الأربعاء 8 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

أحمد سمير سعد: الكتابة لحظات من المتعة والأمان الخالص

أحمد سمير سعد: الكتابة لحظات من المتعة والأمان الخالص
أحمد سمير سعد: الكتابة لحظات من المتعة والأمان الخالص




حوار: إسلام أنور

أحمد سمير سعد طبيب وكاتب مصرى  من مواليد 1983 صدر له خلال السنوات الماضية روايتان هما «سِفر الأراجوز» و«تسبيحة دستورية» ومجموعة قصصية بعنوان «الضئيل صاحب الغيمة» وجميعها عن دار أكتب.
تتميز كتابات أحمد سمير بالمزج بين الواقع والخيال والحقيقة والأسطورة، متكئًا على ميراث كبير من الحكايات الشعبية، مستخدماً لغة حية تتراوح بين جزالة السرد وجموح الشعر.
جريدة روزاليوسف التقت أحمد سمير سعد وحاورته عن مجموعته القصصية «الضئيل صاحب الغيمة» وكتاباته الأخرى فإلى نص الحوار.
■ اعتمدت فى بناء المجموعة على «الواقيعة السحرية» برأيك إلى أى مدى مازال لهذه النوعية من الكتابات وهج وحضور خصوصًا فى ظل انقضاء سياقها التاريخى الذى أنتجت فيه فى أمريكا اللاتينية؟
- صحيح أن مصطلح الواقعية السحرية قد ظهر لتصنيف كتابات معينة فى أمريكا اللاتينية لكن الكتابة دوما سابقة للتصنيف والتصنيف ما هو إلا محاولة للفهم، فإن حاولنا تجاوز المصطلح نفسه إلى البحث العام فى محاولات الكتابة التى تمزج الواقعى واليومى والمعيش بالفانتازى والأسطورى والمحلق سنجد أن تراثنا العربى ذاته مملوء بكتابات يمكن تصنيفها كواقعية سحرية أو على الأقل تملك الإرهاصات الأولى لها مثل الكتاب الأجمل والأثرى (ألف ليلة وليلة) وفى زماننا القريب نجيب محفوظ فى الحرافيش.
أما من حيث انقضاء الظرف التاريخى فأنا لا أؤمن بذلك إطلاقا فأى كتابة تبحث عن المشترك الإنساني، لا يمكن بأى حال من الأحوال أن ينقضى ظرفها التاريخى وخاصة أن الواقعية السحرية تحاول كشف غور ذلك الإنسان كما تحاول كل الكتابة ولكن عبر التسلل إلا آليات اللاوعى وإلى المشترك الأسطورى وهى أمور لا تفنى ولا ترتبط بتاريخ معين أو ظرف ما.
■ إلى أى مدى تعطى الواقعة السحرية فضاء كبيرًا لخيال الكاتب وحرية فى الاشتباك مع الموروث الدينى والثقافى للمجتمع ؟
- هذا هو أهم ما يميز الواقعية السحرية أنها تصحب الإنسان إلى تلك المناطق الخفية منه والتى ربما تحدد كل أفعاله الواعية وعادة دون دراية، فعوالم الواقعية السحرية قائمة بالأساس على التخييل والأسطورة وقصص الجدات وهى أمور تشكل كل وعينا المعرفى وإن لم ندر، هى كتابة عن الفضاء الأوسع والأثرى للإنسان بلا حدود أو قيود وهذا ما يجعل الكتابة والقراءة فيها فى غاية المتعة والدهشة والكشف.
■ فى أكثر من قصة يخوض البطل رحلة البحث عن اليقين والطمأنينة وفى النهاية لا يجدهما  كيف ترى هذه الرحلة وهل منحتك الكتابة الطمأنينة واليقين؟
- أعتقد أن الحياة والكتابة هى محاولات للبحث عن اليقين والطمأنينة والكتابة لحظات من الأمان الخالص والمتعة والقدرة على الفعل والتسلل إلى كواليس المسرح والاستعداد فى كل مرة لدفع ثمن ذلك تماما كبطل قصة (النداهة) فى مجموعتى القصصية والذى دفع ثمن محاولات المعرفة بتحوله لشجرة بكماء تحاول أن تبوح بالسر فلا تقدر.
