السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

مستشفيات الحكومة تحت حماية الغلابة.. ولا عزاء لـ«الداخلية»




رغم إعلان وزارة الداخلية قبل أسبوعين عن تخصيص شرطة لحماية المستشفيات الحكومية والجامعية، بعد تزايد حالات الاعتداء والبلطجة عليها.. إلا أن تلك المستشفيات مازالت تعانى صعوبات شديدة فى توفير الأمن للأطباء وحماية المبانى والمعدات الطبية، مع تكدس المرضى وذويهم خاصة أمام أقسام الطوارئ والاستقبال، ومع استهداف البلطجية لها، إما لترويع الأطباء أو بهدف السرقة.
 

 
كل ذلك دفعنا للوقوف على نظم التأمين الحالية للمستشفيات الحكومية والجامعية، خاصة «أفراد الأمن» التابعين للمستشفيات أو لشركات خاصة صغيرة، وأغلبهم غير مدرب على التصدى لأعمال العنف أو التعامل مع المشاكل اليومية للمرضى..
 
فى السطور التالية نكشف أسباب فشل تأمين المستشفيات أو توفير الحماية للأطباء، حيث يتم الاعتماد على «الغلابة» من أفراد الأمن، لا يحصلون على رواتب مناسبة وينتظرون التثبيت فى وظائفهم منذ سنوات ولا يتم تجهيزهم بالتدريب أو السلاح المناسب.. ويكتفى كل منهم بالوقوف حاملًا عصا صغيرة لا يستطيع حماية نفسه بها، قبل أن يفكر فى حماية مستشفى يتردد عليه الآلاف يوميًا.
 
فى مستشفى المنيرة العام بالقاهرة يتردد ما يزيد على ألفى مريض يوميا، ويخدم المستشفى مليونى نسمة، واستقبل أكثر من 4 آلاف مصاب ثورة، قابلنا «ياسمين اسماعيل» والتى ترغب فى عمل «سونار حمل» ولكنها ترددت على المستشفى عدة مرات لحين الوصول للدور المحدد لها، ومثلها الحاجة «سمية إبراهيم» التى حضرت لإجراء سونار لبيان مدى وجود أورام لديها من عدمه ولكنها لم تجد الخدمة متوافرة بالمستشفى.
 
وكان الحاج «أحمد عبد الفضيل» قد شكا هو الآخر من عدم توافر الخدمة بعد أن كتب له الطبيب على ضرورة إجراء أشعة لتحديد مرضه، والعشرات من المشكلات التى تواجه المرضى وتكون سببا فى اضطرارهم لاستخدام العنف داخل المستشفى وارتفاع الصوت والمشاجرات مع الأطباء والعمال والتمريض.
 

 
قابلنا بعض أفراد الأمن بمستشفى المنيرة والذين أكدوا على أنهم مجبرون على تحمل الاعتداء عليهم بسبب لقمة العيش وأنهم لا يستطيعون الدفاع عن أنفسهم فى حالة الإعتداء عليهم، وان كلا منهم لا يستطيع ترك العمل حتى ولو كان الأجر بسيطًا لا يتعدى الـ500 جنيه شهريا.
 
الحاج رأفت طه «45 سنة - فرد أمن بالمنيرة» يقول: مهنة الأمن مهنة خطرة بعد زيادة الاعتداءات علينا فى الفترة الأخيرة نتيجة أسباب ليس لنا علاقة بها .
 
«كريم سعد» 24 سنة – مؤهل متوسط - يعمل بمستشفى المنيرة، ويقوم بتفتيش الحقائب المشتبه فيها كإجراء تأمينى، وأبدى هو الآخر استياءه من الشغب والعنف الذى يواجهونه ليل نهار من المتعدين عليهم، حتى أنهم لا يمكنهم المطالبة بأية حقوق فى حال الإصابة.
 
الدكتور عبدالوهاب الصياد – مساعد مدير مستشفى المنيرة والمشرف العام على قطاع الأمن المستشفى – أشار إلى أن اختيار شركة الأمن يكون من خلال مناقصة عامة تتم وفقا لقانون المناقصات والمزايدات، على أن يتمتع الأفراد بمهارة الدفاع عن النفس ولياقة بدنية عالية، على أن يوزع الأفراد على الأبواب والاستقبال والطوارئ والعيادات والأقسام الخارجية والخاصة، ومع ذلك توجد نسبة عجز فى أعداد أفراد الأمن بالمستشفى تصل إلى 60%، ويوجد عدد من أفراد الشرطة المدنية والعسكرية بأعداد متغيرة كل يوم من أجل تأمين المستشفى.
 
