الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

على سالم.. رحلة حياة بين الإبداع والإقصاء

على سالم.. رحلة حياة بين الإبداع والإقصاء
على سالم.. رحلة حياة بين الإبداع والإقصاء




كتبت - سوزى شكرى
 
منذ أيام رحل الكاتب المسرحى على سالم عن عمر (97) عاما عاش رحلة حياته ما بين الإبداع والإقصاء وفى العقدين الأخيرين فرضت عليه شبه عزلة، وعانى من مرض السرطان اللعين، وتعرض للهجوم والاتهام من قبل الأوساط الثقافية بسبب زيارته إلى إسرائيل لكنه قاوم كل ذلك بتفاؤل ولم يستسلم يوماً لليأس، وحتى النهاية ظل مخلصاً لقناعاته المتعلقة باتهامه بالتطبيع كان «سالم» يرى أن الرئيس المصرى أنور السادات «داهية» لأنه أقدم على مبادرة سلام مع إسرائيل، وأطلق عليها صفة «عبقرية»، كما تحمس لاتفاقية ومعاهدة السلام بين مصر وإسرائيل عام  9791،  أراد «سالم» أن يتعرف على إسرائيل بالتعامل المباشر فقام بزيارتها على نفقته الخاصة، وتسببت هذه الزيارة فى فصله من عضوية «اتحاد الكتاب»  فى مايو 1002، حيث اعلن الاتحاد رفضه لاتفاقيات «كامب ديفيد»  مع إسرائيل  .


