الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

روزاليوسف تكشف معسلات الموت

روزاليوسف تكشف معسلات الموت
روزاليوسف تكشف معسلات الموت




تحقيق - مروة عمارة
«الغش أصبح فى كل شىء» هكذا بدأ المعلم حسن محمد، صاحب مقهى بحى شبرا حديثه عن ظاهرة غش المعسل، موضحا أن مؤخرا عانى أصحاب المقاهى من الوقوع فريسة لفخ المنتجات المغشوشة، ولعل أبرزها المعسل بأنواعه ونكهاته المختلفة، وتعددت طرق الغش التى لا يكتشفها إلا من لديه خبرة العمل فى المقاهى لسنوات طويلة، ويبدأ الغش من خلال خلط المعسل الأصلى بنشارة الخشب ووضع عسل أسود على الخليط، وربما يكتفى صاحب ورشة «المعسل المغشوش» بوضع نشارة الخشب مع تفل الشاى وبعض ورق الخس الناشف والجلسرين، ثم يقوم بتعبئتها فى عبوات المعسل الأصلى، ليصبح الشكل الخارجى مطابقا لمنتجات شركات ومصانع المعسل المعروفة لأصحاب المقاهى والمطاعم والكافتيريات.
طرق الغش
وتابع «التغليف فى عبوات تشبه منتجات الشركة الشرقية للدخان، والأزمة الاساسية أن أغلب ورش الاحواش للمعسل تستخدم أنواعا رديئة من الجلسرين والمواد السكرية ونكهات صناعية مغشوشة للعنب والخوخ والتفاح وغيرها وأحيانا يتم استخدام أصباغ، ولا يتمكن المدخن أو صاحب المقهى من اكتشافها، إلا إذا كان مدخنا لأعوام ولديه خبرة ويظهر جليا الغش عندما تجد المعسل أسود اللون وسريع الاشتعال والاحتراق ونكهته غريبة، وبالطبع عندما تجد الزبون قد أصابه سعال شديد وحرقان بالحلق، خاصة أن بعض منعدمى الضمير يضيفون أدوية مضادة للسعال لما بها من مواد مخدرة، وهو خلط شديد الخطورة».
وتدخل عامل بالمقهى قائلا: «هناك بعض موزعى المعسل يقومون بالمرور علينا وعرض بضائعهم بنصف الثمن، ونعلم جيدأ أنها أنواع مغشوشة، وبعض المقاهى تقبل على شرائها ويتم بيعها للمدخنين المراهقين، لاستغلال عدم قدرتهم على التمييز بين المعسل الأصلى والمغشوش، ولكننا لا يمكن أن نقوم ببيعه للزيون لأن أغلب زبائن المقهى مدخنون وعمال وسائقون ولديهم خبرة للتمييز بين الأصلى والمغشوش، وهو ما يعرضنا لخسارة الزبائن.
وكشف «هناك منازل وأحواش بجوار المقاهى تعمل فى تجارة المعسلات المغشوشة والأمر لا يحتاج سوى موازين ومكاييل وبانيو لخلط معسلات منتهية الصلاحية أو رديئة بمواد رخيصة الثمن وإضافة ألوان ونكهات منتهية الصلاحية كنكهة التفاح أو الخوخ، وأحيانا يتم استخدام الصابون وأدوية السعال، وتتم التعبئة بأنواع وماركات لعلامات تجارية معروفة ومشهورة على أغلفتها من خلال التعبئة فى العلب المفرغة واستخدام مكائن الكبس الحرارى ومكائن تغليف وماكينة مطبوعات تستخدم فى طباعة العلب وتزوير علامات تجارية عالمية معروفة».
«سر صناعة المعسل المغشوش هو إضافة الجلسرين لأنه يزيد من كثافة «تنفيث» الدخان، وخلط المعسل الأصلى بمزيد من العسل الأسود وإعادة التعبئة وبيعه للمدخنين، وهو ما يزيد من ربح محال المعسل» هكذا شرح عيسى صاحب دكان لبيع المعسل والسجائر بمنطقة المغالق بحى شبرا، مضيفا أن العبوة الأصلية من المعسل عليها طابع ورقم كود سرى، ولكن بعض الورش تحصل على العبوات الفارغة من المقاهى وتعيد تعبئتها بالمعسل المغشوش».
خطورة المعسل المغشوش
وحول خطورة المعسل المغشوش يشرح دكتور محمد سليم، أستاذ الكيمياء بمركز البحوث، أن أوراق المعسل هى توليفة من نباتات من فصيلة نيكوتيانا تباكم ونيكوتيانا رستيكا، ثم تضيف المصانع لها العسل الأسود والجلسرين، ولابد أن يكون خاليا من العفن والطفيليات والحشرات والجراثيم والمواد الغريبة كالقش أو الخشب أو الرماد، ويتم وضع نسبة معينة من العسل والسكريات والجلسرين وتحديد نسب الرطوبة، وأن يعبأ بعبوات لا تسحب الرطوبة منه وبعيد عن الحرارة. وتابع: «استخدام خامات رديئة من النكهات أو العسل أو الجلسرين أو القش أو الخشب، يؤدى لوجود نواتج احتراق سامة مضرة بالرئتين، كما تعكس هذه المواد آثارا سلبية جانبية كالدوار والغثيان والصداع وجفاف بالحلق والتهابات فى الصدر والرئة والجهاز التنفسى، وأبرزها استبدال مادة الجلسرين المكلفة، التى تحافظ على المعسل من العفن، بمادة السوربتول، وهى مادة سامة وخطرة جدا، تؤثر بشكل سلبى فى جميع خلايا الجسم خاصة الجهاز العصبى والتنفسى للإنسان».
وأنهى حديثه أن تدخين الشيشة بشكل عام خطر على الانسان، وتزيد نسبة الخطورة عند غش المعسل، حيث تتسبب فى حدوث أضرار غير قابلة للشفاء، لاحتوائها على 400 مركب كيميائى مسرطن وغير مسرطن مهلكة للرئة.