لتوفيق الحكيم قصة بعنوان (أرنى الله) عندما ذاق قلب البطل قدرا من المعرفة والحب الإلهى بعد إلحاح منه توقف فى مكانه وبدا كميت مأخوذًا محدقًا فى السماء، منفصلاً عن تيار العالم.
وبالطبع القصة الأشهر لآدم الذى تذوق من التفاحة (تفاحة المعرفة فى أشهر التأويلات) فبانت له سوءته وحكم عليه بمغادرة الجنة.
أو حتى بروميثيوس فى الأساطير اليونانية والذى حمل نار المعرفة للبشر فعوقب بطائر مفترس يأكل من كبده للأبد..
يقول بروفيسور ساندال وهو واحد من أشهر فلاسفة السياسة والباحثين فى العدالة ومفهومها فى بداية محاضراته أنها رحلة ستخرجون منها (أى طلابه) ليس كما دخلتم ولكن ليس بالضرورة إلى حال أفضل فاحذروا.
وهكذا الكتابة والقراءة والمعرفة بحث عن يقين وثمن كبير مدفوع فليحذر الجميع واعتقادى الشخصى أنه متى عثر الكاتب على يقينه وإجاباته الشافية فلا حاجة به لكتابة الأدب، فالأدب بالأساس تساؤل ورحلة مشتركة للمعرفة بين الكاتب والقارئ.
■ فى قصتك «الضئيل صاحب الغيمة» تظهر رمزية غية الحمام وارتفاعها الذى يمكن صاحبها من رؤية ما لايراه الآخرون إلى أى مدى تجعلنا الكتابة تمتلك هذه الرؤية الكلية والكاشفة للأشياء؟
- أفضل أن أكون ذلك المتسلل الحذر الذى يحاول أن يلقى نظرة من ثقب الباب على كواليس العالم ويحاول أن ينقل رؤيته الممتلئة بالفراغات والشكوك والهواجس لقارئه فتلك صورة أكثر صدقا.
الكتابة والقراءة هى سبيلنا لذلك الثقب لندس فيه أعيننا.
■ هناك اهتمام واضح من العناصر البصرية والحركية مثل الضوء المشاهد السينمائية والقطع والفلاش باك إلى اى مدى تعطيك هذه التقنيات مساحة أكبر لرسم التفاصيل الداخلية لشخصياتك وصراعاتهم الداخلية؟
- التقنية لا تنفصل بأى حال عن فكرة العمل وفى اعتقادى أن حرفية السرد أو الحكى والمحكى عنه هى سبيكة واحدة ليسا حتى بوجهين لذات العملة بل هما ذات الوجه..
والكتابة الجيدة فى اعتقادى هى التى تتعامل مع عوالمها من هذا المنطلق، لا فكرة تسبق تقنيتها أو تتأخر عنها بل هما قالب واحد يتشكلان معا ويخدمان بعضهما البعض.
■ فى قصة «حسنة كبيرة أعلى الفخذ» أشرت إلى أن جزء كبير من الأساطير والمخاوف ينطلق من داخلنا وليس من العالم الخارجي، ما هى أساطيرك ومخاوفك التى تراودك دائماً وكيف تتعامل معها؟
- مخاوفى كثيرة جدا وتتزايد يوما عن يوم فأنا بطبعى إنسان يلتهمه القلق حتى وإن بدوت هادئا من الخارج بنظرات ثابتة.
وأحد هذه المخاوف وأهمها هى الخوف من البوح وربما لهذا أكتب كى أبوح بشكل غير مباشر على ألسنة أبطال عملى ومن خلالهم.
أما تفاصيل كوابيسى ومخاوفى فهى تتسلل رغما عنى أو ربما برغبة كبيرة منى إلى داخل نصوصى وهى متروكة لشجاعة محلل نفسى قد يقرأ ما أكتبه يوما ولكن عليه أن يحذر كذلك.
■ تعتمد على جمل صغيرة وموجزة وتترك مساحة كبيرة من الفراغات داخل نصوصك ليكملها القارئ إلى اى مدى ترى أن القارئ شريك لك فى صناعة النص ؟
- بالطبع القارئ شريك أساسي، كما قلت الكاتب يحاول أن يدس عينه فى ثقب الباب لينقل ما يرى وفقط أما تحليل تلك الرؤية فمتروك بالكلية للقارئ ومتى مارسه الكاتب فهو يمارسه ساعتها كقارئ كذلك، فالكاتب ليس إلها عارفا وليس نبيا وبالتأكيد ليس الأذكى، ربما يمتلك فقط جرأة التسلل لثقب الباب وحماقة التحدث عن ذلك.