الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

«المصريون» حقل تجارب للآلة الإعلامية المتغيرة




لم تكن رياح الربيع العربى التى هبت نسائمها على مصر، وشجعت الملايين من الشعب الغاضب للخروج إلى الميادين للمطالبة بالحرية والعدالة الاجتماعية وكتابة النهاية للحقبة «المباركية» التى أحكمت قبضتها على البلاد طيلة 30 عامًا عانى خلالها الشعب من الظلم والقمع والقهر، أثارها فقط فى تغير شكل الحياة السياسية فى البلاد ولكن أيضا كان لها بالغ الأثر على مستقبل الإعلام كما استحوذ تغير ملامح الإعلام بعد الربيع العربى ومستقبلها فى المرحلة المقبلة على اهتمام مراكز الأبحاث بكافة أطيافها.
 
فى دورية «ذى واشنطن كوارترلي» يرى «جون ب. ألترمان»،مدير وزميل برنامج الشرق الاوسط فى مركز واشنطن للدراسات الاستراتيجية والدولية، أن الصحافة الشعبية حولت كلاً من فيسبوك وتويتر،فى يناير 2011، من كونهما مجرد أساليب للتواصل الاجتماعى إلى محركات سياسية للتغيير الذى قلب عقود الاستبداد العربي، وأن وسائل الإعلام الاجتماعية حثت الملايين من التونسيين والمصريين على النزول إلى الشوارع والمطالبة بالتغيير السلمى فلم يكن هناك سبيل أمام الأنظمة الاستبدادية الهشة سوى الامتثال لها وبهذه الطريقة تصبح وسائل الإعلام الاجتماعية هى السبب وراء تغيير مستقبل الشرق الأوسط بصورة لا رجعة فيها.
 
وأشار تقرير أعده معهد ماساتشوستس الأمريكى للتكنولوجيا إلى أنه فى الوقت الذى عمد فيه النظام السابق إلى تضييق الخناق على الصحفيين وتكميم الأفواه قامت مواقع التواصل الاجتماعى بمهمة نقل الحدث وكان شهود العيان من المتظاهرين الذين خرجوا إلى الشوارع مطالبين بالإطاحة بمبارك يقومون بمساعدة قناة الجزيرة فى نقل الخبر فور حدوثه.
 
 ويؤكد التقرير على أن وسائل الإعلام الاجتماعى مثل مواقع فيس بوك وتويتر التى استخدمت خلال الثورة المصرية، سحبت البساط من تحت أقدام وسائل الإعلام التقليدية التى كانت تابعة للحكومة والتى عانت من افتقادها للموضوعية والحيادية فى نقلها للأحداث. وكان لمواقع الإعلام الاجتماعية المختلفة آثارها فى تغيير شكل صناعة الصحافة بشكل جذرى بداية من عام 2011. وخلال الربيع العربى سطع نجم الإعلام البديل الذى يعتمد على الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعى وبات ينقل الصورة من داخل الأماكن التى لا يسمح فيها بالتغطية الإعلامية.
 
وفى دراسة تحت عنوان»الصحافة تعيد كتابة التاريخ فى تقريرهاعن الربيع العربي» نشرتها دورية جلوبال ميديا جورنال يرى الكاتب هام جمدروب باحث وحاصل على الدكتوراه فى الصحافة من جامعة جنوب الدنمارك- أن لحظة إعلان تنحى مبارك عن الحكم تساوى فى أهميتها هجمات الحادى عشر من سبتمبر عام 2001 من حيث التناول الإعلامى مع رصد الاحتفالات التى عمت فى القاهرة برحيل مبارك والتى تصدرت عناوين صحف العالم لتكون تلك الصور والمشاهد بمثابة شاهد عيان على التاريخ.
 
 ويشير الكاتب إلى ضرورة أن يتمتع الصحفى بالحيادية فى نقل الأخبار، مشيرا إلى أن عناوين الصحف بدأت تتساءل من الديكتاتور القادم الذى ستطيح به رياح الربيع العربى بعد سقوط بن على فى تونس ومبارك فى مصر؟ فبعد ثورة الربيع العربى الذى اجتاح تونس وانتقلت شرارته إلى مصر لم يكن هناك شاغل للصحافة التى كانت فى يوم ما تؤيد مبارك أو بن على سوى الإسهاب فى الحديث عن ديكتاتورية تلك الأنظمة السابقة واستخدام مصطلح «الديكتاتور السابق» ومعاناة من سوء استخدام السلطة.
 
وتشير دراسة صادرة عن معهد «بيو» الأمريكى بواشنطن إلى سيطرة الخطاب الدينى على وسائل الإعلام المختلفة على مدى عام 2011.وتقول الدراسة أن الإسلام أصبح يشكل جزءا أكبر من تركيز وسائل الإعلام العربية والغربية فى السنوات الأخيرة حيث أن 6 من ضمن أهم 10 قضايا إعلامية تفجرت عام 2011 كانت بخصوص الإسلام. ومن زاوية أخرى حصل الإسلام على التغطية الإعلامية الأكبر فيما يتعلق بالتغطيات الإعلامية عن الدين حيث خصصت وسائل الإعلام نحو 31.3% للإسلام فى حين خصصت 11.3% فقط للمسيحية الكاثوليكية.
 
وركزت الدراسة على استخدام الدين فى الخطاب السياسى واستغلاله فى الحملات الانتخابية الرئاسية وتشير الدراسة إلى أن التغطية الدينية الخاصة بثورات الربيع العربى التى تضمنت مصر وليبيا، شكلت 3.4% من التغطية الإعلامية على مستوى العالم.
 
