السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

واحة الإبداع

واحة الإبداع
واحة الإبداع




يسيل بجوار النيل فى بر مصر نهر آخر من الإبداع.. يشق مجراه بالكلمات عبر السنين.. تنتقل فنونه عبر الأجيال والأنجال.. فى سلسلة لم تنقطع.. وكأن كل جيل يودع سره فى الآخر.. ناشرا السحر الحلال.. والحكمة فى أجمل أثوابها.. فى هذه الصفحة نجمع شذرات  من هذا السحر.. من الشعر.. سيد فنون القول.. ومن القصص القصيرة.. بعوالمها وطلاسمها.. تجرى الكلمات على ألسنة شابة موهوبة.. تتلمس طريقها بين الحارات والأزقة.. تطرق أبواب العشاق والمريدين.  إن كنت تمتلك موهبة الكتابة والإبداع.. شارك مع فريق  «روزاليوسف» فى تحرير هذه الصفحة  بإرسال  مشاركتك  من قصائد أو قصص قصيرة «على ألا تتعدى 055 كلمة» على الإيميل التالى:    
[email protected]

القَبض العارى


كمال تاجا


لِلتَّوِّ بدأَ الصباحُ يترجّل
مِنْ على صهوة الفجرِ الناهض
كهِمَّةِ واثبة
والجلاء يوزّع النُّورَ الثّاقب
لملايين الحدقات
التى رفعتْ أجفانَها
لترمقَ الوجودَ بعينين مشغوفتين
لهفة واشتدادا
والسكون الواعظ
والذى يعمل وبصمت متواصل
على بعث الدِّفءَ المبتسم
فى جوانب التّقهقر
حاثّاً المدى على النهوض الشامخ
لتهبَّ له الآفاقُ واقفةً
وأناملُ النّور الدقيقةُ
ترفع الأجفانَ المسدلة
من على كلّ  إطلالةٍ عذبة
للبراءة المغمضّة
ليتدلّى قوسُ قُزح
بين الحقيقة والحلم
ويرسمَ للبهجة ألوانَها الشّجيّةَ
التى تطول  البسماتِ المُنفكّة
من على الشّفاه المُنفرِجة
لتضع على خدودنا المضرجة
بحمرة الوجل
قُبلة الوجدِ العارية

