الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

أتيليه الإسكندرية صراع التنوير وأطماع الملاك

أتيليه الإسكندرية صراع التنوير وأطماع الملاك
أتيليه الإسكندرية صراع التنوير وأطماع الملاك




كتبت - سوزى شكري

تعانى معظم المبانى التراثية فى مصر إما من الإهمال وإما من الأطماع، فرغم أنها مسجلة بوزارة الآثار كأثر إلا أنها تتعرض بين الحين والآخر من قبل أصحاب المصلحة للتعدى والهجوم، فى مشاهد يتصدرها البلطجية، ومن المعتاد أن يكون أصحاب المصلحة من مالكى الأثر وبعضهم لا يقدرون قيمة مايملكون من تراث فنى ومعمارى وتاريخى للمبانى والقصور، لا يشغلهم إلا الفكر الاقتصادى الرأسمالى وبناء الأبراج السكنية العالية، يسعون لتحقيق أهدافهم بالبحث عن ثغرات قانونية.
وفى الأيام الماضية وضمن مسلسل الاعتداء على آثار مصر المعمارية تعرض مؤخرا مبنى جماعة الفنانين والكتاب «أتيليه الإسكندرية»، والمسجل كمبنى تراثى بوزارة الآثار منذ عام 2008 للهجوم من قبل ملاك العقار الذين هدموا جزءا من السور الحديدى لحديقة الأتيليه واقتحموا المكان وتسببوا فى إتلاف بعض الأعمال الفنية الموجودة بحديقة الأتيليه، زاعمين أن حديقته ليست تابعة للمبنى وأنها من أملاكهم، وأنه يوجد بداخل الحديقة ممر يؤدى إلى المبنى المجاور الذى يسكنه ويملكه ملاك العقار.

