السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

تاج الدين عبد الحق: مشاريع التنوير العربية فردية والعلمانية مفتاح التقدم

تاج الدين عبد الحق: مشاريع التنوير العربية فردية والعلمانية مفتاح التقدم
تاج الدين عبد الحق: مشاريع التنوير العربية فردية والعلمانية مفتاح التقدم




حوار - خالد بيومى

تاج الدين عبد الحق كاتب ومفكر وإعلامى أردنى مقيم بالإمارات، ذو فكر مستنير يتبنى قيم التسامح وفقه الاختلاف ويرى أن العلمانية هى طوق النجاة لمشكلات العالم العربى ؛ لأنها توفر حرية الإبداع من أى تسلط كهنوتى  ولا تتعرض للنسيج المجتمعى، وتقضى على الشائعات والخرافات التى تبثها القيم المعادية للعقلانية وقيم العلم والتقدم، وقد طبقتها أوروبا وإسرائيل، من خلال الفصل بين السياسة والدين وتدشين الدولة المدنية.ويرى أن الربيع العربى كان وصفة لتمزيق العالم العربى وتحويله إلى ساحة لتصفية صراعات القوى الكبرى، ولن نتعافى من نتائجها فى المستقبل القريب . وقد صدر له مؤخراً كتاب « الأعلام والإعلام « بالقاهرة. عن كتبه وأفكاره كان حوارنا معه.
■ صدر لكم حديثاً كتاب «الأعلام والإعلام» ما أبرز القضايا التى يناقشها الكتاب ومدى ارتباطها بالواقع العربى؟
ــ هناك دافعان وراء تأليف الكتاب، الأول: تسجيل لأبرز المحطات فى مسيرتى المهنية من ناحية، والثانى استجابة لدافع شخصى سجلته فى مقدمة الكتاب. والكتاب يضم مجموعة منتقاة من المقالات التى كتبتها على مدارأربعة عقود، وهى منوعة فى موضوعاتها، حيث يزخر القسم الأول بمجموعة من الشهادات عن عدد من الشخصيات السياسية والإعلامية ممن ربطتنى بهم علاقات شخصية أو مهنية. فى حين تضم الأقسام الأخرى موضوعات تسجيلية عن أماكن زرتها وكان لها تأثير خاص علي. ومثلت تجربة زيارتها إضافة جديدة من حيث المعلومات ومن حيث الانطباعات التى وردت فى بعض المقالات شيئاً من ماض قد يفيد الأجيال الجديدة التى تود التعرف على طبيعة الحياة فى بعض مناطق العالم قبل عقود. وبالطبع فإن الموضوعات تسجل فى بعضها تاريخاً لم يعد له وجود ؛فقد تبدلت الجغرافيا السياسية والاجتماعية كثيراً. كذلك يضم الكتاب بعض المقالات المتصلة بالمهنة الإعلامية وما مر عليها من تجارب ومدارس مع التركيز على منطقة الخليج حيث أعيش وأعمل .وأنا أعتقد أننا نحتاج إلى تسليط الضوء على الإعلام فى ضوء الدور الذى يلعبه فى حياتنا اليومية بعد أن أصبح يتسلل ويسيطر على عقولنا بأشكال وطرق متعددة.
■ البعض يفسر استمرار الأزمات فى عالمنا العربى بغياب النزاهة والحيادية الإعلامية فى معالجة القضايا المختلفة.. ما رأيكم؟
ــ النزاهة والحياد أمر نسبي.ما نعتبره نزيها ومحايداً يعتبره الآخر منحازاً ومغرضاً. أنا أعتقد أن المشكلة التى يواجهها الإعلام هى غياب المعلومات وصعوبة الحصول عليها والكشف عنها المعلومة الموثوقة هى التى تجعل الإعلام محايداً. ومن الرأى رأياً نزيهاً .وأتفق معك أن الأزمات فى عالمنا العربى سببها ضعف الشفافية .وقلة المعلومات التى تصنع إعلاماً مسئولا. قادراُ على الإقناع والامتاع فى نفس الوقت .
■ كيف يمكن إعادة ثقة الجماهير فى الإعلام العربى؟
ــ السؤال يفترض أن هذه الثقة كانت موجودة .وأنها غابت فى الآونة الأخيرة. وأنا أعتقد أن الأمر غير ذلك. الإعلام فى الماضى القريب لم يكن مؤثراُ ولم تكن له هذه السطوة. وحتى فى المراحل التاريخية التى ارتفع فيها الصوت الإعلامى كحقبة الخمسينيات والستينيات فى القرن الماضى فإن ذلك الصوت كان أقرب للقعقة التى لا تنتج طحناً. والدليل أن الخطاب الإعلامى فشل فشلاً ذريعاً فى أول اختبار له فى العام 1967م. حين اكتشفنا أن كل ما كنا نتحدث به كان أقرب للهذيان. وخاوٍ من أى مضمون .الثقة مرة أخرى تستعاد إذا توافرت المعلومة الصحيحة وبدونها يظل الإعلام سفسطة وضجيجاً لا يقدم ولا يؤخر .
