الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

سكان مقابر عين الحياة فى انتظار نور الحياة

سكان مقابر عين الحياة فى انتظار نور الحياة
سكان مقابر عين الحياة فى انتظار نور الحياة




كتب- بشير عبدالرؤوف


«عاطف» هذا هو الاسم المستعار لرجل خمسينى العمر، يخرج كل يوم ويتمنى ألا يعود مرة أخرى ليعيش وسط الأموات، حاملا عدداً من أرغفة الخبز التى تقتات بها أسرته وعيناه تزرف الدموع مع اقترابه من منزله، حيث يدخل إلى ما هو أشبه بالمقبرة التى تشققت جدرانها وأصبحت على  التهاوى فوق رأسه.
ذلك هو الوصف الأقل لتلك الحياة التى يحياها هذا الرجل والعشرات مثله داخل مقابر عين الحياة، وواحدة من المآسى اليومية والحياتية يعيشها الأهالى داخل المقابر التى تمتد لتلتحم بمقابر الإمامين الشافعى والليثى، والتى يحيا داخلها بين الأموات مئات من الأسر التى تقضى حياتها هناك منذ عشرات السنين، ومنذ عشرات السنين أيضا يحصل الأهالى على الوعود من خلال الجهات الرسمية، التى تختلف مسمياتها مع كل حكومة جديدة، بالنقل إلى مساكن آدمية تحفظ آدميتهم وخصوصيتهم، خاصة أن الجميع يعيش داخل غرفة واحدة تجمع الصبيان والفتيات، بالإضافة إلى الآباء والأمهات.
عشنا مع الأهالى المأساة داخل المقابر وداخل المنازل التى يقطنونها داخل المقابر، والتى يمتلكها أصحاب الأحواش هناك مقابل إيجارات قديمة يتم تحصيلها من الأهالى، على الرغم من سوء الحالة الإنشائية لتلك العقارات التى ستنهار حتما يوما ما على رءوس من يعيش بداخلها.
يتذكر «إسماعيل محمد» أحد الأهالى البالغ من العمر 58 عاما أنه عندما كان يبلغ من العمر 45 عاما كان هناك حصر من جانب محافظة القاهرة تمهيدا لنقل الأهالى إلى مساكن آمنة ومنذ هذا التاريخ توقفت كل الزيارات، منذ ما يقرب من ثلاثة أشهر فقط، إلا أنه لم يحدث جديد منذ هذا التاريخ مرة أخرى دون وفاء بأى وعود.. وتقول إحدى السيدات أنها تقطن المقابر داخل بيوت متهاكلة آيلة للسقوط، وتم توصيل المرافق هناك بالجهود الذاتية ما تسبب فى كثرة الأعطال بها وفشل محاولات الصيانة، نظرا لسوء حال التوصيل أصلا لعشوائيتها.
وداخل أحد المقابر تعيش شقيقتان وسط انهيار أرضى لعدد من المقابر والتى يتعرضان داخلها للسقوط أيضا، وتقول أنها ولدت داخل هذه الغرفة ولا تعرف سواها وهى تبلغ من العمر ما لايقل عن 60 عاما تقضيهم بين الأموات.
«أم جنا» تقول لديها من الأبناء فتاة وولدين يعيشون جميعا داخل غرفة واحدة والثانية يستخدمونها بمثابة مطبخ وحمام، ولا يمكن لهم- على حد تعبيرها- الانتقال بمجهودهم إلى سكن بالإيجار لبساطة حالتهم المادية وأنهم يعيشون فقرا مدقعا، أما الطفلة «جنا» ابنة الثلاث سنوات، فجلست على أحد المقاعد وكأنها تتأمل مصيرها المحتوم والأمل المفقود الذى ينتظرها، فيما هربت إحدى الفتيات والتى تعيش داخل المنزل، نظرا لحرجها من الحال الذى تعيشه فهى ابنة الثامنة عشرة ربيعا.
السيدات يتبادلن الحديث حول ما يتعرضن له حيث تقول إحدى السيدات أنها تتعرض ليلا لسماع أصوات غريبة وأشخاص يلعبون بالكرة ولا يجدون أحدا عند البحث عنهم، كما أن المنزل الذى تقطنه منذ 23 عاما آيل للسقوط وسبق تخفيفه، وحدث له انهيار أرضى وسقط أحد الجدران وأصبحت الحوائط معلقة.
وتضيف أن هذا المنزل شهد ولادة زوجها، وهو بنفس الحال منذ عام 1966، وتحاول كثيرا لدى أجهزة المحافظة التدخل لإزالة طابق دون جدوى، ورغم فظاعة المشهد الإنشائى بمجرد النظر، إلا أن اللجنة الهندسية التى يتم إيفادها لا تقدم جديدا- على حد قولها- والتأكيد بأنه لا يمكن أن يكون هناك أى تصرف تجاهها.
الأهالى هناك لا ترفض الانتقال إلى مساكن آدمية حال اتجاه الحكومة لنقلهم، إلا أن أحدا لم يكرر زيارته لهم للتأكيد على ما تم الوعد به.
المصادر فى محافظة القاهرة تؤكد أن عدد قاطنى تلك المقابر لم يتم حصرهم لعدم وجود موقف قانونى لهم، وجاء فى تصريحات لمحافظ القاهرة أن المحافظة لديها خطة واضحة للقضاء على العشوائيات فى نطاق محافظة القاهرة بما فى ذلك عشوائيات المقابر، وأن المحافظة تحتاج إلى 42 ألف وحدة سكنية لسكان العشوائيات وأنه قد تم الانتهاء من 16 ألفا منها وجار تنفيذ 9500 وحدة فى الوقت الحالى.