الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

التيار الإسلامى فى تونس يسعى لأن يكون واصيا على الإبداع




ترى القاصة التونسية هيام الفرشيشى أن الثورة التونسية لم تكن ثورة فكرية ولا ثقافية، وإنما كانت ثورة اجتماعية، فجرتها الطبقات المهمشة والفئات المحرومة من أبسط حقوق العيش الكريم ، وأنها لم تقم بتلبية طموحات الشعب التونسي.
 
 
وأكدت صاحبة «المشهد والظل» أن المجتمع أصبح متوترا من الخارج، حيث يمارس السلفيون العنف، ويفقد السياسى ديبلوماسيته وأعصابه، وتحارب كل الأطراف السياسية بعضها البعض، وحيث تغيب قيم المحبة والوئام، وتبرز الفروق الواضحة كالندوب والشروخ وبدت أكثر بروزا وقد رسمت على لوحة الواقع الجديد..حول حال الأدب والثقافة فى تونس بعد الثورة كان لنا هذا الحوار. 
 


■ كقاصة وروائية كيف عايشت ثورة «الياسمين»؟
 
 
- الثورة التونسية حدث مفصلي، كان نتاج انفجار اجتماعى ورغبة ملحة فى التغيير. وتوق نحو توسيع الحريات من جهة، والبحث عن توازن قيمى بعدما قام نظام بن على بتجفيف الينابيع الروحية، وأعتقد أن حياتنا غزاها بعض التيبس، واكتنفها تبلد ما، ولكن فى نفس الوقت تصدعت حالة الاستكانة لضغوط الواقع المفروض قسرا، وتضاعف القلق على الوجود، مما حتّم الثورة على نظام أذل الذات البشرية.
 
 
 الثورة التونسية لم تكن ثورة فكرية ولا ثورة ثقافية، وإنما كانت ثورة اجتماعية، فجرتها الطبقات المهمشة والفئات المحرومة من أبسط حقوق العيش الكريم، الثورة التونسية تجاوزت الواقع كما كان نحو ما يجب أن يكون، ولكن مع هذه اليقظة والاستفاقة المبكرة، ثمة توثب لمواصلة الصراع، لأن الثورة كانت بمثابة مقدمة لما يجب أن نصنعه، بعد الوعى بالعراقيل التى اعترضت وتعترض التونسى فى طريقه نحو الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية.
 
 
 
■ هل لبت الثورة طموحات الشعب التونسي؟
 
 
- لو رصدنا مطالب الشعب التونسي، وهى مطالب اجتماعية على رأسها تشغيل الشباب المهمش وخاصة أصحاب الشهادات، وتأهيل مناطق الظل التى تعانى من الفقر على كل المستويات حيث تغيب المؤسسات الاقتصادية القابلة على تذويب مشكلة البطالة، وحيث تغيب الطرق المعبدة، وحيث الفقر يدعو للصراع فى بيئة طبيعية قاسية وخاصة فى الشمال الغربى والوسط الغربى والجنوب، ولو رصدنا ما يعانيه الإعلام من صراع بين الطرف الحكومى وبين النقابات، وما تعانيه الثقافة من تراجع نظرا لتزايد المد السلفى وقدرته على إيقاف عدة تظاهرات ثقافية أو مناظرات فكرية، لو رصدنا مطالب الشعب التونسى فالثورة التونسية لم تقم بتلبية طموحاته. الشعب التونسى يحب الحياة، وهو يدرك أنه مجبول على الصراع وعلى تنمية الأحداث ليصل الى المرفأ الآمن.
 
 
■ هل ستختلف كتاباتك بعد الثورة عما قبلها؟
 
قبل الثورة كنا نعيش داخل بركان خامد، وكان المجتمع متوترا من الداخل، وكان القلق يشى بأزمة فى التعبير والتواصل مع الكلمة، ولكن أفكارى حول الواقع وصوره كانت واضحة فى بنية كل قصة، وكانت الكتابة من الداخل تعطى حيزا للشخصية القصصية لتكشف من خلال أفعالها ومواقفها عن رغبة فى اقتحام الواقع والهروب منه عند اكتشاف مآسيه وتكسراته، وفى بحثها عن متنفس تلوذ بالأسطورة أو الإبداع، لتخلق وجودها من جديد، وإن كان ذلك بمثابة حلم بين الوعى واللاوعي.
 
 
■ بعد الثورة أضحى المجتمع متوترا من الخارج، حيث يمارس السلفيون العنف، ويفقد السياسى ديبلوماسيته ويفقد أعصابه، وحيث تحارب كل الأطراف السياسية بعضها البعض، وحيث تغيب قيم المحبة والوئام، وتبرز الفروق واضحة كالندوب والشروخ وبدت أكثر بروزا وقد رسمت على لوحة الواقع الجديد، واقع متوتر، ينفجر فيه اللاوعي، واقع يجعلنا نتساءل: هل سيسير المجتمع نحو الهدم؟ هل ينسف ثوابته ومكتسباته الحضارية؟
 
- أسئلة تجعلنى أرى الأحداث أكثر توترا. هذه الأحداث لا يستوعبها القلم فى الوقت الحالى لضخامة حجم الكبت، ولأننى أتطلع إلى واقع مختلف قد تحفل به الذاكرة التى تريد أن تؤسس لنفسها طريقا جديدا بتجاوز أخطاء الماضي، لذلك أعود فى قصصى الجديدة الى الفضاءات الثابتة مثل المنزل الأول وديار الأجداد، لأسترجع وقائع الماضى محاولة استشراف ما يرقى بوعينا.
 
