الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

بستان الكرز

بستان الكرز
بستان الكرز




د.حسام عطا يكتب:
لا أعرف لماذا أتذكر الآن مسرحية «بستان الكرز» لأنطون تشيكوف أثناء تأملى العملية الانتخابية البرلمانية تحقيقا للاستحقاق الثالث والاخير فى خارطة الطريق، وتشيكوف الذى أراه نموذجا يمكن الاقتداء به بالنسبة للفنان فى علاقته بالسياسة.
يقول عن نفسه: (إنى أخاف من أولئك الذين يبحثون عن اتجاه فيما بين السطور، وأيضا من أولئك الذين يصرون على اعتبارى ليبراليا او محافظا، لست ممن يؤمنون بالتقدم التدريجى، ولست راهبا ولا شخصا غير مبال، إنى أحب أن اكون فنانا حرا، ولا شىء أكثر من ذلك).
ودور الفنان الآن فى مصر يمكن أن يكون فى تقديرى حرا طالما أمكن له الحركة فى إطار المفهوم السابق، وهو يصف المتفلسفين المتحذلقين فى أبراجهم مكيفة الهواء الممتلئة بدخان السجائر وأقداح القهوة والكلمات الكثيرة فى مسرحية «بستان الكرز» وصفا يمكننا أن نقاربه على المعلقين المنسحبين من الإدلاء بالأصوات أو المشاركة فى الانتخابات الاخيرة إذ يقول عنهم على لسان بطل من أبطاله: 63
(إنهم جميعا جديون، ولهم جميعا وجوه صارمة، ويتحدثون جميعا فى جلائل الأمور ويتفلسفون، وفى نفس الوقت وأمام أعينهم جميعا يأكل العمال طعاما مقرفا، وينامون بلا وسائد، ويحشرون بالثلاثين أو الاربعين فى غرفة واحدة).
والمدهش أن معظم هؤلاء ومن يشبههم هم الذين ظهروا أمام صناديق الاقتراع ذات التاريخ القديم الملوث، هؤلاء من يحاولون بتلك النسب القليلة الصحيحة إعادة الثقة فى الصندوق.
إن «بستان الكرز» القديم الذى يرحل ملاكه القدامى ويصير لملاك جدد علامة على زمن يمضى وزمن يأتى، إذ تنهار الأحزاب التاريخية، إن السؤال الآن المطروح على المواطن المصري، والذى طرحه «تشيكوف» فى «بستان الكرز» هو: ماذا سيفعل المواطن المصرى البعيد عن التنظيمات السياسية بحرية مفاجئة، أن الحرية بعد غياب طويل هى فخ وغواية وبوابة العبور للمستقبل، حيث يعد أخطر ما فى عالم «بستان الكرز» هو ما يعترى الشخوص من انفصام واضح بين الفكر والشعور، وحياة الشخصيات الضائعة فى مجتمع لا يحدوه هدف مشترك ومثل عليا جديدة، وهذا هو دور الفن والثقافة الضرورى ألا وهو استعادة وحدة الهدف والشعور للحلم بمستقبل لا يزال غامضا، لكنه يظل بكل تأكيد يحلم بتحويل الوطن البستان لحديقة زاهرة. لكن تبقى ظاهرة عزوف الشباب عن الانتخابات البرلمانية يعبر عن غياب لثقافة التحول من الموجات الثورية للممارسات الديمقراطية، وهو الأمر الضرورى لنشر ثقافة الديمقراطية والتدريب على افعال الحرية.