■ كيف تفسر إعتناق العديد من الشباب العربى لأيديولوجية داعش واعتبار هذا التنظيم هو المعادل السياسى والأيديولوجى للتنظيمات الشيعية فى المنطقة؟
ــ تنظيم داعش هو جزء من مشكلة الخطاب الدينى فى عالمنا الإسلامي. وهو الخطاب الذى يقدس التفسير الضيق الذى لا يتفق مع رحابة الدين وقدرته على استيعاب متغيرات الزمان والمكان. الذين أنشئوا تنظيمات وتجمعات سياسية قائمة على الدين هم من جنس الحركات السياسية التى مرت فى تاريخنا السياسي. والتى كانت لها أجندات سياسية محكومة بزمانها ومكانها. وما تلاها من تنظيمات كانت نوعاً من الامتداد المشوه لتلك الحركات والاستنساخ السيء لما كان يصدر عنها من أدبيات.
الأمر الثانى أن هناك من الأنظمة السياسية من استقوى بهذه التنظيمات طمعاً فى شرعية ومحاولة لاكتساب شعبية قائمة على ابتزاز العاطفة الدينية. وهذا الأمر لم يقتصر على طائفة معينة. ولا على حقبة زمنية محددة. فكما استقوت الحركات الشيعية بالدين والتفسير الشيعى له. استقوت القوى الدينية السنية بالخطاب الدينى وجعلته مبرراً لتعصبها وتطرفها.
والعلاج لكل ذلك هو رفع الدين من دائرة السجال السياسى وعدم الاستقواء به لتحقيق أهداف سياسية، تماماً كما فعلت أوروبا قبل عدة قرون وانتهجت مبدأ علمانية الدولة وجعلت الدين لله والوطن للجميع .
■ هل ظهور تنظيم داعش مؤشر على فشل مشاريع التنوير العربية؟
ـــ أعتقد أننا نظلم أنفسنا عندما نستخدم مصطلح مشاريع التنوير العربية ؛ فكل الجهد التنويرى هو جهد فردى باستثناء ما بذل على صعيد التعليم ومحو الأمية. وهو جهد أخذ طابعاً رسمياً ولم يؤسس لحالة ثقافية معاصرة، فظل التنوير موزع بين الخطاب الدينى المتمرس حول الموروث الدينى القائم على الاتباع لا الإبداع وبين تقليد مظهرى باهت للحداثة.
■ هل هناك علاقة وثيقة بين الفقر والإرهاب؟
ــ السؤال الصحيح هو: هل هناك علاقة بين الظلم والإرهاب، فالفقر بحد ذاته لا يشكل سبباً للإرهاب. إلا إذا كان ناتجا عن الظلم وانتهاك الحقوق الأساسية للبشر. وبالتالى فإن مقاومة الاحتلال ولو بالسلاح ليست إرهاباً. وكذلك الفقر يمكن أن يكون أرضاً خصبة لحركات التطرف والعنف. إذا كان الميزان الاجتماعى والسياسى والاقتصادى مختلاً .
■ كيف يمكن حل إشكالية تسييس الدين وتديين السياسة؟
ــ بالفصل بين السايسة والدين وإعلان مدنية الدولة وهذه ليست وصفة جديدة بل وصفة مجربة ومعروفة،  فأوروبا وعدد كبير من دول العالم تنتهج مبدأ العلمانية الذى جنبها كثير من الخلافات الطائفية والعرقية. ووضعها على سكة التنمية المستدامة والازدهار المستمر، بل إن دولة الكيان الصهيونى التى أقامت دولتها على أساس الأسطورة الدينية لا تطبق الدين اليهودى كمرجعية لها فى الشؤون الداخلية وتنتهج فى إدارة الدولة نهجاً علمانياً .وهو من بين الأسباب التى ساعدت على تطورها واستيعاب مكونات عرقية متباينة فى كيان واحد.
■  كيف تفسر إفلات الأردن من رياح الربيع العربى؟
ــ الأردن أفلت من رياح الربيع العربى بالمعنى الذى جرى فى سوريا وليبيا وغيرها من الدول العربية، لكنه ما زال أمام استحقاق من الدور المحورى الذى لعبه منذ استقلاله حتى الآن .وهو دور مهم إقليمياً ودولياً خاصة فى ظل حالة الاضطراب السياسى والاجتماعى التى عاشتها المنطقة.
■ لماذا تحول الربيع العربى إلى خريف؟
ـــ أعتقد أنه تحول إلى أسوأ من ذلك.. فقد كان وصفة تمزيق جديدة للعالم العربى، وسيكون من الصعب أن نبرأ من نتائجها فى المستقبل القريب .نحن فى بؤرة الصراعات فى العالم لكننا لا نتخذ الاحتياطات الكافية ونضطر لأن نكون الميدان الذى يصفى فيه الآخرون حساباتهم.