الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

عايشها محرر «روزاليوسف» بالصور يوم فى حياة «عامل نظافة»

عايشها محرر «روزاليوسف»  بالصور يوم فى حياة «عامل نظافة»
عايشها محرر «روزاليوسف» بالصور يوم فى حياة «عامل نظافة»




تحقيق _ محمود ضاحى
يعانون من حرب مع الحياة.. يجوبون الشوارع ليل نهار.. يرفعون أكف أذرعهم محملة بقمامة أقرانهم من البشر.. يسيرون بين الطرقات لجمع أوراق متناثرة.. يتعرضون لأبشع الأمراض وأسوأ المعاملات .. هم «عمال النظافة».. يعيشون حياة لا تليق.. ورغم أن الدستور ينص على المساواة بين المواطنين، إلا أنهم يرون أنهم أقل حظا، حيث يتقاضون  أقل الأجور ناهيك عن المعاملة المهينة والحياة الذليلة لبعضهم، والتعرض لأخبث الأمراض.
عاشت «روزاليوسف» فى ثوب عامل النظافة، بداية بالسير على الأقدام عندما قابلنا عم «كمال القاضى» الذى ينظف شوارع حى الدقى، وسرد لنا ويلات من صراخ الفقر والحاجة والأنين، وروى مآسى حالات أقران مهنته الذين نهش المرض أجسادهم بسبب جمع القمامة.
طلبنا منه ثوب عامل نظافة و«مكنسة»، لتنظيف الشوارع معه ولمعايشة تجربته ونقلها على صفحات الجريدة، حتى نعيش واقعهم ونعرضه كما يجب أن يكون، وبدأنا العمل بتنظيف الشارع  أمام مسجد أنس بن الفرات فى الدقى، وجمعنا القمامة من أمام المسجد، ثم ما تبقى من أوراق بين السيارات التى تصطف حوله، ونقلناها لمكانها المخصص حتى تأتى السيارة المخصصة لجمع هذه القمامة.
وبعد ساعات تملك منا التعب، لم يكن أمامنا سوى دخول المسجد للصلاة وشرب جرعة ماء تعوّض عرق هذا العمل الشاق، وقبيل ذلك بلحظات وجدنا المؤذن يغلق أبواب المسجد، طلبنا منه الانتظار لبضع دقائق فقط للصلاة وشرب المياه، ولكن رده كان غير متوقع وهو «أنا مش بواب .. الصلاة هنا خلصت»، ثم أغلق باب المسجد بعنف، ورحل.
عدت إلى موقعى مرة أخرى، حيث ما زلت أعيش فى ثوب عامل نظافة، وركزت فى عملى فوجدت كميات كبيرة من القمامة توجد على طول شارع التحرير بالدقى حتى كوبرى النيل ومطلوب تنظيفها، نظفت مساحات كبيرة منها، ثم حملت «المكنسة والشوال» لإخلاء ما جمعته من قمامة من الشارع، واصطحبت شوالى وجمعت القمامة بيدى بدون أدوات موجودة لجمعها، نظرت بيأس وما كان الأمر إلا قراراً بخلع هذه العباءة من على جسدي.
فى عباءته  يعيش عامل النظافة فى مصر حياة شاقة، ومعاملة غير مقبولة، وروائح كريهة  تفج من القمامة فى وجهه، ونظرات استعلاء من البشر، عدت إلى قميصى وقلمى لأسمع لعمال نظافة مصر ومآسيهم.
بداية قال كمال القاضى – 50 عامًا من الحوامدية جيزة وأحد عمال نظافة حى الدقى - إن راتبه 350 جنيهًا فى الشهر حيث يعمل بموجب مكافأة وليس تعيينًا، مضيفا أن عمله فى جمع القمامة أثر على قدميه، وعينيه، بسبب الروائح الكريهة التى تنبعث من القمامة، مشيراً إلى أنه يعمل يوميا 7 ساعات، وطالب بتعيينه حيث قضى سنوات طويلة فى هذه المهنة، مضيفاً: «الشوارع مليئة بالقمامة، وأنا تور فى ساقية ليل نهار»، وكل تركيزنا على الشوارع الرئيسية والخارجية أما الشوارع الداخلية فهى مكدسة بالقمامة، ونوه إلى أنه لا يحصل على أى إجازات، وأنه مكلف بتنظيف شارع التحرير كله يوميا وعدم التهاون، موضحا أن الكثير من عمال النظافة يبدأون «زبالين ثم يتحولون لشحاتين يجلسون على النواصي، ويحملون زبالة أشخاص معينين، وينظفون سياراتهم ويحصلون على إكراميات مقابل ذلك»، مشيراً إلى أن فى حى الدقى المفترض 20 عاملاً وهو عدد قليل جداً لكن من يحضر 13 فقط.
والتقط سعيد إبراهيم - عامل نظافة - الحديث قائلاً «أجمع القمامة من المنازل وأتقاضى جنيهين عن كل شقة وهذا مبلغ غير مجزٍ تماماً، لذا أقوم الآن بجمع الكراتين الفارغة لبيعها وبالرغم من ذلك فتلك المبالغ لا تكفى قوت يومى أنا وأولادى.
ويضيف «نحن فئة مهمشة بسبب تجاهل المسئولين لنا فى الخدمات الصحية والتأمينات التى حرمنا منها، فإذا مرضنا لا نجد خدمة صحية، وأعمل فى تلك المهنة منذ 23 سنة ولدى 5 أولاد وأعانى من ضعف المرتب، بخلاف المعاملة السيئة وخصم مقابل غياب اليوم مضاعف، ولا توجد أى مراعاة لحالة العامل وظروفه الصحية، فبدلاً من تقديرنا لا نجد مرتبات مجزية توازى نصف مرتبات الموظفين الذين يعملون على مكاتبهم.
