الخميس 26 سبتمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

ارحمونا .. يرحمكم الله

ارحمونا .. يرحمكم الله
ارحمونا .. يرحمكم الله




محمد محيى الدين حسنين يكتب:

لا أحد ينكر دور الإعلاميين والمثقفين فى الإسهام فى حركة التنوير والتثقيف فى المجتمع المصرى وبطبيعة الأشياء فإن هناك حدودا لكل حركة وإلا أدت إلى نتائج عكسية وهذا ما حدث فى مصر خلال السنوات القليلة الماضية والمستمرة حتى الآن.
فقد انقلب التنوير إلى إظلام والتثقيف إلى تجهيل ونجحت الحركة فى أن تجعل الامور تلتبس على كثير منا فنتيجة لتزايد وسائل الاتصال المسموع والمرئى والمقروء وتطور وسائط التواصل الاجتماعى ونظرا لأن تلك الوسائل مفتوحة طوال ساعات الليل والنهار فقد تحولت إلى وحش نهم لا يشبع ويطلب المزيد، وازدادت شهية بعض القائمين على هذه الوسائل لفتح ملفات وإثارة موضوعات والقاء الضوء عليها وإبرازها حتى ولو كانت تافهة وحتى لو كانت تضر بالمجتمع، ومهما كانت تحمل فى طياتها من نتائج سلبية، فالمهم هو تحقيق سبق صحفى أو تليفزيونى أو حتى مكسب مادى، ونحن هنا لا نقصد القنوات التليفزيونية التى تبثها بعض الحركات المتأسلمة، فتلك لا تعد مصدرا لمن يبحث عن معلومة أو يتابع ما يجرى حوله، ولكن ما نقصده هو قنواتنا وصحفنا الخاصة والقومية.
لا شك ان فى كل علم من العلوم موضوعات خلافية وآراء متعددة فى تفسير أو فهم بعض الموضوعات وهو ما يتفرغ من أجله الباحثون وطلاب العلم بالدراسة والتمحيص للوصول إلى نتائج علمية ليأخذها جيل آخر من الباحثين لدراستها واختبارها ليؤكدوا سلامتها أو خطأها، وهكذا يتطور العلم فى حلقات متصلة ويتفق الباحثون على التجمع فى مؤتمرات علمية وحلقات نقاشية للتحاور وعرض النتائج عليها فى إطار علمى، وقد غاب على وسائل الإعلام أن عرض تلك المسائل على ملايين المشاهدين والقراء يؤدى إلى التباس ما كانوا يعتقدون فيه من حقائق، فى الوقت نفسه فهم غير قادرين على مناقشتها أو الوصول إلى رأى فيها، فكلها موضوعات متخصصة.
 ودعونا نتساءل: ما معنى أن يطل علينا أحد الباحثين فى الفقة الإسلامى ليقول لنا أن الأئمة الأربعة جهلة؟ وأن كلامهم وفتاواهم مشكوك فيها؟ ومما يزيد الطين بلة أن يتم مناظرته على الهواء لتعرض على أمثالنا من العوام فى غرف المعيشة!
ما معنى أن تفرد صفحات لمناقشة سن أم المؤمنين، عائشة، حين تزوجها الرسول الكريم؟ هل كانت فى التاسعة أم أكبر من ذلك؟ وهل كان عمر السيدة خديجة أربعين عاما أم أقل حين تزوجها الرسول الكريم؟
ما معنى أن يقدم علماء الأزهر برامج يومية يجيبون فيها على أسئلة المشاهدين الفقهية على الهواء مباشرة وبدون دراسة كافية لكل حالة؟
ما معنى أن تناقش برامج حوارية موضوعا حيويا كمشروع سد النهضة يعرض فيها الرأى والرأى الآخر لمشاهدين يريدون ان يعرفوا حقيقة المشروع ولا يستطيعون تقييم المناقشته لأنهم غير متخصصين؟
 ما معنى أن تخصص برامج حوارية لإلقاء الضوء على بعض الظواهر الشاذة، وعقائد قلة محدودة فى المجتمع كالشيعة والبهائيين بل والشذوذ الجنسى وزنى المحارم؟
ما معنى أن تجلس فناناتنا فى نسخة مصرية تقلد برنامج أمريكى ليناقشوا فيه الافلام الجنسية وفوائد مشاهدتها والتندر بما فيها من شذوذ؟
ما معنى أن يشمر بعض الإعلاميين سواعدهم ويرفعوا معاول الهدم على رموزنا الوطنية وتراثنا الثقافى والسياسى بحجة كتابة التاريخ كما يتصورونه أو حتى وفقا لمراجعهم والتى فى أغلب الأحيان غير مؤكدة؟
إذا كان الهدف هو التنوير، فما هو بتنوير، وإذا كانت هى حرية التعبير فقد ضل وأضل من كان يفهم الحرية على هذا النحو، واذا كانت تلك هى الحرية الأكاديمية فقد أخطأ فى العنوان لأن مكانها قاعات الدراسة ومراكز البحوث، ولا يبقى إلا الرغبة فى تحقيق مشاهدة واسعة أو مبيعات أكبر، ونبشرهم بأن الكثير بدأ ينفض عنهم وخاصة الشباب الذى كاد أن يفقد ايمانه بالكثير من القيم ناهيك عن العائلات التى تخشى على أبنائها وبناتها ويشعرون بالخجل وهم يتابعون كل تلك الترهات.
وإذا كانت تلك هى النهضة الثقافية والفنية فأقل ما يقال انها كبوة وهدم لقوتنا الناعمة وغزو غير مبرر بيد أبناء وطننا لعقول شعب يريد أن ينهض ويستعيد عافيته وليس لنا من قول إلا أن نوجه نداء لكل هؤلاء ارحمونا من تنويركم وثقافتكم وابداعكم يرحمكم الله.