وقال أن أمن المستشفى غير مدربين ويحوزون صواعق كهربائية ومسدسات صوت وعصا مطاطية تشبة التى تحملها قوات الأمن المركزى، وأن فرد الأمن فى الشركات التى يعمل أفرادها بسلاح لا يقل أجره عن ألفى جنيه، بينما يتقاضى الفرد العادى أقل من 40% من هذا المبلغ، وتدفع المستشفى لشركة الأمن شهريا 20 ألف جنيه من صندوق تحسين الخدمة وذلك ل 34 فرد أمن فقط بالمستشفى، مؤكدا على أن إدارة الأمن بالمستشفى حررت أكثر من 120 محضرا بالتعديات الفترة الأخيرة.
 

 
الدكتور محمد شوقى – مدير مستشفى المنيرة العام – يشير إلى أن العيادات الخارجية والطوارئ تستقبل 3000 مريض يوميا بزيادة 200% عن السابق، وتسبب ذلك فى أن بعض الاجهزة انتهى عمرها الافتراضى نتيجة الضغط الزائد عليها ومنها أجهزة السونار، مشيرا إلى تحويل عدد كبير من الحالات من قبل مستشفى القصر العينى القريب مما تسبب فى زيادة إقبال المرضى، كما أن المقاييس الطبيعية تقول بأن كل 100 سرير بالمستشفى لابد وأن يقابلها 115 ممرضة، ولكن الواقع أن نسبة العجز فى التمريض بالمستشفى تصل إلى 70% حيث يوجد به 140 ممرضة مقابل 312 سريرًا فى كافة الأقسام، والممرضات يتحملن السباب والشتائم وأعمال العنف والبلطجة التى زادت فى الفترة الأخيرة .
 
وأشار إلى وجود قوائم انتظار فى العمليات الجراحية بالمستشفى حتى نوفمبر القادم حيث تجرى 800 عملية جراحية بها شهريا، وتتسبب قوائم الانتظار فى تعدى المرضى وأسرهم ممن يرغبون فى إجراء عمليات جراحية قبل المواعيد المقررة لهم على العاملين بالمستشفى .
 
.. وفى مستشفى «منشية البكرى» بمصر الجديدة رصدنا مآسى أفراد الأمن وتأمين المستشفى.. وكانت البداية مع مشاجرة يحاول أفراد الأمن فضها لعدم التأثير على سير العمل داخل العيادات.
 
وقال عبدالنعيم جعفر - مشرف أمن بالمستشفى - بأن المشكلة عادة ما تنتهى بالتصالح أو بتحرير محضر فى قسم الشرطة.. منتقدا عدم السماح بحيازة أفراد الأمن للأسلحة أو وسائل التأمين والدفاع عن أنفسهم والمستشفى.
 
مشيرًا إلى وجود ورديتين يوميًا بالمستشفى ومهمتهم تأمين الأقسام المتخصصة والعمليات والحروق والعيادات الخارجية والاستقبال وخلافه، إلا أن عدد أفراد الأمن غير كاف بسبب كثرة أحداث العنف والبلطجة التى تتكرر بشكل شبه يومى، حتى أننا فى النهاية نكون ضحايا تلك المشاجرات بعد أن نجد أنفسنا فى قسم الشرطة لنعامل كأننا طرف فى مشاجرة ولسنا موظفين أثناء تأدية وظيفتنا، رغم حيازتنا لما يثبت ذلك.
 
محمد أحمد - فرد أمن بمستشفى منشية البكرى - يشير إلى عدم غلاق المستشفى أثناء الثورة أو بعدها رغم تضاعف أحداث الشغب والاعتداءات وقتها.
 
ويستطرد المشكلة الكبرى التى نواجهها حاليًا بدأت منذ شهر يوليو الماضى، فقد كان من المقرر أن يتم تعييننا بالمستشفى وتغيير العقود للتثبيت بعد أن عملنا بها ما يزيد على 7 سنوات، ثم فوجئنا بالمستشفى يتعاقد مع شركة خاصة للأمن، وأضاف المدير الإدارى بالمستشفى بخط اليد جملة «لحين الانتهاء من المناقصة» على تعاقداتنا المؤقتة لتضعنا أمام خيارين إما أن نعمل مع الشركة الخاصة كأفراد أمن تابعين لها وإما أن نرحل فمعنى أن عقودنا تنتهى بعد استلام شركة أمن للعمل داخل المستشفى.
 
