الخميس 26 سبتمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

«الأجندة الإسلامية» لإدارة مصر




نشر مركز بروكنجز الأمريكى تحليلاً عن أداء جماعة الإخوان المسلمين فى البرلمان الذى كان مخيبًا للآمال، إلا أنهم استطاعوا أن يظهروا مرونتهم السياسية من خلال جذب الليبراليين واليساريين أثناء الانتخابات الرئاسية.
 
وفى تحليل لشادى حميد مدير المركز والمتخصص فى شئون الأحزاب الإسلامية والإصلاحات الديمقراطية بالعالم العربى أوضح أن حزب الحرية والعدالة الذراع السياسية للجماعة لا يعمل مثل الأحزاب التقليدية، فبجانب اهتمامه بتحقيق الفوز فى الانتخابات، يهتم بوحدة التنظيم وسلامته وقد ثبت ذلك فى الأيام الأولى للمرحلة الانتقالية حيث اهتمت الجماعة بالحفاظ على ذاتها حتى وإن أدى ذلك إلى تطهيرها من أعضائها المعارضين لبعض سياستها. وأضاف شادى أن من ضمن إجراءات الحفاظ على الذات عدم انضمام أى عضو من الجماعة إلى أى حزب سوى «الحرية والعدالة»، وعقاب كل من يخالف ذلك مثلما حدث مع عبدالمنعم أبو الفتوح، وكذلك الإخوان الذين تم تجميد عضويتهم وقاموا بتشكيل أحزاب مستقلة.
 
وأشار «حميد» إلى أن مبارك «كعدو» للجماعة كان سببًا فى تماسكها، وبعد رحيله وجدت الجماعة صعوبة فى توحيد صفوفها حتى أنها كانت تلجأ إلى القوة ولم يعتذر قادة الإخوان المسلمين عن أساليبهم العنيفة، فبالنسبة لهم كانت أمرًا بسيطًا من احترام المؤسسة التى هم جزءً منها والتى يتعهدون بحياتهم لها، ولذلك كانت قرارات مجلس شورى الإخوان صارمة بمنع الأعضاء من الانضمام لأحزاب أخرى.
 
ووصف البحث ديمقراطية الإخوان بأنها «زائفة» لأن أغلب القرارات تتخذها القيادات دون أخذ رأى شباب الجماعة. واستشهد «حميد» بما قاله عصام العريان له: «أن شباب الجماعة محل تقدير ولكن عليهم أن يدركوا أنهم فى سياق تنظيم وليس خارجه».
 
وذكر البحث أن قرار جماعة الإخوان المسلمين بتقديم مرشح لانتخابات الرئاسة لم يكن مفاجئا لأعضاء الجماعة ولكن سبب التأخر كان بسبب عدم وجود شخصية توافقية يمكن أن يدعمها الجميع. وأشار إلى أن هذا التأخير ساهم فى صعود حملة عبدالمنعم أبو الفتوح والذى كان نجاحه كرئيس، سيقوض قبضة الإخوان على تيار الإسلام السياسى نظرًا لكاريزمته وموافقة عدد كبير من السلفيين عليه.
 
ولفت «حميد» إلى أن الأفراد داخل جماعة الإخوان المسلمين لا يستمدون نفوذهم نتيجة مواهبهم السياسية الخاصة بهم، ولكن من حقيقة أنهم جزء من الجماعة. فقد حاول أشخاص كثيرون الانشقاق عن الجماعة وتأسيس أحزاب خاصة بهم ولكنها كانت تجارب فاشلة بسبب عدم وجود دعم من «الجماهير الإخوانية». وضرب حميد مثلا على ذلك «حزب الوسط» الذى تأسس عام 1996، وحزب «التيار المصرى» الذى تأسس فى 2011، وبالتالى كان أبو الفتوح يمثل خطرًا على الجماعة لأنه عزز من فكرة أن النجاح يمكن أن يتحقق بدون دعم التنظيم.
 
وأرجع سبب صعود «محمد مرسى» مرشح الجماعة فى المرحلة الأولى للانتخابات على منافسه الإخوانى عبدالمنعم أبو الفتوح إلى سيطرة الإخوان على قرى الدلتا. وقال أنه رغم مآخذ القوى السياسية الإسلامية على تصرفات جماعة الإخوان المسلمين فى المرحلة التى سبقت الانتخابات، إلا أنهم توحدوا فى جولة الإعادة ضد عدو موحد وهو الفريق أحمد شفيق الذى صعد إلى المرحلة الثانية فى الانتخابات.
 
صناعة رئيس
 
أشار «حميد» إلى أن الإسلاميين فى مختلف أنحاء المنطقة وجدوا الوقت ملائما للقضاء على عقود من العمل المضنى فى بناء قاعدة شعبية منظمة سرًا. كما أنهم يستخدمون شعارات مختلفة مثل «مشاركة» بدلا من «سيطرة».
 
وأن محمد مرسى ما هو إلا عملية «صناعة رئيس» فهو أحد الموالين للإخوان المسلمين، ووفقًا لكل الحسابات، كان مديرًا مختصًا ينفذ الأشياء، إلا أنه لم يكن لديه أى مؤهلات أخرى ترشحه لتولى الرئاسة.
 