المثير للدهشة أن كلا من طرفى النزاع حول ملكية حديقة أتيليه الإسكندرية يرى أن ما حدث اعتداء وتعد من الطرف الآخر تجاهه، مالكو العقار يرون أن «الأتيليه» تعدى بالإشغالات على أرض يملكونها بالمستندات الرسمية، وأنهم كانوا ينفذون قرارا صادرا من الحى، فى حين أن «أتيليه الإسكندرية» قد فوجئ أعضاؤه ورواده بالهجمة الشرسة العنيفة من جانب بلطجية ملاك العقار وتحطيمهم للأعمال الفنية ذات القيمة العالية وكسر السور الخلفى الحديدي، وأن ادعاء مالكى العقار ليس له منطق بفصل الحديقة عن المبنى.
بدورنا رصدنا الحدث وما اتخذته الجهات المعنية من إجراءات، وآراء أطراف النزاع، وموقف قانون الآثار من الواقعة.
- بداية الاعتداء والهجوم على الأتيليه
أرسل ورثة ملاك الأتيليه مجموعة من العمال قاموا بهدم وكسر السور الخلفى الحديدى لحديقة الأتيليه، ثم دخل العمال إزالة مخالفات اقتحامهم واستعانوا ببعض الناقلات، وعلى ما يبدو أن لديهم تعليمات بعد الاقتحام أن يرفعوا المخالفات خارج المبنى إلى أن أصبح مبنى الأتيليه مكشوف على الشارع بدون سور، ورغم تصدى الفنانين والمثقفين بإبلاغ الجهات الرسمية والشرطة وتحرير محاضر بالواقعة فإن الورثة عاودوا الاعتداء على الأتيليه ومنع الفنانين التشكيليين من دخول المبنى، الاعتداءات وصلت إلى حد وجود كلاب حراسة بحسب البيان الذى أصدره الأتيليه: «بعد التعدى على الأتيليه أكثر من مرة حضرت قوة من قسم العطارين واصطحبت الأشخاص الذين كانوا موجودين داخل حرم الأتيليه بدون وجه حق، وتم عرضهم على نيابة العطارين التى قررت طلب تحريات من المباحث حول الواقعة وظروفها مع عرض المتهمين للتحريات»، إلا أن النيابة أفرجت عنهم وخرجوا من القسم، بعد تقديم الملاك ما يفيد أنهم كانوا يؤدون دورهم فى حماية أراضهم، وأن كلاب الحراسة حاملة شهادة صحية ومدربة.
- أضرار وتلفيات
أدى هذا الاقتحام إلى تحطيم وإتلاف وإيقاع أضرار فى مرسم الفنان أحمد الغمرى ولوحاته الموجودة بالحديقة ملحق المبنى، وأضرار وتلفيات وتكسير لأعمال الفنان هانى السيد والفنان إبراهيم الطنبولى، بالإضافة إلى إحداث أضرار وتكسير متعمد بالحديقة وتحطيم الفرن الخزفى، وجار حصر قيمة التلفيات المادية ومطالبة المتسبب فيها بإجراءات قانونية.
- انتفاضة الفنانين والمثقفين
الدكتور محمد رفيق خليل، رئيس مجلس إدارة أتيليه الإسكندرية ونقيب الأطباء تحدث قائلا: الأتيليه المبنى مسجل بالآثار، برقم 1346 بقرار رئيس مجلس الوزراء 278/ 2008، ونحن ندفع الإيجار الشهرى للمالك فى المحكمة كما هو متفق عليه، لكن ورثة الملاك ومعهم مجموعة محامين يريدون الأرض لبناء برج سكنى ويحاولون استغلال إحدى الثغرات القانونية لهدم جزء من الأتيليه وهو الحديقة بزعم أن الحديقة منفصلة عن المبنى، حيث قاموا بهدم السور الحديدى وألقوا الأعمال الفنية وخسائر جار حصر قيمتها المادية بالإضافة لقيمتها الفنية، وقد فعلوا هذا بدون احترام للثقافة والتاريخ والقيمة الأثرية والأدبية لأتيليه الإسكندرية، ووزارة الآثار هى الجهة الوصية على المبنى وليست جهات أخرى.
كما تصدى العديد من الفنانين والمثقفين للهجوم على الأتيليه، بعضهم بالتضامن للحفاظ على مبنى الأتيليه وبإطلاق الدعوات والمناشدة للاعتصام والتواجد وتحرير المحاضر الرسمية ضد الورثة، بعضهم توجهوا للاعتصام بالفعل داخل الأتيليه، كما عقدت لقاءات بحضور الأعضاء ومجلس الإدارة ومن بينهم الفنان التشكيلى معتز الصفتى أحد أعضاء مجلس الإدارة الذى تصدى للهجوم على الأتيليه بالإسراع بالاتصال بكل الجهات المعنية وكبار الشخصيات من الفنانين والمثقفين الذين يعلمون قيمة وقدر أتيليه الإسكندرية الثقافية والتنويرية.
كما أرسل «الصفتى» باستغاثة إلى الرئيس عبد الفتاح السيسى وإلى الكاتب الصحفى حلمى النمنم وزير الثقافة لإنقاذ الأتيليه، وناشد «الصفتى» كل الفنانين والأدباء والشعراء والموسيقيين إلى إقامة فعاليات يومية والتواجد والاحتشاد والدفاع عن هوية الأتيليه، وبالتأكيد على أن الفعاليات المحددة مستمرة فى موعدها، وان الأتيليه لم يخالف القانون ويسدد الإيجار بشكل منتظم فى المحكمة، خاصة أن أتيليه الإسكندرية أقدم جمعية فنية ثقافية فى الإسكندرية، وسوف نستمر فى التصدى للمعتدين مهما كان لدى الورثة من أوراق فذلك لن يعفيهم من تحمل كل الاضرار التى حدثت بالتعدى على جزء من المبنى.