ارتضينا بالأمر الواقع ولكن حررنا محضرًا لنثبت التزوير فى قسم مصر الجديدة.
 
ويوضح أحمد طايع فرد أمن أن الأجور لا تتعدى 270 جنيهًا شهريًا وقد وعدتهم الشركة بأن الراتب سيصل إلى 750 جنيهًا سيقطعون منها ضرائب ويخصمون تأمينات 75 جنيهًا بالرغم من أننا لم نوقع على أية عقود جديدة تضمن حقوقنا مع الشركة، وقد استعانت بأفراد أمن يتبعونها واستغنت عن عدد من العاملين بالمستشفى من 10 سنوات وأبدى استياءه من كثرة الجزاءات الموقعة على الأفراد حيث يخصم 50 جنيهًا من فرد الأمن فى حالة الاشتباك مع مثيرى الشغب أو دخول أحدهم قبل موعد الزيارة، وبالرغم من تحملنا كل ذلك لأنه أكل عيشنا ولا نعرف مكانًا غيره لنعمل به إلا أنهم يهددونا بالاستغناء عنا فى أى وقت لنجد أنفسنا فى الشارع.
 
وعن أصعب المواقف التى مر بها خلال عمله بالمستشفى يشير إلى حادثة وفاة فتاة من المنوفية عمرها 14 عامًا ترددت على المستشفى لمتابعة الحمل ولخطأ طبى قاموا على إثره باستئصال الرحم وحدثت الوفاة، فقام أهلها باستخدام الأسلحة النارية واقتحام المستشفى وخرجنا كرهائن فلا يوجد ما ندافع به عن أنفسنا أو المستشفى.
 
إسلام سعيد السيد - فرد أمن - يحكى أنه على إثر مشادة بين بعض الصيادلة وأحد المرضى اضطر للتدخل ليفض تلك المشاجرة ولكن المريض انفعل وسقط أرضا وتبين أنه توفى وشهد ضدى البعض زورًا بأننى ضربته فتم حبسى 6 أشهر ثم جاء تقرير الطب الشرعى ليثبت أن سبب الوفاة هو المجهود الذى قام به المريض وبعد معاناتى طوال 6 أشهر وإنفاق أسرتى مبلغ 30 ألف جنيه على القضية حصلت على البراءة وعدت إلى وظيفتى بعقد مؤقت.
 
داخل قصر العينى رصدنا حال المستشفيات التى أقيمت على مساحة 55 فدانا يحرسها 247 فرد أمن فقط، بخلاف عدد متغير من أفراد الشرطة المدنية والعسكرية، لتأمين الأرواح والمنشآت والأجهزة وأبنية خارجية هى مستشفيات الباطنة والأطفال اليابانى وأبوالريش للأطفال.
 
أما داخل سور المستشفى فيوجد 12 مبنى منها كلية الطب ومركز السموم ومعهد التمريض، ومستشفى المنيل الجامعى والاستقبال والطوارئ، وداخل كل مبنى مخازن طبية وخزائن ومكاتب ومخازن إدارية وخلافه.
 
أفراد الأمن كانت حالتهم سيئة للغاية، فرغم قلة عددهم إلا أنهم يتحملون العمل الشاق والمتواصل لمدة 8 ساعات يقضونها فى تأمين المستشفى والمترددين والعاملين به من آيه اعتداءات أو شغب أو عنف، هذا بالرغم من أن الكثير منهم غير معينين ويعملون بعقود مؤقته من 5 و 7 سنوات، ولم تستجب لهم إدارة المستشفى فى التعيين، حتى انهم يتلقون علاجهم على نفقتهم الخاصة فى حالة الإصابة أثناء المواجهات مع البلطجية او المخربين أو الأهالى المرافقين للمرضى أو غيرها.
 
وطالب أشرف سيد – فرد أمن – مؤهل متوسط ويعمل بعقد مؤقت من 5 سنوات بضرورة تسليحهم حتى يكونوا على كفاءة للتعامل مع البلطجية، خاصة أن الكثيرين منهم أصيبوا فى اشتباكات مع المتعدين عليهم، وطالبوا أيضا بضرورة وضع عقاب رادع لأعمال البلطجة حتى تقل الاعتداءات على المستشفيات.
 
أيمن صلاح – فرد أمن – مؤهل متوسط – يشير إلى المخاطر التى تواجه العاملين بقطاع الأمن بالمستشفى بسبب كثرة الاعتداءات عليهم، وقد تعدى عليه أحد المرافقين للمرضى بالضرب بزجاجة أحدثت عاهة مستديمة لديه فى ذراعه .
 