 



زبائن المقهى

وحاولنا سؤال بعض مدخنى الشيشة بالمقهى حول تجاربهم مع المعسل فتحدث محمدعلى، شاب ثلاثينى، قائلا: «تعرضت مرة لتدخين معسل مغشوش بإحدى الكافتيريات الكبرى، التى تستغل جهل الشباب بنوع المعسل وجودته، ولكنى اكتشفته من رائحته ونكهته ودخانه الكثيف، كما اننى تعرضت لحالة من السعال المستمر واحتقان وحرقان بالحلق بسببه، وعلم أنه نوع مغشوش من المعسل».
وشرح آخر: «شعرت أن نكهة التفاح ليست طبيعية وشبيهة بطعم الدواء وشعرت بتعب شديد بالحلق، وتغير بطعم الماء والطعام بفمى، وذهبت لمراجعة الطبيب واضطررت لأخذ جرعات من دواء الحساسية الصدرية بسبب تدخين المعسل المغشوش».

 



صاحب مصنع معسل

ويشرح الحاج محمد المصرى، صاحب مصنع معسل، أن مصنعه يعدو تاريخه لقرابة 75 عاما، وبدأ العمل عندما كانت صناعة المعسل تتم يدويا، أما الآن فتتم عبر ماكينات فرم الدخان والخلط والتقليب والتنشيف والتجفيف والتعبئة والتغليف.
وتابع: «سعينا لاستيراد أحدث الماكينات من أجل تطوير الصناعة ومطابقة الاشتراطات المصرية لصناعة المعسل والتجديد واستيراد وفقا للمواصفات القياسية المصرية رقم 483 لعام 2005 والقرار الوزارى 163 لعام 2002، وصناعة المعسل عبارة عن استيراد المواد الخام من دول أمريكا وفرنسا والهند والصين، ثم إضافة العسل الأسود والجلسرين ويجوز إضافة خلاصات عصرية للنكهات، وكل تلك الخامات بنسب محددة طبقا للمواصفات القياسية، ويشترط أن يكون الجلسرين نقى والمواد المضافة من الصوديوم والبوتاسيوم لا تزيد على النسب المحددة وتتم مراعاة نسب السكريات والعسل والزيوت ورطوبة التبغ لا تزيد على 25%، ويعبأ فى ورق الزبدة وتوضع فى علب محكمة الغلق وعليه البيانات الآتية، وهى اسم الصنف والمنتج وعلامته التجارية ووزنه وشروط التخزين وعبارات (احترس من التدخين يدمر الصحة ويسبب الوفاة) ويشغل هذا التحذير ثلث مساحة الواجهة وكذلك (صنع فى مصر وصنع طبقا للمواصفات القياسية م ق م 483).
وأكد: «نخضع لرقابة مباحث التموين وهيئة الرقابة الصناعية والتنمية الصناعية ولدى المصنع سجل صناعى وتجارى للتصدير للخارج خلال عملية التصنيع التى تبدأ بوضع أوراق الدخان فى الماء وفرمها بماكينة الفرم المستوردة من الخارج، ثم تهويتها بمكان به اشتراطات الأمن الصناعى من معدات إطفاء وتهوية للمواد الخام، ويتم بعد ذلك التنشيف، ووضع العسل مع أوراق الدخان الناشفة وخلطهما ببعض ويظل التقليب لمدة 3 أيام ووضع الجلسرين ومواد إضافية ونكهات الزيوت بنسب معينة ليصبح جاهزا للبيع فى عبوات كيلو ربع ونصف وعبوات بـ3 جنيهات حسب الطعم التفاح أو الخوح أو الكريز أو الفراولة أو الليمون أو العنب وغيرها، وكل تلك المراحل تخضع لرقابة الجهات المعنية».

