الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

معرض قناة السويس الجديدة.. «الماضى لا الحاضر»

معرض قناة السويس الجديدة.. «الماضى لا الحاضر»
معرض قناة السويس الجديدة.. «الماضى لا الحاضر»




كتبت - سوزى شكرى

صدمت مثل غيرى من الفنانين التشكيليين المشاركين وغير المشاركين فى معرض قناة السويس الجديدة بقصر الفنون بالأوبرا والذى أقيم تحت عنوان «الماضى والحاضر والمستقبل»، تعجبت.. هل هذا هو قصر الفنون.. هل هذا معرض فنى جماعى أم كابوس جماعى!.


وحتى أكون أكثر موضوعية وبعيدا عن صدمتى فى الانطباع الأول الذى اصابنى يوم الافتتاح ذهبت إلى قصر الفنون عدة مرات على فترات متباعدة ربما أجد إيجابيات تخرجنى من هذا الكابوس، لكن مع الأسف تكرار ذهابى كشف لى عن خلل فكرى وتشكيلى وتقنى فى الأعمال المعروضة وبلغتنا العامية «مولد وصاحبه حاضر»، وأننا على ما يبدو يجب علينا تقبل التخبط والارتباك فى الحركة الفنية والمشهد بالكامل، وأن هذه الفعالية مثل غيرها من الفعاليات الرسمية مجرد رد فعل طبيعى للتغيرات المستمرة فى قيادات الجهات المعنية بالفن والثقافة والتى من نتائجها ظهور العشوائية فى الفعالية بسبب عدم التنسيق الجيد والإعداد المسبق الاستعجال والسرعة والتحايل على المشاركة لمغازلة افتتاح قناة السويس بصرف النظر عن قيمة ما يقدم من أعمال فنية.
البداية كانت بإعلان قطاع الفنون التشكيلية عن المشاركة فى الفعالية يوم 30 يوليو، ثم تم افتتاح قناة السويس الجديدة يوم 6 أغسطس، وأعطى القطاع فرصة لتأجيل موعد افتتاح المعرض حسب رغبة الفنانين الذين كانوا يجهزون أعمالا جديدة خصيصا للحدث، وتم افتتاح المعرض يوم 30 أغسطس، ومهما أعطوا الفنانين مهلة لا تفيد الحالة الفنية، الإعلان عن الفعالية جاء متأخرا «سد خانة» والسبب فى هذا التأخير تتحمله الجهات المعنية بالفن التشكيلى لأنه واضح لنا من التواريخ السابقة انه لم تكن هناك نية مسبقة لوجود فعالية تشكيلية خاصة بقناة السويس الجديدة، سواء بقطاع الفنون التشكيلية أو حتى نقابة الفنانين التشكيليين.
خلال عام كامل هى مدة حفر القناة لم يستطع أغلبية الفنانين الذهاب إلى موقع الحفر حتى يواكبوا الحدث ويتفاعلوا تشكيلياً باستثناء مجموعة من الفنانين التشكيليين الذين وجهت لهم وزارة الشباب والرياضية الدعوة لزيارة الموقع، وبالتأكيد هؤلاء سوف يقدمون أعمالا أفضل من «الكابوس» الجماعى المعروض بالأوبرا.
من حيث تنسيق العرض بالقصر من الأمانة أن أكون مشفقة على كل العاملين بالقصر بدءا من اصغر موظف وصولاً إلى القيادات وعلى رأسهم محمد دياب رئيس الإدارة المركزية لمراكز الفنون، أشفقت عليهم من مجهود مكثف له كل التقدير فى تنسيق أعمال لا تستحق العرض.
 المعرض مثير للأسى ولا يليق بتاريخ الفن المصرى ولا يتفق مع عنوانه نهائياً، هو معرض لقناة السويس الماضى لا الحاضر، ومن يدعى أن هذا المعرض يوثق قناة السويس الجديدة كمشروع قومى لمصر وان المشروع هو الملهم لوجدان الفنانين لابد وأن يحاسب وأن يعاقب، فأين التوثيق؟ وأين الإلهام؟!
الغريب أيضا أن المعرض ليس له قوميسيير لقبول أو رفض الأعمال، والشرط الوحيد فى المشاركة أن يكون الفنان قد سدد اشتراك النقابة عن عام 2015 وأن يرفق صورة كارنيه النقابة مع العمل الفنى، وبالتالى كل من تقدم للمشاركة قبلت أعماله.
بعيدا عن قاعة الـvip بمدخل قصر الفنون التى عرضت فيها وثائق قناة السويس القديمة والجديدة، حيث يمكن أن نقسم الأعمال المعروضة إلى خمسة مستويات، الأول: أعمال فنية أنقذت سمعه الفعالية من السقوط الكامل وهى المشاركة والمساندة القوية لمستنسخات أعمال ثلاثة رواد راحلين وهم الفنان عبد الهادى الجزار الذى سرد لنا تشكيلياً معاناة الحفر الأول للقناه بلوحته «حفر القناة» 1965، الفنان محمود سعيد الذى احتفل معنا بلوحته «احتفالية افتتاح القناة» 1947، الفنان حامد عويس الذى أسعدنا بلوحته «تأميم القناة» 1957 وذكريات تأميم القناة.