الدكتور هشام أبوعيشة – مدير الاستقبال والطوارئ بالقصر العينى – يقول إن المستشفى يستقبل ألف مريض يوميا فى حوادث الجراحة والطوارئ، لذلك خصصت وزارة الداخلية 30 فرد أمن من قوات مكافحة الشغب وحراسة المنشآت، بخلاف 10 أفراد من الشرطة العسكرية، هذا إضافة إلى 60 فردًا من الأمن الداخلى .
 
واكد على أن العدد غير كاف لاحتواء آية مشاجرات أو أعمال العنف أو التأمين عموما حيث يحتاج الطوارئ والاستقبال الذى يضم قسم 5 الخاص بالحالات الحرجة وقسم 8 الخاص بالحروق والتجميل و3 أقسام للرعايات الحرجة وتأمين الدور 7 للمخ والأعصاب طوارئ وعمليات، ويحتاج ذلك إلى 100 فرد أمن داخلى و 80 من الشرطة المدنية و20 من الشرطة العسكرية، منتقدا منع الجهاز المركزى للتنظيم والادارة تعيين أفراد الأمن الأمر الذى جعل يد إدارة المستشفيات مغلولة – حسب تعبيره – وأنهم لا يستطيعون التعاون مع شركة أمن خاصة بسبب الأعباء المالية التى ستدفع لها فى الوقت الذى يقدم فيه المستشفى الخدمة بالمجان.
 
وأشار إلى وجود نظم اخرى للتأمين بخلاف الأفراد وتتمثل فى كاميرات المراقبة الموجودة التى تغطى المناطق الحساسة مثل كشك العظام وحجرة الاسعافات والغرز والأشعة وبنك الدم، إضافة إلى جهاز إنذار بجوار حجرة الأسعافات، وتتم صيانه الشبكة وأجهزة المراقبة كل يوم، وعمل تطوير وتجديد شامل لها كل 3 شهور .
 
اللواء فتحى هلال – مدير أمن مستشفيات القصر العينى سابقا – يقول أن العيادات الخارجية يتردد عليها ما يزيد على 5 آلاف مريض يوميا.
 
ويتحدث عن طبيعة تدريب أفراد الأمن بالمستشفى: يحصل أفراد الأمن على دورات تدريبية فى كيفية فض المشاجرات والأطفاء والحريق والإخلاء أثناء الكوارث والنكبات، وأمن الأفراد والمنشآت، وقال أنه يتم تدريب أفراد الأمن على انتهاج أسلوب اللين لأن أهل المرضى والمتوفين يكونون مثارين بشكل يدفعهم إلى استخدام العنف الأمر الذى يدفعنا إلى ضرورة التهدئة، كما أنه فى حالة حضور مصابين فى مشاجرة فإن الطبيب الموجود فى الطوارئ أو الاستقبال يعالج الحالة الأخطر أولا، وهنا نجد أن أهل المريض الآخر يثارون خوفا على مصابهم وتنشب أعمال العنف التى تصل إلى البلطجة فى أحيان كثيرة.
 
العميد سمير دحروج – مدير أمن مستشفيات طب القصر العينى – يؤكد على وجود عجز شديد فى أعداد أفراد الأمن بالمستشفيات يصل إلى 50%، وأنه فى حالة الموافقة على التعيينات يتم الإعلان فى الصحف عنها وذلك بمواصفات محددة منها المستوى التعليمى والثقافى والصحى والحالة الجنائية والسن والمواصفات البدنية والجسمانية واللياقة والمظهر العام.
 
ولفت إلى وجود نقطتى شرطة بالمستشفى تتبعان قسمى شرطة السيدة زينب ومصر القديمة وتحرر فيهما المحاضر بالاعتداءات.
 
وعن كيفية تأمين الأبنية والمستشفيات قال «دحروج» إن الاماكن التى تحتاج لتأمين خاص هى جميع أقسام العمليات فى العظام والجراحة والمسالك والخزائن والمخازن الطبية والبوابات الداخلية والجراجات وأمام الأقسام الموجود بها المرضى والأجهزة الطبية والعيادات الخارجية والاستقبال والطوارئ، حيث يتم زيادة اعداد أفراد الأمن بحيث لا تقل عن فردين وقد تزيد إلى 10 أفراد فى الوردية الواحدة حسب طبيعة كل موقع.