سنوات المجد الأعظم

كتبها أحمد محمد جلبي


كان هناك سر ما وراء ابتسامته، ملأت وجهه؛ يوماً طويلاً جداً، لم يكن تجاوز الثالثة والعشرين حين استيقظ من غفوة بسيطة على شط القنال بعد يوم شاق وعنيف.. رأى فى غفوته رجالاً، رجالاً أشداء، رايات خضراء لم تكن الوجوه غريبة عليه، وجدهم، وكان يعرفهم، وجوه قادة وجنود عبر التاريخ؟!، سمعهم يقولون: «الله أكبر» رؤوسهم فى السماء، أرجلهم فى الماء، تعبر القنال، رأى الماء ثلجاً صلباً تحت أقدامه.
استيقظ وهو فى شدة الانفعال، كانت الفرحة تملأ وجهه دار دورتين فى أرجاء «القشلاق» ماذا يمكن أن يصنع ماذا عساه فاعل، أهى رؤيا أهى نبوءة، لمن يجب أن يقول؟ أهو إفراط فى التفاؤل، سرحت خواطره.. استعاد يوم تنحى الزعيم جمال عبدالناصر من سنوات يومها أدرك معنى الهزيمة، يومها صرخ من شدة الألم، مذهولاً يحركه الغضب لا يدرى إلى أين يذهب، ساقته قدماه إلى الأستاذ الرياضى ببلدته كفر الدوار وجد صديقه على العلقامى يبكى.. يصيح صارخاً مصر ضاعت.. سينا يا رجالة.. شاركه البكاء.. وكانت هذه اللحظة الوحيدة التى يذكر فيها، أن قلبه يبكى أشد من عينيه، نعم.. بعدها.. أصبح غاضباً بشدة ساخطاً أكثر من ذى قبل.. بعدها ظل يشوط كل ما يقابله من حجارة على الأرض وهو يردد حرام كده.. صدرت أحكام الطيران؟ استهونها، محاكمة لقادة الهزيمة تكون أحكامهم «خايبة».. ضئيلة (دى جريمة لبلد كاملة) كان يستعجل المترو وهو فى الطريق لكليته.. فى طريقه إلى جامعة الإسكندرية.. لم يدر ما حدث بعدها وهو غاضب، لم يكن وحده، يشعر بصدره «مولع».. كانت جموع رجال الأمن تحاصر الطلبة مظاهرة عارمة.. حانقة.. فين القاهر.. فين ناصر والظافر.. فين الغول.. صارت خراطيم المياه الملونة تصبغ جموع الطلاب الغاضبة، تصبغ القمصان والوجوه بالسواد.. بالعار؟
لطخ وجهه بالسواد، العملية تدريب ليلى فدائى حفر، على وجهه الأبيض أخاديد طويلة من الشحم الأسود.. يذكر.. أنه عرف وقتها أخيراً ماذا تعنى الهوك والفانتوم والميراج والدانة ذات الألف رطل، حقائق جديدة فى الحياة.. من يضمن أن يعيش ليروى ما حدث ولمن سوف يحكى وشم النار وعلاماته على الجسد.. مصر تعبر مرحلة الهزيمة بحرب طويلة النفس تستنفذ قدراتها، تستنفذ قدرة العدو، الرجال يعبرون، واحداً وراء آخر للضفة الشرقية من القنال.. يقتلون.. يدمرون يحرقون ويحترقون بالنار والنابالم.. وقدموه إليه.. بلدياتك على الجزار صاحب رقم قياسى «خمسين عبور ناجح» لأرضنا المحتلة فى سيناء، اخترق صفوف العدو.. تقدم منه.. صافحه.. لمسه تحقق منه جيداً، قصير القامة.. شامخ كالجبل.. ناعم الملمس والجلد رقيق الشكل.. كان بطلا من نوع حديث.. نوعنا شباب السبعينيات؛ رجولة وإصرار وعزيمة؛ يقين بالله، رغم ذلك كان الجنود لا ينادونه إلا بكلمة «وحش».. كانت طريقتهم فى الفخر به بينهم، وقتها أراد أن يكون مثله.. وقتها عرف قيمة بلدته فى كفر الدوار التى أنجبته،التدريب شاق خطير، كالموت تماماً.. إنزال مدرعات فى المياه.. غرقت مدرعة.. إصابة زملاء بجراح خطيرة وكان الضابط غالباً ما يقول: بسيطة ده تطعيم للمعركة «حتى وإن كانت وجوههم متأثرة بالحوادث»  مفيش حاجة.. اجمع طابور.. تدريب كمين.. تدريب غارة.. اضرب.. مناورة بالسلاح الحى، قصف إسرائيلى شديد، وحين تهدأ إسرائيل بإفراغ قنابل زنة «ألف رطل متفجرات» كانت الرياح الصحراوية تسفح وجوهنا بالرمال.. ومع سنفرة الرمال لوجوهنا، ضاعت ملامحنا.. وأصبحت قسمات وجوهنا متشابهة.. حسن زى سيد زى أحمد زى سامى.. لا مكان للهواة.. لا مكان للتهاون لا مكان للذل؛ نعم.. لا مكان لإذلالنا من أحد أياً كان.. حتى لو توقفت الحرب، ووقف إطلاق النار: لن يذلنا أحد أبداً.. حتى لو كان أنت، قالها للرقيب سعد بصوت تحدى وإصرار، حين قرر فى رمضان أن يفطر الجنود بعد ساعة كاملة من آذان المغرب، صرخ فيه : ليه يعنى هو تحكم وخلاص؟ وفى لحظة كان هناك ستون جندياً قد قرروا الإضراب عن الأكل، وفى سرعة النار حين تنشب فى القش علمت كامل السرية بالأمر.. سرية المخابرات الحربية والاستطلاع فيها إضراب، لم يكن هناك ترتيب للإضراب «دى مصيبة.. إضراب ليه ؟ وفى رمضان» وفى الحرب!
تصرف تلقائى ، رافض لقرار هميونى ، كقرارات الهزيمة، تدريب على الثورة على الذل وامتنع الجنود تماماً عن تناول الإفطار حتى وقت السحور، وتم إبلاغ قائد المركز وجاء العقيد أحمد عبدالعزيز وسعى الوشاة بالإبلاغ عن زعماء التحريض.. الجنديين محمد البيلى والسيد فليفل هم المحرضان يا فندم.. كان العقيد معقولاً فأبعد الرقيب سعد وعاقب الواشى الدنىء، سواء صدق أو كذب.. قال له: لم يعد لك مكان فى هذه السرية.. كنا وقوفاً انتباه وعندما أغلق الباب خلف الرقيب سعد.. وقف أمامنا وتفرس فينا بحزم.. ثم قال: السرية الخامسة سرية الرجالة استرح «وكان يعنى انتهاء المشكلة.. وأنه لا عقوبة لأحد على الإضراب».
نعم كانت غفوة قصيرة، سرحة سريعة،غطت ست سنوات حولته من طالب مولع بالرياضة والسينما والقراءة إلى مقاتل على الجبهة.. علمته كيف ينزع فتيل القنبلة اليدوية ويلقى بها على العدو البعيد والقريب كيف يواجه وكيف يختفى.. كيف يصاب ولا يستوعب معنى الإصابة لأن لديه مهاما جسيمة يجب إتمامها أولاً وقبل أن يموت، يجرى مخترقاً الضاحية جبلا وتلا وهو ممزق الأربطة فى الركبة والفؤاد على من استشهد فى حادثة أو عملية أو غلطة أو غفلة أو لحظة، مالك ساهم ليه.. قالها الجندى الشيخ عيد، أزهرى برتبة عريف همس فى أذنه بما رأى؛ صاح وقبله: يا فرج الله.. تهلل وجهه وصوته بالبشارة: بشارة النصر وسرعان ما انتشرت البشارة وبدأ العد.. جاء جنود ذهب طابور تحركت مدرعات، زار القائد، أصبحنا جاهزين لخوض الامتحان.. تغيرت ذواتنا، تضاءل الموت، الخوف الخطر، خط بارليف، والثمن، لابد من دم وعرق وروح الأمل!
وجاء سبتمبر 1973 و جاء على الجزار للكتيبة.. وكان هذا فألا حسنا لى وتحركت كتيبة الرجالة لتأخذ وضع الاستعداد للهجوم.. وسكت الكلام والمدفعية اتكلمت.. قالت: الله أكبر.. الله أكبر.. الله أكبر.. من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر.

