الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

النموذج الماليزى فى التنمية

النموذج الماليزى فى التنمية
النموذج الماليزى فى التنمية




أحمد عبده طرابيك يكتب:

ظلت منطقة جنوب شرق آسيا مركزا للتجارة لقرون عديدة، فقد اشتهرت المنطقة بتجارة الخزف والتوابل قبل ظهور ملقا وسنغافورة على خارطة المراكز الاقتصادية العالمية، وازدهرت صناعة وانتاج تلك السلع فى القرن السابع عشر، ومع السيطرة البريطانية على الملايو، تم استخدام أشجار المطاط، وزيت النخيل لأغراض تجارية، حتى أصبحت ماليزيا المنتج الأكبر فى العالم للقصدير والمطاط وزيت النخيل، وشكلت تلك السلع مع غيرها من المواد الخام، دفعة قوية للاقتصاد الماليزى خلال منتصف القرن العشرين.
بدأت ماليزيا فى سبعينيات القرن الماضى إجراء حزمة من الإصلاحات الاقتصادية، حيث انتقلت من اعتمادها على التعدين والزراعة إلى الاعتماد بشكل أكبر على التصنيع، من خلال جذب الاستثمارات الخارجية وخاصة من اليابان، ووضعت ماليزيا استرتيجية شملت مختلف القطاعات الصناعية، الأمر الذى أدى إلى ازدهار الصناعات الثقيلة والإلكترونيات حتى أصبحت واحدة من أكبر مصنعى أقراص الحاسوب الصلبة، ومن ثم استطاعت تحقيق معدل نمو مستمر تجاوز 7٪، تزامن ذلك النمو مع انخفاض معدلات التضخم خلال عقدى الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي.
كان للتعليم الدور الأبرز فى قيادة عملية التنمية، حيث تم ابتعاث العديد من أبناء ماليزيا للدراسة فى اليابان وغيرها من الدول المتقدمة، وعلى صعيد العلوم الشرعية تم التركيز على زيادة المبعوثين إلى الأزهر الشريف، استفادت ماليزيا من التجربة اليابانية بشكل كبير فى تحقيق التنمية، ليس من جانب نقل التكنولوجيا وحسب، ولكن من خلال الاستحواذ على نصيب كبير من الاستثمارات الخارجية لليابان، وكان لاستحضار قيم احترام العمل وإتقانه دور كبير فى جذب الاستثمارات اليابانية.
استحضرت ماليزيا المبادئ الاقتصادية القائمة على الإنسان منذ استقلالها وتولى تنكو عبد الرحمن رئاسة الحكومة عام 1957، فجعل القضاء على الجهل والفقر والمرض من أولى اهتماماته، ثم تبعه تون عبدالرازق عام 1970، الذى سار على نفس المبادئ، ثم كانت المرحلة الثالثة الأكثر زخما مع بداية الثمانينيات مع تولى مهاتير محمد رئاسة الحكومة، حيث عمل على تحفيز عملية النمو الشاملة، وتحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية، الأمر الذى لم يحظ باستحسان الغرب الذى يؤمن بأن البقاء والثراء هما فقط للأقوياء على حساب الفقراء، ثم جاءت مرحلة عبد الله بدوى لتسير على الأسس التى رسخها مهاتير محمد فى التنمية، ومن ثم جاء عبد الرزاق ليسير على طرق معبدة وأسس قوية وضعها أسلافه من خلال مبادئ وأسس ثابتة أهمها:
أولا: الملكية المزدوجة، بين العامة والخاصة.
ثانيا: الحرية الاقتصادية التى تكفل للقطاع الخاص حرية ممارسة النشاط الاقتصادى بما لا يؤثر على حرية الآخرين، على أن تعمل فى إطار المصلحة العامة للمجتمع، وتقوم الدولة بتهيئة المناخ المناسب له، وتراقب نشاطه.
ثالثا: العدالة الاجتماعية التى تُبنى على التكافل العام والتوازن الاجتماعي، والتى تتمثل فى التوزيع العادل للدخل والثروة بين كافة أفراد المجتمع دون تمييز.
رابعا: وصول نسبة الفائدة إلى الصفر.
اعتمدت التجربة الماليزية فى التنمية على القيم الإسلامية والمهارات التكنولوجية العالمية، وفى ظل تلك القيم، وتطبيق مبادئ الاقتصاد الإسلامي، حققت ماليزيا ارتفاعا فى معدلات التنمية البشرية، والقضاء على الفقر والبطالة، وحققت طفرة فى الصادرات، وقد كان لوجود دور للدولة أهمية كبيرة فى عملية التنمية، حيث اتسمت التجربة الماليزية بالتدرج فى الاعتماد على الذات ورفض محاولات الهيمنة الخارجية على الأجندة الوطنية للتنمية.
تزامنت عودة انتعاش الاقتصاد الماليزى مع الانفاق الحكومى الهائل والعجز فى الميزانية فى السنوات التى أعقبت الأزمة، لكن سرعان ما تمتعت ماليزيا بانتعاش اقتصادى أسرع مقارنة بجيرانها، حيث عاد اقتصاد البلاد إلى مستويات ما قبل الأزمة، وأصبح القطاع المصرفى أكثر قدرة على مقاومة الصدمات الخارجية، موفرا الأمان ضد هروب رؤوس الأموال، وعادت أسعار الأصول بشكل عام إلى مستويات ما قبل الأزمة، وغدت ماليزيا أكبر مركز مصرفى ومالى فى جنوب شرق آسيا.