 



 

الشرقية للدخان: 4 مليارات جنيه خسارة الدولة

يصرح محمد عثمان، مسئول قطاع التوزيع بشركة الشرقية للدخان، أن الشركة من اكثر الشركات المتضررة من عملية الغش، حيث يتم جلب عسل وخلطه بتراب الدخان المستعمل وهو من العوادم مع ورد النيل ونشارة خشب وورق الخس الناشف ومخلفات القصب ونكهات صناعية وتباع على أنها منتج معسل تابع للشرقية للدخان.
والدولة تخسر 4 مليارات بسبب غش الدخان، وتحسن الامر مع غلق المنافد، ونتعرض للغش داخليا، وخارجيا فقد تم تقليد منتج الشركة بدول فيتنام وبنجلاديش بنفس الشكل، وللأسف اصحاب المقاهى يقبلون على شراء المغشوش لزيادة هامش الربح لهم واغلب ورش غش المعسل داخل القرى والنجوع». وكشف أن حجم إنتاج شركة الشرقية للدخان من المعسل نحو 16 ألفا و500 طن فى العام ومن السجائر نحو 60 مليار سيجارة سنويا، وتحصل الدولة على 78% من ثمن عبوة السجائر و50% من ثمن عبوة المعسل. وفى تصريحات للمهندس نبيل عبد العزيز، رئيس مجلس إدارة الشركة الشرقية للدخان، أفاد أن سوق المعسل المغشوش زاد بعد الثورة ليستحوذ على 40% من حجم سوق التدخين، وجشع التجار سبب أساسى لرواجها لأن المعسل المغشوش لا يفرض عليه ضرائب أو رسوم مثلما تفرض الدولة على المعسل الأصلى، وتكبدت الشركة الشرقية للدخان خسائر متتالية بلغت نحو 60 مليون جنيه خلال العام المالى الماضى 2013/ 2014 و50 مليون جنيه خلال 2012/ 2013، ما دفع الشركة لإصدار 3 أوزان جديدة فى الأسواق للمعسل، وهى معسل سلوم - قص الكواكب، بأوزان 150 و500 و800 جرام للعبوة، وبأسعار بيع للمستهلك تبلغ 5 جنيهات و15 جنيها و22 جنيها للعبوة على التوالى، لتفادى الخسائر المحتملة خلال العام الحالى.

 



 

شعبة الدخان

وأكد إبراهيم الإمبابى رئيس شعبة الدخان والمعسل بغرفة الصناعات الغذائية باتحاد الصناعات، أن صناعة السجائر والمعسل تعد ثانى أكبر ممول لمصلحة الضرائب بعد قناة السويس، لأن مصر لا تزرع التبغ المستخدم فى صناعتهما والذى يتم استيراده من الخارج ويتم فرض رسوم جمركية وضريبة مبيعات بخلاف الضرائب المفروضة على كل علبة والتى تصل لنحو 70٪ من ثمن العلبة المبيعة للمستهلك النهائى.
وأوضح: «أغلب طرق الغش عبارة عن ورش منزلية ويطبع مطبوعات الشرقية أو اى شركة أخرى ويقوم بعمل عبوات عبارة عن عبوات المعسل الأصلية وإضافة كميات مع العسل الأسود والجلسرين من أجل زيادة الكميات وتتم التعبئة ويصبح مطابقا للمنتج الأصلى، أو خلط معسل رخيص الثمن بمغسل فاخر ووضعه بعبوات شركة المعسل الفاخر».
«هناك نحو 63 مصنعا منها تنتج المعسل فقط، وقال إنه تم وقف اصدار تراخيص مصانع الدخان منذ عام 1959، وتقوم مصانع المعسل بتصدير نحو 60٪ من إنتاجها للخارج ومعظم هذه الصادرات تتجه للدول العربية وأن الدولة تحصل رسوم وضرائب مبيعات 30 ملياراً كل عام، ونصدر كل شهرين بحدود 12 مليون دولار».

