الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

الإبحار دون إرشاد

الإبحار دون إرشاد
الإبحار دون إرشاد




د.محمد محيى الدين حسنين يكتب:

ما زلنا نعانى من نقص واضح فى دراسات استطلاع الرأى والاستقصاء السياسى وكذلك تلك التى تحلل وتتعرف على السلوك الانتخابى فى مصرعلى الرغم من عدد أقسام العلوم السياسية المتزايد فى الجامعات الحكومية والخاصة ووجود اكثر من مركز للدراسات الاجتماعية والسياسية إلا أنها تبدو وكأنها فى واد وما يجرى على الساحة السياسية فى واد آخر، وليس هناك دور واضح لها إما لندرة الدراسات الصادرة عنها أو لانحسار الضوء عن نتائجها.
والمتابع لما يجرى فى الساحة السياسية لا يجد سوى التحليلات السياسية التى تنشرها او تبثها وسائل الاعلام المقروءة والمرئية من مختصين وغير مختصين لقياس الرأى العام واتجاهاته أو على استطلاعات صحفية لا تقوم على اسس علمية واحصائية ومن ثم لا يعتمد عليها والنتيجة، ان المصريين فى الوقت الذى يستعدون فيه هذه الايام للتوجه الى صناديق الاقتراع لانتخاب اهم برلمان فى التاريخ السياسى المصرى والمخول بممارسة صلاحيات غير مسبوقة ليكون شريكا حقيقيا فى الحكم يبحرون فى بحر مظلم دون بوصلة أو فنارات تكشف لهم الطريق الى الشاطئ.
مسكين هو الناخب المصرى الذى سيتوجه إلى صناديق الاقتراع غدا، يملؤه الشك تجاه الرموز السياسية التى خدع فيها على اعتبار انها رموز وطنية وثورية وأعطاها صوته فى برلمان 2012 ليفاجأ بأنها تمارس السياسة على اعتبار انها سبوبة ووسيلة للتربح حتى ولو كانت على حساب الوطن او المواطن ليكتشف انه كان ضحية لثوريين مزيفين وآخرين يتاجرون بالدين وهو الآن مطلوب منه ان يدلى بصوته ويختار من يمثله من مرشحين من أكثر من مائة حزب لا يعرف حتى أسماء رؤسائها او برامجها وليس تحت يده معلومات موثقة وحقيقية عن القوة النسبية لتلك الاحزاب او دراسات مقارنة لبرامجها، ناهيك عن انه محاط بكلام كثير عن ان رموز عصر مبارك عائدة وأن السلفيين سيرثون الإخوان المسلمين فى البرلمان وأن المال السياسى سيتدفق لصالح كلا الطرفين ويتكرر الكلام ليصبح وكأنه واقع لا فكاك منه سيحدث سواء ذهب للإدلاء بصوته أو فضل عدم تحمل عناء الوقوف فى طوابير اللجان الانتخابية.
الناخب غير المسيس أو المؤدلج، والذى يمثل الأغلبية، ليس متفائلا، وقد يكون محبطا هذه المرة، والشواهد تنبئ بأن نسب الاقبال على التصويت ستكون ضعيفة ومن ثم انتخاب برلمان سيكون داعما لأقليات ذات الصوت العالى والتى تستطيع حشد أنصارها أمام صناديق الاقتراع سواء بالمال السياسى او باللعب على وتر الدين بالإضافة الى ظاهرة جديدة على مجتمعنا وهى ظاهرة القبلية التى تحاول المجتمعات الأخرى التخلص منها والتى تمت اثارتها وتشجيعها فى مصر مؤخرا تحت دعاوى مختلفة.
الناخب هذه الأيام وفى ظل تلك الظروف ولتزداد حيرته بدأ يسمع من بعض افراد النخبة مَن يطالب بتعديل الدستور لإعطاء الرئيس مزيدا من الصلاحيات ويتساءل أين كانوا والدستور قيد الاعداد؟ حين تم فيه توسيع دائرة الحقوق السياسية لأقصى حد بينما تم تمرير باب نظام الحكم بمناقشات محدودة تقلصت فيه صلاحيات الرئيس حتى لا يأتى ديكتاتور آخر كما يقولون، ومع وجاهة بعض تلك الآراء فان اثارة هذه الموضوعات الآن يثير الريبة ويجعله يرى ان الأمر إنما يدخل فى باب المماطلة السياسية التى تسعى الى تعطيل الحياة النيابية والوفاء بالاستحقاق الثالث لثورة 30 يونيو.
وأخيرا أرجو أن أكون مخطئا فيما ذكرته من تفسيرات لكل تلك المشاهدات وأن ينير الله بصيرة الناخب المصرى لاختيار نواب قادرين على قيادة مصر المكافحة والصبورة الى بر الأمان فهى تستحق الكثير من أبنائها وربما أقلها أن تحاول مراكز الدراسات السياسية والاجتماعية انارة الطريق أمامه حتى لا تجنح السفينة عن طريقها.