الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

بضاعتنا ردت إلينا

بضاعتنا ردت إلينا
بضاعتنا ردت إلينا




د.محمد محيى الدين حسنين يكتب:

ما زلنا نقف مبهورين بكل ما يأتينا من الغرب من نظم وأساليب تعليمية وخاصة تلك القادمة من الولايات المتحدة ويتراوح رد فعلنا اما بالرفض أو الرغبة فى التقليد الاعمى وبين الرفض والقبول ونتيجة لطول المدة التى قضيناها فى سبات عميق ساعد على تخلفنا نسينا ان معظم ما يرد إلينا ما هو الا بضاعة لنا قد ردت الينا بعد تطويرها واعطائها مسميات جديدة وللآسف ينطبق هذا على الرافضين لتلك النظم على اعتبار انها نظم غريبة عنا وعلى المؤيدين على اعتبار أننا نبدأ من الصفر واذا اردنا ان نتقدم فليس امامنا الا تطبيق ما هو موجود فى الغرب.
يظهر هذا التوجه جليا فى تطبيق ما يعرف بنظام الساعات المعتمدة فى الجامعات المصرية الحكومية او الخاصة  والتخلى بالتدريج عن النظام السنوى الذى يفرض على الطلبة عدد معين من المواد الدراسية فإذا ما انتهى منها بنجاح ينتقل الى الصف التالى حتى التخرج وتقوم فلسفة النظام الجديد القادم لنا من الولايات المتحدة على اعطاء مساحة اكبر للطلاب لاختيار المادة الدراسية والأستاذ الذى يرغبون فى التسجيل معه وحمل العبء الدراسى كل حسب مقدرته واستعداده الذهنى والاستيعابى ويتيح هذا النظام للطالب حرية تغيير التخصص اذا ما رغب فى ذلك واصبح العام الدراسى يتكون من ثلاثة الى اربعة فصول دراسية ليشمل الفصل الصيفي لاعطاء الطالب المتميز فرصة التخرج المبكر ويفتح هذا النظام المجال للطالب لأن يدرس عددا محددا من الساعات الدراسية المطلوبة بعضها فى التخصص الذى يختاره الطالب والأخرى فى مجالات مختلفة لتوسيع مداركه ومتى ما اكمل تلك المتطلبات بنجاح منح الدرجة العلمية.
ويعتقد البعض ان هذا النظام جديد علينا وأن الجامعات الأمريكية هى التى ابتدعته والحقيقة أنه ليس بالجديد وان كنا نعترف لتلك الجامعات بالفضل فى تطويره وترسيخ فلسفته وعلى القائمين على جامعاتنا تذكر انه عودة الى نظمنا التعليمية والتى كان للجامعات الإسلامية قصب السبق فى تطبيقه والعمل به حين كان الطالب يختار المادة الدراسية والأستاذ ومواعيد الدراسة بالأزهر وغيره من الجامعات الإسلامية حيث كان الطالب يجلس الى حلقة أحد المشايخ من علماء الأزهر يجلس على كرسى بجوار احد اعمدة المسجد (وهو ما يطلق عليه الآن أستاذ كرسى) يلقى محاضراته على جمع من الطلبة يحضرون بناء على اختيارهم فاذا ما اتم الطالب استيعاب وفهم المادة يجلس الى اختبار يعقده الشيخ وهكذا ينتقل الطالب من حلقة دراسية الى أخرى حتى إذا ما أتم المواد التى تؤهله للقيام بالتدريس او العمل فى مجال الدعوة او الفقه عقد له اختبار شامل أمام لجنة من علماء الأزهر يمنح بعده شهادة التخرج.
وكما نسينا نظام الدراسة بجامعاتنا الإسلامية والتى نعود اليها اليوم على أنها نظام أمريكي فانى أدعو الى ان نتذكر ايضا نظام آخر وننقله من الجامعات الأمريكية مع انه ايضا نظام إسلامى عربى الا وهو نظام الاوقاف وان لم يأخذ نفس الاسم فى الجامعات الأمريكية فقد خصصت الحكومة الأمريكية أراضى لكل جامعة حكومية لتقوم بادارتها وتضيف عوائد استغلالها الى ميزانيتها بالاضافة الى المخصصات التى تأتيها من حصيلة الضرائب ولعلنا نتذكر هنا أن جامعة الأزهر وإلى وقت قريب كانت تعتمد وبشكل شبه كامل على ما كان يخصصونه من اراضى زراعية وأبنية كوقف للصرف من ريعها على تكاليف الدراسة والاعاشة للطلبة وكذلك رواتب العاملين والأساتذة.
وإذا كان نظام الساعات المعتمدة سوف يساعد فى تنمية مدارك طلابنا وتدريبهم على اتخاذ قراراته واختياراتهم فقد حان الوقت أيضا لأن يعود نظام الاوقاف إلى جامعاتنا الحكومية جميعا يضمن لها استقلاليتها المالية ومن ثم الاكاديمية وربطها بالمجتمع وتنمية شعورها بالمسئولية تجاهه وليطمأن الرافضون فتلك بضاعتنا انتجناها وجربناها لعقود وليعمل المؤيدون على تطوير تلك النظم واعادة الثقة بالنفس فنحن الورثة لحضارات مازالت انجازاتها ملء السمع والبصر.