وقال على عصام - 50 عامًا عامل نظافة - عملى عبارة عن «همَ»، لكننى لم أعد قادرًا على إنهاء الطريق الذى بدأته منذ 25 سنة، فالأمراض تحاصرني، ولا نتيجة للعلاج، وما باليد حيلة، ولو تركت العمل لن أجد طعاما أنا وأولادى ولن أستطيع تعليمهم، ولا هعرف أعلمهم زى الناس..وصحيا يقول الدكتور هانى الناظر - أستاذ الأمراض الجلدية ورئيس المركز القومى للبحوث سابقا - إن عامل النظافة يصاب بالجروح نتيجة احتواء القمامة على قطع زجاجية أو معدنية أو أى أدوات حادة، وقد يصاب بأمراض وفيروسات «السبط» وبالفطريات الجلدية بين أصابع اليدين، مشيراً إلى أن أى مواد كيماوية فى القمامة تؤدى لحساسية فى الجسم مثل التهابات العين وحرقان فى الجلد.
أما الدكتور إبراهيم الدسوقى - مدير مستشفى الحسين الجامعى - فقال إن الالتهاب الكبدى الوبائى ينتشر بين العاملين فى النظافة، وأن نسبة المصابين به 40% إضافة إلى الالتهابات الرئوية والنزلات المعوية.
وقال شحاتة المقدس - نقيب الزبالين - إن الشركات الأجنبية لجمع القمامة كابوس يقع على عاتق الزبالين فى مصر بعد توقيعهم عقودًا منذ عام 2002 حتى 2017 ويمتلكون رأس المال ولا يمتلكون الأيدى العاملة، وأن عدد عمال النظافة فى القاهرة الكبرى بلغ مليون عامل، و3 ملايين عامل على مستوى الجمهورية، ومن يعملون تحت مظلة الشركات الأجنبية 400 ألف عامل.
وأضاف إن عمال النظافة يمتلكون 2100 سيارة لعملهم بين ربع ونصف نقل، مقابل 10 قروش للوحدة السكنية، ويرفعون 12 طنًا من قمامة القاهرة الكبرى يوميا، بينها 5 آلاف طن مواد عضوية و5 آلاف طن مواد صلبة عبارة عن ورق بلاستيك وألومنيوم يتجمع فى منطقة الزبالين فى منشية ناصر، مؤكدا أن كل طن قمامة يوفر 7 فرص عمل للشباب، مشيراً إلى أن كل عامل نظافة يكون مسئولا عن نقل نظافة مربع سكنى يحتوى على 3 آلاف وحدة سكنية.
الوحدة السكنية نصيبها 3 جنيهات مقابل جمع القمامة والمحل 15 جنيهًا فى الأحياء المتوسطة  تضاف على فواتير الكهرباء، أما فى المناطق الراقية فالوحدة السكنية 25 جنيهًا، منوهاً إلى أن هناك جمعيات أهلية تساند عمال النظافة، وأن القاهرة لم تعان من مشكلة القمامة بالقدر الحالى حتى عام 2002، حيث تعاقدت الحكومة مع شركات نظافة أجنبية لمدة 15 عاما، وتضمن التعاقد شروطا مجحفة عند فسخه، واصفا هذه الشركات بالاحتلال.
ويقول المهندس حافظ سعيد -رئيس الهيئة العامة لنظافة وتجميل القاهرة - إن النظافة سلوك شعب، ويوجد عمال معينون تابعون للهيئة يتقاضون رواتب لا تقل عن 1200 جنيه، وآخرون تابعون للشركات الأجنبية المخصصة لنظافة القاهرة، لاتقل عن 900 جنيه، وأن الكثيرين من عمال النظافة يدعون أن مرتباتهم قليلة لا تكفيهم لكن هذا الأمر غير صحيح، فكلهم معيّنون-  على حد قوله.
وتعمل فى القاهرة شركتان، إيطالية  تعمل فى غرب القاهرة، وإسبانية تعمل بالمنطقة الشرقية بالقاهرة، ووفقا لبنود الاتفاق فإن الشركات الأجنبية تدفع مليون جنيه غرامة فى حال وجود قصور فى العمالة أوالمعدات أو فى تنظيف الشوارع، مشيرا إلى وجود عجز فى أعداد عمالة الهيئة لذلك تمت الاستعانة بعدد زائد خلال الأيام الماضية، ويتم نقل المخلفات إلى مصانع تدوير القمامة ومصانع السماد، حيث يتم تدوير أكثر من 2500 طن مخلفات سنوياً.
ويؤكد أن بالهيئة منظومة إدارة متكاملة للمواد الصلبة، لا فرق بينها وبين الشركات الأجنبية، وتبدأعملها بكنس الشوارع، حيث إن مهمة الشركتين تنظيف مساحة 70% من القاهرة فقط، وفقاً لبنود العقد، ويوضح أن عقد شركتي النظافة ينص على استمرار العمل على3 ورديات يوميا، ونظافة الشوارع الرئيسية مرتين يومياً، والتجميع من أمام الوحدات مع التزام الشركات بغسيل الكبارى والأسوار وأعمدة الإنارة وإضافة عمالة ومعدات وعربات شفط مياه، وتم وضع نظام مراقبة صارم  للتأكد من قيام الشركات بالأعمال المنوطة بها يومياً وتوقيع الغرامات والمخالفات عليها فى حالة عدم التزامها بتأدية واجبها، مؤكدا أن أغلب شوارع القاهرة نظيفة.