 ويضم للمستوى الأول فنانين وفنانات أعمالهم تستحق التقدير، هؤلاء احترموا المشروع القومى لقناه السويس واحترموا الفن، وجميعهم فنانون لهم مشروعهم الفنى التشكيلى الواضح المعالم ولهم أداء مميز أضافوا قيمة للفعالية، واستطاعوا توظيف عناصرهم وأدواتهم الفنية والوجدانية والفلسفية والفكرية المصرية الصميمة، ومنهم الفنانين «فاطمة عبد الرحمن - إيمان أسامة - محمود منسى - عقيلة رياض - أحمد عبد الكريم - صلاح المليجى - مصطفى بط - عقيلة رياض- عز الدين نجيب - ميرفت الشاذلى - رضا عبد السلام - مصطفى الرزاز - عبد الوهاب عبد المحسن - رباب نمر - عمر عبد الظاهر - أحمد عبد الفتاح - يسرى القويضى - محمد الطراوى - سهير عثمان - إيمان حكيم - السيد القماش - مجدى أنور - محمد شاكر - شنودة عصمت - كلاى قاسم - مى حشمت ، الأعمال النحتية شارك كل من ناثان دوس - طارق الكومى - صلاح حامد - محمد إسحاق- إيهاب الاسيوطى - ميرفت السويفى - ضاحى عارف وآخرون».  
أما المستوى الثانى من الأعمال المعروضة: أعمال فنية قديمة تحايل أصحابها على وجودها بحجة أن العمل فيه إشارة عن مصر أو عن الجيش المصري، المستوى الثالث سبب صدمتنا ضم أعمالا مضحكة من كثرة الإفراط فى السذاجة والعبث والهزل حتى أطلق عليها جمهور المعرض «فرح بلدى»، ربما تصلح هذه النوعية للعرض فى مكان آخر يضم الهواة وغير المتخصصين، المستوى الرابع: أعمال لا تحمل من صاحبها سوى ما تعلمه من حرفة الرسم والتلوين فى إطار اكاديمى نمطى معتاد بعيدا عن التجديد والإبداع، المستوى الخامس: أعمال كانت مرفوضة من المعرض العام السابق.
الصورة العامة لمستويات من المستوى الثانى إلى الخامس للأعمال المعروضة هى أعمال تتشابه فى المعالجات وتفصح عن انفصال الفنان عن اللحظة الراهنة وهى افتتاح «قناة السويس الجديدة»، وإن بدا على الأعمال ان الفنان على صلة بالحدث ومتابع له، إنما هذه الصلة جاءت من مصدر ومنبع رؤية محدود وهى مشاهد ولقطات فوتوغرافية عن الحفر شاهدناه فى الفضائيات وفى الصحف، إلى أن أصبحت الصورة الذهنية المخزونة عن قناة السويس الجديدة هى «مركب رايحه ومركب جاية».
تكرار اللقطة فى معظم الأعمال وتدنى المستوى الفكرى يجعلنا نقول أن هؤلاء وقعوا فى قضية الاستلهام والمواكبة، ولنبحث عن أحد أسباب هذا التكرار فبالمقارنة مثلاً بين الأعمال المعروضة وبين لوحة عبد الهادى الجزار «حفر القناة» يتضح ازدهار الحالة الفنية التشكيلية للماضى أما تكرار اللقطة تؤكد ثبوت الحالة الفنية للحاضر، وقد نرجع الازدهار والانحدار إلى أن «الجزار» عبر فى لوحته بشكل تسجيلى وصفى تعبيرى عن معاناة العمال والحفارين أثناء الحفر واستخدامهم أدوات الحفر البسيطة والقديمة، أما القناة الجديدة حفرت بالأدوات الحديثة مما شكل ثبوت المشهد عند بعض الفنانين، بمعنى أن اختلاف الأزمنة والأدوات ومستوى الانفعال والتفاعل هو أحد الحواجز الفكرية فى التعبير الفنى مما جعل الفنانين اكتفوا بالتعبير عن الهدف الاقتصادى من حفر القناة الجديدة، ولهذا التدنى فى التعبير للمستويات السابقة، نطرح تساؤلات مشروعه.. هل بالضرورة أن يواكب الفنان التشكيلى الأحداث الوطنية والقومية ويشارك فيها بفنه؟ هل الأحداث والمناسبات ملهمة للفنان ويمكن أن تضيف إلى مشروعه الفنى، أم أن الأحداث تتعارض مع مشروع الفنان وأسلوبه ولا يجب عليه أن يشارك، هل الأحداث تحتاج إلى وقت كاف حتى يمكن التعبير عنها برؤية ومعالجة إبداعية تجعل التاريخ يحتفظ بها للأجيال القادمة.