وصف «سالم»  معارضى زيارته بقوله: كل كاتب ينضح بما فيه وهجومهم علىَّ هو تخلف وتطرف وخلل عقلي».  
 وعن أعماله الأدبية فضمت حوالى 15 كتاباً و27 مسرحية غالبيتها كوميدية ناقدة للمجتمع، وكان أول أعماله المسرحية الاحترافية هى «ولاد العفاريت الزرق»  إلا أن مسرحية «مدرسة المشاغبين» التى قدمت فى سبعينيات القرن الماضى ومازالت تعرض إلى اليوم اعتبرت من أهم المسرحيات الكوميدية التى قدمت على المسرح المصري، كانت هذه المسرحية بداية الشهرة والنجومية لنجوم الكوميديا عادل إمام واحمد زكى وسعيد صالح وسهير البابلي.
من أعماله الأخرى مسرحية «الناس اللى فى السماء الثامنة» و«أنت اللى قتلت الوحش»  - كوميديا «أوديب» و«طبيخ الملائكة»، وفيلم «أغنية على الممر  الذى أكد فيه بطولات وتضحيات الجنود المصريين فى حرب عام 1967، بالإضافة إلى إسهامات فى مجال كتابة المقالات فى جريدة الشرق الأوسط والمصرى اليوم واستمر فى الكتابة حتى الأيام الأخيرة من وفاته.
الفنان التشكيلى وجيه وهبه احد الأصدقاء المقربين للراحل على سالم يحكى لنا عنه : نحن أصدقاء من أكثر من 35 عاما، راجل محترم فكرياً وإنسانياً، أول لقاء بيننا كان أثناء عرض مسرحية «أنت اللى قتلت الوحش»، بدأنا نتحاور إلى أن أصبحنا أصدقاء، قبل وفاته بنصف ساعة كنت معه كما تعودنا أن نلتقى فى أحد مقاهى المهندسين حسب برنامجه اليومى، «سالم» كاتب مبدع ولا احد يملك حذفه من تاريخ المسرح المصري، كتب ضد الإرهاب وموقفه واضح فى مقالاته انه مع استقرار الدولة المصرية بأعمدتها.
يكمل: هاجم الإخوان فى وجودهم بمقالاته، لم ينسحب من المشهد مثل الكثيرين الذين باعوا الوطن، ومن يزايد على وطنيته خاسر ومنافق، «سالم» رجل لدية رؤية وفكر ووطنى من تراب وطين مصر، أسلوبه ساخر ونقدى ولم يتلون مثل الآخرين حياته مكشوفة كأنها غرفة زجاجية، وامتهن عددا من المهن فى بداية حياته وكان شديد الفخر بكونه «رجلا عصاميا»، أسس حياته المهنية من لا شيء، وكان صديقًا للكاتب نجيب محفوظ، وفرج فودة وغيرهما، والنخبة التى وقفت ضده هى نخبة عالة على الوطن زايدوا على تاريخه بعبارات إنشائية كذابون ودعاة الثقافة حاربوه بكل الطرق المخجلة، وهو بذلك كشف تدهور النخبة، هو المثقف الوطنى الصادق مع نفسه وسيظل الأشجع لم يتنصل أو يعتذر عن زيارته لإسرائيل، الموت لا يمحو قيمة الرجال بل يوثقها ويسجلها، واعتبر «سالم» أن من حقه أن يختار ما يشاء حتى ولو اعتبره البعض خاطئا، لأن حق المعرفة مكفولة للجميع، مارس حقه بزيارة إسرائيل وفق الاتفاقيات الدولية، واستقل سيارته الخاصة واستلف مبلغ 5000 جنيه من صديق له، وزيارته كانت بعد توقيع على اتفاقية أوسلو الأولى، وأصدر كتابًا بعنوان «رحلة إلى إسرائيل» سرد فيه تفاصيل تجربته، الهجوم عليه فى حياته وبعد مماته والتشهير يرجع للخلافات السياسية والتاريخ سوف ينصفه بكل تأكيد.  
يواصل: حصاره أفظع وأبشع  حصار، وهو حصار «أكل العيش»، تعرض إلى مضايقات كثيرة ولم تمنع له اى مقالة من النشر لكن المضايقات كانت حرب «أكل العيش» حاربوه  عشرين عاماً، سالم» هو أب لثلاث بنات ومريض سرطان، ولولا أصدقائه المخلصين الذين وفروا له مصدر «أكل العيش» ليكتب مقالات فى المصرى اليوم وفى الشرق الوسط وغيرهما من الصحف.
فصل من عضوية اتحاد الكتاب رغم أنه كسب القضية إلا أنهم حرموه من المعاش، رغم قسوة السرطان الذى عانى منه إلا أنه محب للحياة ومتفائل بمصر ومشروعاتها القومية، كان يزوره بعض الفنانين  وآخر من زاره فى المستشفى من عامين الفنان عادل إمام والفنانة يسرا، عاش بإرادة قوية هو حاله كاملة متكاملة من الإنسانية الراقية افتقدتها برحيله ولن أجد له بديلاً.
ومن جانب آخر يروى لنا الكاتب محمود الشربينى عن على سالم: عرفته عام ١٩٨٦ وكان يستعد لعرض مسرحيته «الكلاب وصلت المطار» وكانت كوميديا خفيفة حشد لها نجوما شبانا فى أول فرصه حقيقية تلوح لهم منهم المرحوم إبراهيم يسرى نجم (الكاميرا الخفية) وشاهدته كثيرا فى سهرات «الأوديون» حيث كان يتردد مجموعة من أحبائى وأصدقائى حتى انتقلت لقاءاتنا إلى «الجريون»، لم أرى على سالم هناك لكنه كان دوما محل «نقد» و«استياء» من قبل الأصدقاء من بينهم صديقى الراحل رسام الكاريكاتير بمجلة صباح الخير رؤوف عياد الذى انتقده  بسخرية  وبشدة  لزيارته إسرائيل، وأيضًا الكاتب الصحفى محمد الرفاعى، ورفاق كثر كانوا ينتقدون رحلته إلى الكيان الصهيونى بسيارته اللادا رباعية الدفع سافر بها رحلة عذاب، على سالم كان من مرتادى جلسة حرافيش نجيب محفوظ، وفى عصر فرج فودة وهجومه الحاد على الداعين لتطبيق الشريعة الإسلامية ومطلقى دعاوى الحسبة ونصيرى التطرف، كان على سالم هو ثانى اعلى صوت فى مواجهة الإرهاب،  لكن على سالم المسرحى القادم من مسرح العرائس - فقد بدأ حياته لاعب عرائس- كان مبدعاً،  لكن إبداعه فى الكتابة السياسية لم يكن على نفس مستوى إبداعه المسرحي، سقط عمله «الكلاب وصلت المطار». ولم يحقق النجاح الذى ادعى على سالم بثقة انه سيحققه، كما سقطت «خشب الورد» التى زعم بعضهم أن الفنان محمود عبد العزيز أراد  بها ان يخوض مواجهة فنية مسرحية أمام الزعيم عادل إمام.
يكمل: مع أن على سالم كان يقول لى: أنا مقاتل مسرحى ولن اترك المسرح كى تدخله الراقصات (فى نقد منه لمسرح سيد راضي) إلا أن مسرح على سالم ذهب وذهب كتابه عن السلام وذهب أصدقاؤه الصهاينة وذهبت سيارته اللادا (نيڤا) وذهبت كتاباته السياسية ومقالاته وبعضها كتب بأسلوب احترافى ساخر جدا - ولم يبق إلا على سالم ومسرحية «مدرسة المشاغبين» التى أعدها للمسرح ولاقت نجاحا مذهلا.
على سالم ظل وفيا حتى الرمق الأخير لرحلة الموت المبكر التى ارتحل فيها إلى تل أبيب ولم يجرؤ أبدا على التنصل منها أو يفكر فى الاعتذار عنها ومع أن الشهداء العرب يسقطون كل يوم فى الأراضى العربية المحتلة، إلا أن على سالم لم يفكر يوما فى رثاء شهيد منهم أو فى نقد أصدقائه الصهاينة الذين يسفكون دماء العرب من المحيط إلى الخليج.. ولم يهتف فينا بأعلى صوته: «أنا مع السلام لكنهم دعاة حرب»، كان واجبا حتى رغم قناعته بالسلام ألا يقبل بالحصول على دكتوراه فخرية من جامعة إسرائيلية وأن يرفض جائزة ٥٠ ألف دولار منحتها له منظمة أمريكية أيضًا، لأن كل هذا يصب فى قناة واحدة وهى الانتقاص من الموقف الذى اتخذه، كان واجبًا أن ينأى بنفسه عن أى فوائد مالية عبر هذه الرحلة، وكان عليه أيضا أن يرد على رحلة إسرائيل برحلة إلى «فلسطين» ليرى بنفسه عملية تهويد القدس وعملية الاستيلاء على الأراضى بالقوة وطرد السكان منها والجدار العازل الذى لا يترك أى مجال لسلام مزعوم مع العدو على الأقل كان لينفعل بمشهد «محمد الدرة»! على الأقل كان صنع مشهدا موازيا للمشهد المزعوم بالسلام تمنيت أن أظل محتفظا بصداقة مضطردة معه لكنى لم استطع أن أجعل منه صديقى.