- «المسيرى» و«النمنم» والموقف الرسمى للدولة
الكاتب الصحفى حلمى النمنم وزير الثقافة اتصل فور علمه بالموضوع بالدكتور هانى المسيرى محافظ الإسكندرية، وكان رد المحافظ بأنه لا صحة لما تردد من شائعات حول اقتحام البلطجية لأتيليه الإسكندرية، مؤكدا أن ما أثير من شائعات تتعلق بمبنى مجاور للأتيليه بسبب خلاف ونزاع بين الورثة، مشيرا إلى أن مقر الأتيليه لم يتعرض لسوء.
كما انتقل «المسيرى» إلى مقر الأتيليه والتقى برواده ووعد بأنه سوف يقوم بدراسة الموقف ودراسة الملف بالكامل، وهو أيضا ماقامت به رئيسة حى وسط، والتى أكدت أنها أرسلت لجنة هندسية من الحى لمعرفة الوضع داخل الأتيليه، أما وزارة الآثار فحررت محضر تعدى من جانب المالك على الأثر.
من جانبه كشف لنا الناقد الفنى سمير غريب الرئيس السابق للجهاز القومى للتنسيق الحضارى أن قانون الآثار رقم 144 لسنة 2006 يحظر هدم المبانى والمنشآت ذات الطراز المعمارى والمسجلة كأثر، وقال: مبنى أتيليه الإسكندرية مسجل كمبنى تراثي، ومسجل كأثر إسلامى فى قائمة الآثار الإسلامية، وقانون الآثار بمواده يفوق فى الأهمية قانون الإيجارات، والوضع فى حالة الأتيليه تخطى حدود العلاقة الإيجارية بين المالك والمستأجر والعقود الموضوعة بينهما، وأن الحديقة محل الخلاف هى نزاع وهمى وليس له سند قانوني، الحديقة وضعها محسوم، جميع القصور الأثرية لها حدائق هذا أمر واضح، الحديقة جزء لا يتجزأ من المبنى ولا تتعامل منفصلة عنه، وقانون الآثار يعتبر الحديقة «حرم» يمنع فصلها أو تقسيمها وعلى كل الجهات المعنية من محافظ الإسكندرية والمحليات أن يطلعوا على قانون الآثار الخاص بهذه النوعية من المباني.
وأضاف «غريب»: فى المادة الثانية من قانون الآثار رقم 144 لسنة 2006 يحظر الترخيص بالهدم أو الإضافة للمبانى والمنشآت ذات الطراز المعمارى المتميز المرتبطة بالتاريخ القومى أو بشخصية تاريخية أو التى تمثل حقبة تاريخية أو التى تعتبر مزارًا سياحيًا، ونص فى المادة الثالثة: للدولة أن تباشر فى أى وقت على نفقتها وإخطار المالك ما تراه من الأعمال اللازمة لتدعيم وترميم وصيانة المبانى والمنشآت المحظور هدمها، وأيضا المادة الثانية عشرة بها نص عقوبة كل من هدم كليا أو جزئيا مبنى أو منشأة بالحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على خمس سنوات وبغرامة لا تقل عن مائة ألف جنيه ولا تزيد على خمسة ملايين جنيه، فإذا وقف الفعل عند حد الشروع فيه جاز للقاضى أن يقضى بإحدى هاتين العقوبتين.
- ورثة الملاك وتحجج بالقانون
المحامى محمد جابر محامى ورثة مالكى العقار نفى جميع الاتهامات بشأن محاولة استخدامهم بلطجية لهدم المبنى وأن هذا الأمر عارٍ تماما من الصحة، وأنهم يقدرون الفن والفنانين، وقال: نعلم أن العقار مسجل بقرار من وزير الثقافة رقم 538 لسنة 1996 ضمن الآثار الإسلامية القبطية، ونعلم أن الحديقة مسجلة «حرم» للمبنى طبقا لوزارة الآثار، وقد سبق لوزارة الآثار تسجيل محضر على الأتيليه بالتعدى على هذا الأثر.
وأضاف: ما أثير حول هدم المبنى غير صحيح إطلاقا، ولا يمكن لأحد أيا كان أن يهدم المبنى، وما أثير يتعلق بمبنى مجاور للعقار سبق وأن حصلنا على قرارين من عام 2011 بإزالة الإشغالات الموجودة فى للعقار رقم (4) شارع الفراعنة، وان هذا الممر موجود بحديقة الأتيليه المؤدى إلى أرض المالك وفيه مرسم الغمرى، وفى شهر مارس الماضى تم نقض القرار بضرورة إزالة التعديات على أرض الملاك، وكل ما فعلناه قانوني، «الاتيليه» تعدى على الأرض وأغلق الممر بسور، والاتيليه مسجل بعنوان (6) شارع فيكتور باسيلى وهذا يوضح حقيقة الواقعة، كما أن الأتيليه ليس لديه عقد للمكان وقد حصلنا على قرار من مستشار بقسم الفتوى والتشريع بمجلس الدولة بتعويض الملاك «تعويضا عادلا»، نحن قمنا بتنفيذ قرارات الإزالة الصادرة من الحى ضد جماعة الفنانين والكتاب «أتيليه الاسكندرية» لإزالة الإشغالات الموضوعة فى فناء العقار دون وجه حق، ولدينا جميع المستندات المؤكدة لملكيتها، واجتمعنا مع رئيسة حى وسط ومحافظ الإسكندرية لتوضيح الموضوع بالكامل وبالمستندات وسوف يقومون بدراسة الملف والرد علينا.
- حل سر يع أم انتظار قد يطول
فى النهاية.. هل يصح أن يكون التعامل مع ملف بأهمية «أتيليه الاسكندرية» بالانتظار والمماطلة أم بقرار حاسم وناجز يفصل بين أطراف النزاع؟ هل يبقى الوضع كماهو عليه وعلى المتضرر اللجوء للقانون؟