح فى المجتمعات المتعددة ثقافيا فى عصر العولمة»، وقد تحدث العديد من الضيوف عن أهمية تأكيد قيم التسامح التى لا تأتى إلا بالعودة إلى القيم الإنسانية العليا، وتنمية المشترك الثقافي، والتقارب بين الشعوب للتوافق على قيم عالمية مشتركة، يأتى فى مقدمتها قيم السلام والتسامح إلى جانب قيم العدل والمساواة، ولا يتحقق ذلك إلا بالتأكيد على التعددية الثقافية بهدف إيجاد أرضية مشتركة للحوار والتفاعل بين المعتقدات الدينية والثقافية المختلفة.
تهتم أذربيجان وسائر دول آسيا الوسطى والقوقاز بنشر ثقافة التسامح لما تضمه تلك الدول من خليط كبير من القوميات المختلفة دينيا وعرقيا، لكنها تعيش جنبا إلى جنب فى وفاق وسلام اجتماعيين قل وجوده فى كثير من الدول والمجتمعات الأخرى، فأذربيجان تقدم نموذجا فريدا للتسامح، ونشر السلام الاجتماعى والدينى والقومى من خلال ما تشهده من تنوع وتعدد ثقافى يتعايش من خلالهما جميع القوميات المختلفة فى وئام وسلام واستقرار اجتماعى، فرغم أن التركيبة العرقية لشعب أذربيجان التى يغلب عليها القومية الأذربيجانية، إلا أنه يعيش بجانبهم الليزيجيون، والروس، والأرمن، والتاليش، والآفار، والأتراك، والتتار، والأوكرانيين، والتساخور، والجورجيون، والأكراد، والتات، واليهود، والأورديون، وخليط من قوميات ومعتقدات مختلفة، وعلى الرغم من أن اللغة الآذرية هى اللغة الأكثر انتشارا فى أذربيجان، إلا أنه يوجد 13 لغة أصلية أخرى، بعض أصحاب هذه اللغات تعيش فى مجتمعات صغيرة جدا، وبعضها الآخر أكثر نشاطا.
ساعدت أجواء التسامح والتعايش السلمى بين جميع مختلف مكونات الشعب فى أذربيجان على إيجاد بيئة مستقرة آمنة ساهمت فى تحقيق طفرة اقتصادية كبيرة، انعكست بشكل واضح على مستوى المعيشة، وظهرت آثارها جلية على البنية الأساسية الشاملة لمختلف المرافق، وقد أشاد بذلك الجميع خلال تنظيم البلاد دورة الألعاب الأوروبية الأولى، التى خرجت فكرة تنظيمها من أذربيجان، واقتضى تنظيمها توفير العديد من العوامل المتعلقة بالبنية التحتية والبيئة وغيرها من العوامل حسب المعايير الأوروبية، وقد استطاعت أذربيجان توفيرها فى زمن قياسى نظرا للبيئة الاجتماعية الملائمة لذلك، وتوافر الامكانات المادية من الوفرة الاقتصادية التى استطاعت البلاد تحقيقها خلال السنوات الماضية، رغم أن عمر البلاد لم يتجاوز ربع قرن على الاستقلال.
لقد أصبح التسامح ضرورة إنسانية ملحة، دعت إليه كافة الأديان، واقتضته الفطرة الانسانية، واستوجبته النشأة الاجتماعية، وتحتمه ثقافة العولمة وما تحتاج إليه من قيم حضارية ومدنية نبيلة، فلا يمكن للعولمة أن تشكل مستقبلا أكثر اطمئنانا وأشد تضامنا إلا باحترام القيم الكونية النبيلة وتفعيلها، ونشر ثقافة التعاون الواعية القادرة على خلق فكر حضارى يتوارى خلفه كل خطاب يشوه الأسس والفطرة الإنسانية القائمة على التسامح، ويغتال العقل ويصادر الحرية ويتنكر للحداثة.
لقد مَنّ الله تعالى على بنى البشر بالعديد من النعم التى لا تعد ولا تحصي، ولكنه سبحانه وتعالى ذكّر أهل قريش بنعمتين فقط، وردتا فى سورة قريش فى قوله تعالى «الذى أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف»، فما أدركنا قيمتهما إلا فى هذا الوقت وخاصة عندما فقدنا نعمة الأمن فى فترة من الزمن، وجاء الارهاب الذى استهدف الجميع على حد سواء، فيا ليت المتشددون يعودن لفضيلة التسامح ونشر السلام فيما بيننا حتى نشعر بالأمن الذى نرجوه.