 



 

23 قضية غش معسل

وحول مضبوطات مباحث التموين، فقد صرح مصدر مسئول بالإدارة المركزية لمباحث التموين بأن إجمالى القضايا خلال العام الحالى نحو 23 قضية غش معسل بإجمالى مضبوطات نحو 61 ألفا 316 عبوة و39 طنا و830 كيلو خلال العام الحالى، وهناك قضية لعبوات معسل مجهولة المصدر نحو 5290 عبوة أيضا. وتابع: «نوجه تهمة الغش التجارى لأصحاب المحال بعد تحرير محاضر غش تجارى وإرسالها للنيابة العامة، ويتم إرسال عينات للعلامات التجارية التابعة لوزارتى الصحة والتجارة والصناعة للفحص والتأكد من كونها مقلدة أو مجهولة أو غير مسجلة، وورد الرد بأنها مستوردة وغير مسجلة ومجهولة المصدر، وتوجه تهمة الغش التجارى وعقوبتها لا تتعدى الثلاثة أعوام والغرامة لا تتجاوز عشرة آلاف جنيه، وإذا تم تكرارها تصل لخمسين ألف جنيه، موضحا أن ضعف العقوبة وراء انتشار جرائم الغش التجارى. ونفت هيئة المواصفات والجودة علاقتها بمصانع وورش بير السلم لصناعة المعسل، واوضح دكتور حسن عبد المجيد، أنه يتم المراقبة والمرور على المصانع المسجلة فقط، بهيئة التنمية الصناعية، ويتم التأكد من مطابقة المنتج للمواصفات القياسية، وسحب عينات وتحليلها للتأكد من ذلك، اما ورش بير السلم فهى مسئولية مباحث التموين.

 

احصاءات


جدير بالذكر أن مصر قامت بتصدير أكثر من 21 ألف طن معسل إلى دول العالم فى عام 2014، بقيمة تجاوزت الـ93 مليون دولار.
كما أن الإنفاق السنوى على أمراض التبغ وصل لحوالى 3.4 مليار جنيه طبقا لتصريحات دكتور حسام عبدالغفار، المتحدث الرسمى لوزارة الصحة، بالإضافة لوفاة 170 ألف شخص سنويا فى مصر بسبب التدخين، أى ما يُعادل 500 فرد يوميا، وأن 90% من هذه الوفيات من الرجال وغالبيتها ناتجة عن سرطان الرئة وغيره من أمراض السرطان، والسكتات الدماغية وأمراض القلب والجهاز التنفسى وأمراض مرتبطة بالتبغ كمرض الانسداد الرئوى والقصور فى شرايين القلب وسرطان الرئة والسكتة الدماغية تشكل 41% من أعداد مرضى الأقسام الداخلية، و44% من أعداد مرضى العيادات الخارجية.
كما أوضحت جمعية مكافحة التدخين، أن مصر تحتل المركز العاشر فى معدلات التدخين على مستوى العالم، وهو ما تترجمه الأرقام ونتائج الأبحاث وأن 20% من البالغين فوق 18 سنة يدخنون نوعا من أنواع التبغ، بينما يتعرض 70 إلى 80% من المواطنين للتدخين السلبى فى أماكن العمل ووسائل النقل والمواصلات وذلك وفقا لنتائج المسح العالمى لاستهلاك التبغ بين البالغين فى مصر، والمصريون يستهلكون سجائر وشيشة بقيمة 36 مليار جنيه سنويا، و11 مليار جنيه أخرى تُنفق على المخدرات وفقا لنتائج الدراسات، التى أعدها صندوق مكافحة الإدمان والتعاطى التابع لوزارة التضامن.