الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

الجحيم هو الآخرون

الجحيم هو الآخرون
الجحيم هو الآخرون




عاطف بشاى  يكتب:

«إن الجحيم هو الآخرون»
تذكرت تلك العبارة التى كتبها الفيلسوف الفرنسى الشهير «جان بول سارتر» فى كتابه الضخم «الوجود والعدم» تعبيراً عن سوء التفاهم بالمعنى الوجودى بين البشر، وعبث الحياة ولا جدوى الوجود القائم على العزلة والإحساس الطاغى بالغربة الإنسانية وعدم القدرة على التواصل الإنسانى القائم على الحرية والعدل.
تذكرت تلك العبارة، وأنا أتنفس مع الناس الصعداء بعد أن منى حزب النور السلفى بهزيمة ساحقة فى الانتخابات البرلمانية الحالية، حيث أسفرت المنافسة فى المرحلة الأولى عن خسارته لكل مقاعد القوائم، بعد أن كان يسيطر على ما يقرب من ربع تعداد مجلس الشعب السابق المنتخب فى عام (2011) بنسبة (22%) مما أدى إلى تفكير القيادات السلفية فى الانسحاب من المرحلة الثانية لحفظ ماء الوجه أمام شباب الدعوة الذين أصيبوا بخيبة أمل بالغة لضياع أحلامهم فى الوصول إلى الحكم من خلال السيطرة على البرلمان.
وقد جاء الإحساس بالراحة والسرور خوفاً من فوزهم الكاسح كما أعلنوا وروجوا وانبرت بعض الأقلام فى تسرع واندفاع فى التصور أن هناك تواطؤًا سياسيًا بين الحكومة وحزب «النور» ودعمه وإفساح المجال أمامه للسيطرة على المجلس بأغلبية واضحة مما أصاب الكثيرين بالإحباط البالغ خاصة أن ظلال ما ارتكبته جماعة الإخوان الإرهابية من جرائم بشعة فى حق هذا الوطن أثناء حكمها الفاشى مازالت ماثلة فى الذاكرة، فكادت أن تطمس هويتنا، وتهدم حضارتنا وتدمر مستقبلنا، وكان من المؤلم أن نستبدل الطغاة الفاسدين بأصوليين متخلفين يعودون بنا إلى عصور التصحر والوهابية والتراجع الحضارى.
كما كان من المتوقع أن هذا الشعب الأريب الذى يعرف جيداً متى يصطف ويحتشد ومتى تفتر عزيمته ويتراجع إزاء تأييد كاذبين، مدلسين، مخادعين، متلونين كالسحالى يسعون إلى العمل السياسى بينما هم لا يؤمنون بالديمقراطية أو الدولة المدنية فيلتفون كالأفاعى حول مصالحهم التى لا تتسق ورغبات شعب يتطلع إلى حياة أفضل، ويتوق إلى تنمية حقيقية تنتشله من هوة فقر وتخلف.
فالجحيم إذاً هو الآخرون الذين تخلصنا منهم ، ولكن هل نحن تخلصنا فعلاً منهم؟!، أو بمعنى آخر هل استلسم قادة الدعوة السلفية للهزيمة؟!
الحقيقة أنهم يدافعون عن وجودهم بتبرير أسباب الهزيمة بالتزوير فى الانتخابات ومحاربة الأقباط لهم، ذلك على الرغم من استقطابهم لبعضهم كأعضاء فى الحزب، ثم أنهم ليسوا طلاب سلطة ولا يرغبون فيها كما يتصور الناس، إنما هم أصحاب دعوة ذات منهج  دينى راسخ وعقيدة ثابتة، وبالتالى فخطابهم الدينى هو الأجدى والأهم والأعظم من كل دهاليز السياسة والحكم وكل أطماع الدنيا.
أعتقد أن مقاطعة الانتخابات التى خشى منها البعض على اعتبار أن السلفيين سوف يستغلونها فى الحشد، ومن ثم سوف ينجحون فى الوصول إلى أغلبية المقاعد قد أثبتت عدم صحتها، ولكن على العكس فإن عزوف الناس عن التصويت لم يأت فى مصلحة «الآخرين» وجحيم تواجدهم.
لذلك فإننى أرى أن ما ينبغى أن يشغلنا بعد انتهاء الانتخابات سواء انسحب السلفيون من المرحلة الثانية أم واصلوا «الجهاد» ليس هو حجم تواجدهم فى «البرلمان»، بل حجم تأثيرهم فى الشارع المصرى، ذلك لأن فشل حزب النور الانتخابى لا يعنى اختفاء السلفيين من الوجود، تماماً مثلما أن تنكيل «جمال عبدالناصر» بالإخوان المسلمين وتغيبهم فى المعتقلات وإعدام قادتهم وعلى رأسهم «سيد قطب» لم يؤد إلى انقراضهم من الأرض.
إن القضية فى تصورى ليست قضية ممارسات حزب أو نشاط قيادات مذهبية التوجه، بل تشبع عقول وتأثر أرواح ومشاعر وأفكار وأمزجة مواطنين، ومدى تقبلهم أو ترحيبهم أو معايشتهم لمناخ تسيطر فيه الخرافة، ويرتع فيه الاتجار بالدين، والشعوذة والتخلف الفكرى والثقافى، ويتنامى فيه احتقار العلم وازدراء المرأة وكراهية الآخر وتكفيره، والارتداد الحضارى بجميع أشكاله.
تلك هى القضية.