وفى مصر كان التركيز الأكبر فى التغطية الإعلامية من نصيب الإخوان المسلمين ونفوذهم المتصاعد فى مقابل تسليط الضوء على مشكلات الأقباط ووضعهم فى مصر بعد الثورة.
 
ورصدت الدراسة الاهتمام المنصب على الأحداث فى مصر من قبل عدد من الصحف العالمية مثل صحيفة نيويورك تايمز التى ركزت فى قصصها،على مدار السنة، على مخاوف المسيحيين فى مصر بعد الثورة بالإضافة لمناقشة قضايا جديدة حول حماية حقوق الأقليات الدينية والتركيز على الجماعة الإسلامية وأجندتها الخاصة للوقوف على قدر قوتهم السياسية.
 
وأعد مركز «ميمري» الإسرائيلى لدراسات الشرق الأوسط تقريرا بعنوان « سيطرة الإخوان المسلمين على الإعلام فى مصر»، رصد فيه خطوات جماعة «الإخوان المسلمين» للهيمنة على الإعلام المصرى بعد الثورة . وأوضحت الدراسة أن «نظام مبارك» استغل على مدار عقود طويلة الإعلام الحكومى كناطق باسم النظام، ومن بعده المجلس العسكرى، الذى طالب باستمرار هذا النهج ووضع خطوطا حمراء لوسائل الإعلام، بالرغم من المحاولات لكسر تلك القيود من قبل العديد من الإعلاميين للحصول على حرية التعبير، لنجد أن الإخوان المسلمين يواصلون – منذ صعودهم للسلطة – السيطرة والهيمنة على وسائل الإعلام وتحويله لأداة فى أيديهم، وهو ما أثار موجه من الاحتجاجات ضدهم من قبل رجال الإعلام الذين يدافعون عن حرية التعبير.
 
وأرجع التقرير الإسرائيلى الصراع القائم بين الإخوان ووسائل الإعلام فى مصر إلى «خط الانتقادات» الذى شنته وسائل الإعلام فى مصر تجاه جماعة «الإخوان المسلمين» بعد تقديم مرشح للرئاسة، حيث شنت وسائل الإعلام الحكومى حملة انتقادات استغل خلال أسابيع طويلة قبيل الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة، وأظهرت «مرسي» وقتها أنه ضعيف للغاية، وبدت فرص فوزه فى الانتخابات واهية للغاية، وهو ما ظهر فى مقالات وتصريحات العديد من القوى الليبرالية التى أعربت عن تخوفها من أسلمة الدولة فى أعقاب تعاظم قوى الإخوان المسلمين فى مصر 
 
وترصد الدراسة خطوات سيطرة الإخوان على الإعلام وتدمير الإنتقادات الإعلامية التى تنال منهم، وأجندتهم للسيطرة على وسائل الإعلام الحكومى وهي:
 
أولا: تعيين وزير للإعلام فى حكومة «هشام قنديل» من مؤيدى الإخوان، ففى الوقت الذى حافظ فيه المجلس العسكرى لنفسه على حقيبة الخارجية والداخلية والمالية فى المفاوضات لتشكيل الحكومة المصرية الجديدة برئاسة «هشام قنديل»، أصر الإخوان على الحصول على حقيبة الإعلام، وبالفعل قاموا بتعيين «صلاح عبد المقصود» الذى كان مستشارا إعلاميا فى حملة «مرسي» الإنتخابية، وهو معروف بتوجهه الإسلامى . كان هذا التعيين واحد من الخطوات التى أظهرت نية «الإخوان» لإجراء تغييرات فى النظام الإعلامى بمصر، وهو ما اعتبره العديد من الصحفيين استمرارًا لنهج مبارك فى السيطرة على وسائل الإعلام واستغلالها كمنصة لهم .
 
ثانيا: استبدال رؤساء تحرير الصحف القومية من خلال مجلس الشورى بآخرين من الموالين لهم، فوفقا للقانون المصرى - الذى لم يتغير فى أعقاب الثورة - فإن سلطة تعيين رؤساء تحرير الصحف ومجالس إدارتها رهن بمجلس الشورى، وقد تم تعيين هؤلاء المسئولين من قبل مجلس الشورى الذى يسيطر عليه الإخوان - بالتشاور مع الرئيس والحزب الحاكم. ومجلس الشورى الحالى لن يتنازل عن «احتكار» حق تعيين رؤساء الصحف القومية، لكنه غير فقط من الأسلوب قليلا من خلال السماح للصحفيين بترشيح أنفسهم للمناصب، ويختار المجلس من بينهم من خلال معايير وضعها .
 
ثالثا: اتخاذ خطوات قانونية ضد المنتقدين ومهاجمى نظام الإخوان. فالجماعة التى بدأت الثورة، هرعت لاتباع قوانين النظام القديم للسيطرة على المؤسسات الصحفية وإسكات أفواهها، وهو ما تم إعتباره حربا على وسائل الإعلام . وأشارت الدراسة إلى أن الخطوات التى أنتهجها النظام، من حظر نشر صحيفة «الدستور» فى أعقاب توجيه رئيس تحريرها انتقادات حادة للرئيس «مرسي»، والعنف ضد الإعلاميين الذين وجهوا انتقادات لاذعة للإخوان، حيث خرجت مظاهرات إخوانية أمام مقر قناة «الفراعين» مطالبين بإغلاقها بعد تصريحات الإعلامى وصاحب القناة «توفيق عكاشة» بإهدار دم مرسى، ومحاولة اقتحام الاستوديو، والتعدى على رئيس تحرير صحيفة «اليوم السابع» الصحفى «خالد صلاح» المعروف بانتقاده للجماعة.