وأشار إلى أن خيرت الشاطر - الرجل الأقوى فى الجماعة - التقط محمد مرسى بعد أن عاد إلى مصر فور إنهاء عمله فى جامعة ولاية كاليفورنيا وكان قد تدرج فى صفوف الإخوان بعد أن كان عضوا بالبرلمان من 2000 إلى 2005 وضمه إلى مكتب الإرشاد المنظمة العليا لصنع القرار وأسس مرسى حزب الحرية والعدالة الذراع السياسية للجماعة. كما أكد أنه لولا مساندة الإخوان له، ما كان فاز بكرسى الرئاسة.
 
ويرى البحث أن علاقة مرسى وجماعة الإخوان بالجيش تحتاج إلى إدارة لأنها علاقة محفوفة بالمخاطر. كما أن المسار المزدوج الذى تنتهجه الجماعة يهدد باحتجاجات جماهيرية حتى وإن تمت مفاوضات وراء الأبواب المغلقة.
 
الشاطر رجل «الاقتصاد»
 
وكشف البحث عن الخطوات التى تنتهجها جماعة الإخوان المسلمين لتطبيق الأجندة الإسلامية لإدارة مصر. أولى هذه الخطوات هى اختراق أجهزة الدولة من خلال مجالات التعليم والإعلام لترسيخ دور الجماعة فى الحياة العامة.
 
أما الخطوة الثانية هى إيجاد علاقة أكثر توازنا بين المدنيين والعسكريين بعد أن أنهى مرسى على المجلس العسكرى بقيامه بالإطاحة بالمشير محمد حسين طنطاوى وأن الجماعة حاولت قبله أن تفعل ذلك عندما فاز الإخوان بأغلبية المقاعد فى البرلمان المنحل حيث طعنوا مرات كثيرة على شرعية المجلس بعد وجود برلمان منتخب، وكانت المحاولة الأخيرة من قبل الجماعة هى عقد البرلمان اجتماعا رغم صدور حكم بحل البرلمان.
 
الخطوة الثالثة «الاقتصاد» وهو من المجالات التى ربما تكون أقل احتكاكًا بين الولايات المتحدة والإسلاميين، فالإخوان تحت نفوذ خيرت الشاطر أصبحوا مؤيدين بلا حرج للسوق الحر، أما فى السياسة الخارجية، فإن مرسى والولايات المتحدة سيختلفون حتما، لكن لا يتعلق بالنهج الإسلامى للجماعة أكثر منه بواقع مصر بعد الثورة.
 
والخطوة الرابعة هى أن يقوم مرسى بوضع أقرب لحماس من مصر ولكن بالقدر الذى تسمح به المؤسسة العسكرية على رغم من تأكيده بالتزامه بمعاهدة السلام.
 
الخطوة الخامسة هى إصلاح بيروقراطية القطاع الأمنى والقضاء الذى يعارض دائمًا مصالح جماعة الإخوان المسلمين.
 
ويذكر البحث أن الرئيس أثبت قدرته على المساواة وأصبحت لديه صلاحيات تنفيذية واسعة، إلا أن هذا لا يعنى أن الجنرالات قد هزموا برغم إضعافهم، فالانقلاب المدنى المضاد الذى قام به مرسى يمثل حلقة مهمة فى الانتقال المضطرب من مصر، إلا أنه بعيد عن أن يكون نصرًا حاسمًا. وعلى المدى القصير، سيكون الطرفان فى حاجة إلى التعايش مع بعضهما البعض بشكل مؤقت، فلا يوجد طرف فيها قوى بما يكفى لتوجيه ضربة حاسمة للآخر.
 
والأسلمة سوف تكون واحدة من أهم رسائل جماعة الإخوان المسلمين وسببًا فى جاذبيتها. ففكرهم الخاص ليس متطورًا بشكل جيد، ولكنهم يعكسون شيئًا موجودًا بالفعل.
 
ومنذ قيام الثورة، هناك دلائل تشير إلى أن سبب دعم جماعة الإخوان المسلمين هو صورتها المحافظة دينيا.
 
وأن أى حزب يتولى الحكم يواجه مخاطر محددة، لكن بالنسبة للأحزاب الإسلامية، فإن المخاطر تكون أكبر لأن الإسلاميين يواجهون خطرا مؤرقا، وهو ربط الفشل بالإسلام أو ما يسمى «بأسلمة الفشل»، والعكس صحيح أيضًا «أسلمة النجاح».
 
الإسلاميون والغرب
 
وينتهى البحث إلى أن نجاح أو فشل علاقة الإخوان بالغرب يعتمد على مدى مساعدة الآخرين. فمصر فى حاجة ماسة إلى مليارات الدولارات من المساعدات المباشرة والقروض والفوائد التجارية، والاستثمار. وعلى الرغم من معارضة الإخوان للغرب وخاصة الولايات المتحدة، يبدو - من وجهة نظر حميد - أن مرسى بحاجة إلى الولايات المتحدة وأوروبا أكثر مما يعترفون.
 
وهناك توقع ألا تتوقف التصريحات الاستفزازية لمرسى فى سياسته الخارجية مثال على ذلك مطالبته خلال خطاب له فى 29 يونيو بالإفراج عن عمر عبدالرحمن الذى يقضى عقوبة السجن مدى الحياة فى الولايات المتحدة لتورطه فى التخطيط لهجمات إرهابية فى 1990.
 
أن التكهنات المحيطة بالنوايا الحقيقية لجماعة الإخوان لا تزال مجرد تكهنات فى الوقت الراهن على الأقل، ولا يمكن معرفة ما سيفعله الإخوان إذا كانت لديهم الحرية الكاملة للتصرف.