إيقاع ليل حزين


على المرسى – بيلا – كفر الشيخ


مصر الجريحة تشتكى سالت دماء
أين العقول ادمرت ؟ صارت هباء!!
عقلى تحير والفؤاد توقفت دقاته
حزن أتاه اليوم أعلن لى جفاء
وأنا أشارك مهجتى حزناً بحزن
رافضاً ذل البكاء
روحى ترفرف فوق ظل جناحها
والكون يرفض أن يقدم لى عزاء
صمت مرير دام فى رئتى
أراه حصيلتى فاض الوعاء
شبح يؤرق مقلتى عبثاً
يداعب مهجتى يخفى عداء
وأنا أراقب والأسى يدنو
يحاول جاهداً بث الشقاء
والليل يأسرنى
يسائلنى متى يأتى الضياء
وأنا أكرر فى صميم النفس لا أدرى
ولا أدرى غناء
والصوت يجذبنى يحرك داخلى
قدراً من الأشواق يحمله الفضاء
ومدينتى تسعى إلى حيث المعانى
ترتضى فيها لواء

مأساة نهار


كتب- هانى عبد الجليل نورالدين


يا ليل طويل مالوش آخر
طلع نهار.. قاله إتاخر
فالليل من قسوته   
ضربه وراح ساخر
ربط النهار جبهته
بشاش ابيض قلنا ضباب
الندى كان دمعته
جه يشمت فيه الغراب
لابس سواد بدلته
وقميص رمادى وشراب
وقف بباب قريته
يدعى عليها بخراب
حتى السحابة خانته
ع الشمس عاملة حجاب
ولما استعاد قوته
كان الغروب فى ذهاب
فرض الظلام سطوته
طرده  وسك الباب
رسم النهار بسمته
وقال بكره اكيد فيه إياب