 
■ بعد وصول التيار الإسلامى السلطة، هل هناك وصاية على الإبداع؟
 
- الإبداع من خلال التيار الإسلامى يجب أن يكون موجها من أجل رسالة قيمية وأخلاقية هدفها زرع الفضيلة، وترسيخ القيم الإنسانية، والإبداع من خلال هذا التيار يجب أن يبتعد عن المقدسات ولا يقترب منها، ويجب أن يتجنب مشاهد العرى و«التفسخ الأخلاقي»، على الأقل هذا ما تستشفه من خلال تصريحات بعضهم من النهضة أو من التيار السلفى على شاشات التليفزيونات التونسية من حين إلى آخر. والإبداع من خلال التيار الاسلامى قد يتعرض إلى المحاكمة إذا اقترب من الطابو الدينى بشكل خاص، وقد وقع التحقيق مع فنانة تشكيلية بدعوى تدنيس المقدس، فالنظر الى المقدس والمندس يتم من خلال زاوية دينية، لهذا وقع الاعتداء على بعض المبدعين من طرف السلفيين ، التيار الإسلامى يسعى لأن يكون وصيا على الإبداع والتيار العلمانى يسعى أن يعبر بدون حدود أو قيود..
 
■ هل الرواية عندك جذر من الواقع ينمو فى الخيال؟
 
- حين أفكر فى تفاصيل القصص، تنبرى الشخصيات القصصية كأطياف تخدع الرؤية وتستحيل إلى ظلال متحركة، ينهكنى التفكير فى الشخصيات وكأنها تدق على أنفاس القلم، فتتراءى صور من الذاكرة وأخرى من الواقع عن شخصيات عرفت المآسي، أرى فى هذه الشخصيات القصصية ملامح النفس البشرية.
 
كل ما أعرفه عن شخصيات الرواية ينتهى مع كل سطر أكتبه، فأنا لا أعرفها تماما، بل صادفتها، وحاولت معرفة أسرار حياتها كاملة، ولم يكن من الصعب على معرفة الكثير عنها، فهى شخصيات على وشك إطلاق صرخاتها ليسمعها الآخرون، كأنها كانت تنتظر من يصغى إليها، ولكنها لا تكشف لك عن نفسها كاملة، فهى لم تتعود على لحظات المكاشفة مع ذاتها، ولكنها تعانى من تأزم لأن عوالمها مهملة.
 
 
ولكن تصور نفسك وأنت تقترب من كل شخصية وتحدثها عن حياتها. ملامح الناس الذين عرفتهم، أحاديثهم، خرافاتهم . ألا تشعر أنها تشد على يدك وتطلب منك أن تساعدها على الخروج من ذلك المكان لتنفذ خارجه.
 
■ قصصك لا تشبه بعضها بعضا ...ما السبيل للهروب من تكرار الذات؟
 
 
- قصصى لا تشبه بعضها بعضا لأن أفكارى متعددة حول الواقع وحول الوجود الإنساني، والأفكار تجر بعضها وتتفرع، وأحاسيسى تجاه الواقع ليست هى نفسها مع مشاهد الجمال أو القسوة، فالذات الكاتبة هى جزء من المجتمع وجزء من العالم، وتتأثر بالأحداث العصيبة، وبكل ما يترك حفرا ونتوءات فى الذات، كما تتأثر بكل مشهد طبيعى يذكرها بلوحة الكون العبقرية، وبكل قطعة فنية تترك صداها وتعانق الزمن الأنطولوجي.
 
فكل شيء متغير من قصة إلى أخرى، المفردات التى تعرى الواقع وتسخر منه، حركة الشخصية القصصية المدروسة، حركة الجسد، الحوار بين الشخصيات والحوار يكشف عل أسلوب صاحبه فى الكلام دون سواه، تعامله مع ظله، الأماكن تختلف سواء كانت حقيقية أو رمزية، وهذا يؤثر على أنماط الشخصيات القصصية، على سرد الأحداث، وبنائها الدرامي. المكان قد يختلف أيضا من حيث درجات الضوء والعتمة، وثمة اختلاف بين الزقاق والأماكن المرتفعة بفضائها المتسع. فالبناء البصرى للقصة وتشكيل لوحات الأمكنة يختلف من قصة إلى أخرى ..كل هذا يجعل القصص تعكس الأشياء والشخصيات وصور الحياة بطرق مختلفة...
 
 
■ من هو الرجل فى قصصك ؟ ومن اى زاوية ينظر للمرأة ؟
- الرجل فى القصة هو افراز لطبيعة المجتمع، وهو الذى يعانى من ازدواجية فى تفكيره وقناعاته، نظرا لما يعيشه المجتمع من انشطار بين ما يحمله اللاشعور الجمعى وبين ما هو مسقط عليه بل ومفروض من طرف السياسيين، فحين يحاول السياسى تكريس قوانين دستورية تحرم المرأة من مكاسبها القانونية المساوية للرجل ويجعلها مكملة له، فهذا يجعلنى أرى الرجل من الجانب الذكورى الحربى الذى يستنفر السلم الاجتماعى ويربكه، ويحاول أن يدخل المجتمع فى صراعات هو فى غنى عنها. فالقوانين لا تسقط على المجتمع وعلى المرأة بشكل خاص، ومجرد محاولة التفكير بالعودة الى عصر الحريم ، والجواري، وزواج المأذون. يجعلنى أتساءل: هل ينظر هذا الرجل للمرأة من جانب المتعة ، وتيسير كل ما يحقق انفراده بالسيطرة عليها على كل المستويات. فمن الطبيعى أن تعكس قصصى الجديدة صورة هذا الرجل الوافد الجديد على الواقع.