الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

وعود الإيمان مقابل استشراء الفساد هو السلم الحقيقى لصعود التيارات الإسلامية









لم تنجح فرنسا فى «عض» لسانه كما فعلت مع غيره من الكتّاب التونسيين الذين اتخذوا من الفرنسية لغة يكتبون بها، فالناقد والمترجم والشاعر التونسى محمد على اليوسفى يسكن التراث فى ذهنه ككل الكتّاب بطرق واعية وأخرى لاواعية.


أطلق صاحب « ليل الأجداد» على ثورات الربيع العربى «ثورات الحد الأدنى»، ويرى أن أهم ما جاءت به حتى الآن هو حرية التعبير، لكنها تبقى حرية مهددة وفق تطور الأحداث، أما جانبها الثانى وهو «الديمقراطية» فمازلنا فى أتون تجاربها التى تعانى من إعاقات كثيرة مثل الأمية والتديّن الغيبى الذى يذكرنا بعصر الانحطاط.. حول عالمه الأدبى وعدد من القضايا كان لنا معه هذا الحوار.


هل نتحدث عن محمد على اليوسفى الروائى أم الشاعر أم الناقد أم المترجم ؟
* انطلقت من الشعر ولم أزل أتعامل معه من دون التخلى عن النثر، بل يمكن القول إن القصيدة نفسها، إلى جانب قراءاتي، لعبت دورا فى محاولتى الكتابة الروائية، خصوصا أنها، أى القصيدة، انفتحت على تجربة السرد الشعري، لكن «هجرتي» إلى أجناس أخرى لا تعنى أنها من الأشياء التى أحبها، فمازلت رغم التعامل مع الصحافة، أعتبرها واجبا ثقيلا، والكتابة الصحفية هى التى قد تحولك بدورها إلى «معلِّق» أو «ناقد»، وبهذا المعنى لا أدعى النقد بقدر ما أعتبر ذلك قراءات شخصية، كثيرا ما يلعب فيها زادى المعرفى، واختصاصى الأكاديمى فى الفلسفة والعلوم الاجتماعية، دورا مهما، وكذلك الأمر بالنسبة للترجمة. فى البداية مالت إليها نفسى، ثم وجدت أنها تتحول إلى واجب ثقيل بدورها، لاسيما عندما تصير تكليفا، لا اختيارًا شخصيا، لذلك كانت أغلب ترجماتي، إن لم أقلْ كلها، هى من اختياراتى الشخصية.
 
 ■ مراجعك فى الكتابة الإبداعية .. هل تركز على الحياة ام على التراث الادبى الموروث ؟
* التراث الأدبى يظل مقيما فى ذهن الكاتب بطرق واعية وأخرى لاواعية، شخصيا أحاول التخلص منه دائما بنجاح أكثر أو أقل، ومراجعى الأدبية تركّز على التجديد الروائى فى العالم، لهذا لا تشدنى الرواية الكلاسيكية مهما فقدتُ من قراء اعتادوا الحدوتة السهلة، أما الحياة فلا أنظر إليها أيضا رؤية الأدب الكلاسيكي، تؤرقنى الأسئلة الأبدية، وأحاول أن أكون عبثيا فى اللعب وخصوصا مع آفة اسمها « الزمن».


■ هل يقف الناقد شرطى رقيب على الشاعر والروائى ؟
* كل كاتب له رقيب، ولا أفضل تسميته بالرقيب أو الشرطي، بل يمكن أن ندعوه « القارئ الأول»، وهو يعبر عن ذائقة، وتكوين شخصى، وثقافة شخصية، وطريقة نظر للحياة وللكتابة.
■ كثيرا ما يشكو الأدباء من عدم قيام النقاد بدورهم، وإن تحرك قلم فهو لمجاملة صديق أو لمحاباة اسم كبير فماذا تقول؟ وكيف تجد الحركة النقدية فى تونس ؟
* صحيح، المجاملة فعالة فى النقد العربي، ومجاملة الأنثى أبرز، وكذلك روابط الزمالة وتبادل المصالح والطيبات، لكن ذلك لا يمنع وجود بعض النقاد الرائعين من غير «الممتهنين» ويأتى القارئ فى مقدمتهم، وهناك صنف من النقاد يسعى إلى بناء مجده بتناول الأعمال الناجحة لكتّاب كبار كخيول رابحة لضمان النجاح المسبق.


