الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

إنهم يذبحون الكتب

إنهم يذبحون الكتب
إنهم يذبحون الكتب




عاطف بشاى  يكتب:

فى ظل تنامى التيارات السلفية والوهابية بعد وصول الإخوان إلى الحكم وتصاعد نشاط التكفيريين الذين وصفوا الحضارة الفرعونية بالعفن واعتبروا الآلات الموسيقية غير جائزة شرعا.. والموسيقى حرام مطالبين بإلغاء النشيد الوطنى وتحية العلم لمخالفتها الشريعة الإسلامية لكونها بدعة.. والمحاولات المتكررة لإلغاء الحفلات الموسيقية الغنائية.. وبروفات العروض المسرحية وتغطية صدور النساء فى لوحات الفنان «عبد الهادى الجزار» ثم بدأوا فى قتل التماثيل فأطاحوا برأس تمثال «طه حسين» فى المنيا.. ونقبوا تمثال «أم كلثوم» فى المنصورة.. ومضوا بنا فى قطارات صدئة إلى «كابول» ليذبحون الكتب.
وفى كابول المصرية داهم زوار الفجر سوق كتب «النبى دانيال» وسط الإسكندرية مدعمين بقوات الأمن المتمثلة فى شرطة المرافق بقيادة الجنرال كبير برتبة عميد بالإضافة لفرق الحماية المدنية (الإسعاف والمطافئ) مدججين بالمعدات الثقيلة لإزالة أكشاك الكتب.. وأسفر الاعتداء الغاشم عن ظفر مؤزر بتحطيم تلك الأكشاك ومصرع مئات الكتب فى شتى أنواع المعرفة فتناثرت أشلاؤها على الأرصفة.
لقد أتوا بهذا الجيش العرمرم واحتشدوا بذلك العتاد الضخم متسللين فى الفجر خوفا من عدوهم اللدود.. «الكتب» التى تبدو وديعة مسالمة لا تنوى شرا ولا تضرم كراهية.. لكنها فى غضبتها ضد قوى التخلف والجهل تبقى أقوى وأشد بأسا وأعظم هولا..
إن هجومهم البربرى هذا يعكس جزعا دفينا من الثقافة والمثقفين.. من الأوراق التى تفضح الاستبداد.. والسطور التى تندد بالفاشيين وصفحات التاريخ التى تنتصر للتنوير وللحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان.. وتمهد الطريق للنهضة والتنمية.. الرقى والتقدم.. وتدافع عن حرية الإبداع والتفكير والاعتقاد.. وتقديس العقل واحترام المرأة.. والاحتفاء بالفنون.. وهى التى صنعت حضارات إنسانية عظيمة أضاءت الوجود بنور العلم والفكر والمعرفة والفن.. وقاومت تيارات أصولية ظلامية تعود بالبشرية إلى عصور محاكم التفتيش.. وثقافة الهكسوس.. وزمن العصور الوسطى.. وعهود الجاهلية والتصحر..
وكان من الطبيعى والمتوقع إذا حينما يأتى الغزاة من التتار الجدد الذين خرجوا من معطف الإخوان والسلفيين والتيارات الظلامية التى تمارس الإرهاب باسم الدين - والدين منهم براء - ليفجروا مكتبة «الموصل» المركزية فى العراق.. ويحرقوا محتوياتها من آلاف الكتب.. كما حرقوا مئات الكتب فى المكتبات الخاصة والجامعية داخل المدينة أمام جموع الناس وحرقوا (100) ألف كتاب فى محافظة «الأنبار» وقاعة الإعلام والمسرح فى جامعة الموصل فى أكبر الأعمال التدميرية الإجرامية للكتب فى تاريخ البشرية.. أسوة بالتتار الذين أحرقوا ودمروا المكتبة العظيمة فى بغداد التى كانت تحوى عصارة فكر المسلمين فى (600) عام.. فهى من أعظم المكتبات على وجه الأرض فى ذلك الزمان..
لكن يبدو أننا حينما تنفسنا الصعداء ودحرنا هؤلاء التتار بثورة (30) يونيو كنا واهمين أننا سوف ننتصر للتنوير.. ولا ننتصر للجهل والجمود والظلام والإرهاب.. وتصورنا أن الثورة التى تصدر المثقفون صفوفها الأولى فرفضوا وزير الثقافة الإخوانى ومنعوه من دخول مكتبه وأصروا على الإطاحة بحكم الظلاميين.. تصورنا أنها سوف تقضى على أعداء العقل لأن حركة التاريخ تنحاز للحداثة والتجديد والتطور والتنوير وحرية الاختلاف وأن المكفرين وأعداء الحرية والحياة والثقافة سوف يذهبون إلى مزبلة التاريخ..
لكن القوة الغاشمة - ممثلة هذه المرة فى الدولة - أتوا بالبلدوزورات مرة ثانية وهدموا أكشاك يبيع كتب وصحف فى محطة الرمل بالإسكندرية.. إنها الكتب التى تقاوم الإرهاب وتنشر الوعى وتدعم الفكر وتبدو كأنها خطة ممنهجة لتدمير أى محاولة للنهوض والرقى والتقدم لتجرنا إلى هوة سحيقة من القبح والتخلف فى ردة حضارية غير مسبوقة فى تاريخ مصر القديم والحديث.