■ لماذا اقتصرت على ترجمة رواية ( خريف البطريرك ) لماركيز ولم تواصل ترجمة باقى أعماله ؟
* ترجمت له « حكاية بحار غريق» أيضا. وذهبت إلى استكشاف بقية كتاب القارة، فوجدت بعض أساتذته مثل ألباروا ثيبيدا ثاموديو الذى ترجمت له رائعته «البيت الكبير» والتى قدّم لها ماركيز نفسه معترفا بجدارتها وتأثيرها فى جيله، كما ترجمت قصصا مختارة للمدهش بورخيس، وروايات لأستورياس، وكاربنتيير وغيرهم.
 
■ كيف تفسر ظاهرة انتشار أدب أمريكا اللاتينى على مستوى العالم وتخلف الادب العربى رغم الظروف المتشابهة بيننا؟
* نعم، الظروف متشابهة. لكن الكتابة العربية أعادت إنتاج ثقافة المستعمر القديم ولم تتخلص بسهولة من المركزية الأوروبية لاحقاً، أدب أمريكا اللاتينية غاص جدّيّاً فى أعماق القارة ومكوناتها ورؤاها الهندية أيضا، لاحظ معى أن أدب أمريكا اللاتينية كان سبّاقا حتى فى اكتشاف تراثنا العربى وفى مقدمته حكايات « ألف ليلة وليلة». ولم يكتفِ بإعادة استنساخه.


■ نحتفل فى مصر هذه الأيام بذكرى نجيب محفوظ ترى لماذا لم يحصل أديب عربى على الجائزة مرة أخرى حتى الآن؟
* كتّاب عرب كثيرون جديرون بها، لكننا نعرف الإجابة مسبقا، ونكررها سنويا مع كل خيبة، هى جائزة تشبه حل قضية فلسطين، ما رأيك إنْ قلت لك: يكفى أن يُوجد حلٌّ للقضية الفلسطينية، وسوف ترى تزايدا فى عدد الكتّاب العرب المُنَوْبلين!
 
■ هل يمكن أن تكون «نوبل» حلما شرعيا لأديب تونسي؟
* يمكنه أن يحلم، ويمكنه أن يعمل، والأفضل له أن يتحرر من هذا الحلم لكى لا يتحول إلى كابوس عُصابي.
 
■ كيف تتأمل ثورات الربيع العربى ونتائجها المرجوة ؟
* سميتها وأسميها « ثورات الحد الأدنى»، وأهم ما جاءت به، حتى الآن، هو حرية التعبير، لكنها تبقى حرية مهددة وفق تطور الأحداث، أما جانبها الثانى وهو «الديمقراطية» فمازلنا فى أتون تجاربها التى تعانى من إعاقات كثيرة مثل الأمية والتديّن الغيبى الذى يذكرنا بعصر الانحطاط. يبقى الاقتصاد: إنه حصارنا الحقيقي، فهذه الثورات انطلقت فى عصر معولم بأدوات معولمة، وباختصار؛ هى ثورات تُدار بأجهزة تحكم عن بعد، بغض النظر عمن شكلوا نارها ووقودها وحجارتها.
 
■ كيف تفسر صعود التيار الإسلامى فى تونس ومصر وتأثيره على حركة الإبداع ؟
* وعود الإيمان مقابل استشراء الفساد هو السلّم الحقيقى لصعود التيارات الإسلامية، وهذا الأمر ليس شرًّا كله. لأن ممارسة السلطة سوف تعرّى زيف الوعود الكاذبة حتى وإنْ تزينت بوعود الإيمان. العالم اقتصاد وحرية تعبير أولا.
 
■ كيف تقيم المشهد الأدبى فى تونس بعد الثورة ؟
* من جهة هو فوضى « ثورجية»، ومن جهة ثانية، يتواصل السير على خطى «السلف الصالح»، أقصد آليات النظام القديم الذى تمت إزاحته فى مجال الاحتفاليات والملتقيات والمهرجانات، مع إضافة بند بالمناسبة هو واو العطف: الأدب «و» الثورة، السينما «و» الثورة، إلخ.... تغيير العقول ليس سهلا ويتطلب الكثير من الوقت والمسافة.