الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

«صالون الشباب» الـ26 يدق ناقوس الخطر

«صالون الشباب» الـ26 يدق ناقوس الخطر
«صالون الشباب» الـ26 يدق ناقوس الخطر




كتبت - سوزى شكري


إذا أردنا التغيير الحقيقى فى الحركة الفنية شكلا ومضمونا سيكون الشباب هم الأكثر مجابهة لتحديات «المعاصرة» فى الفن، ولكى يحدث التغيير ويخوض الشباب مغامرة «التجريب» كان لابد من منحهم مساحة غير محدودة من الحرية الفكرية والتى تمثلت فى تخصيص قطاع الفنون التشكيلية لأهم فعالية يقدمها كل عام تحمل اسمهم وهى «صالون الشباب» والذى أقيم مؤخرا دورته الـ26 بقصر الفنون بالأوبرا.
اتسمت هذه الدورة بالتجديد والتغيير بدأ باختيار المثال خالد زكى قوميسييرا والذى اختار أن تكون هذه الدورة دون «تيمة» أو عنوان محدد باعتبار أن الشباب يرفضون وجود التيمة ويعتبرونها قيدا عليهم، وإنه حتى وإن طرحت تيمة فلن يلتزم بها أحد، وأعلن «زكى» أن هدفه من هذه الدورة أن يعلن الشاب عن خصوصيته الفنية وأن جميع الاتجاهات الفنية مرحب بها.


■ الشباب يطالب بتأخير فى موعد تسليم الأعمال
بعض الشباب المشاركين طلبوا من القوميسيير تمديد فترة التسليم لعدم اكتمال أعمالهم وهذا يؤكد أن المشاركين لم يعدوا لعملهم الفنى مسبقا بل الأرجح والذى يحدث كل عام أنهم ينتظرون معرفة اسم القوميسيير قبل الشروع فى العمل الفنى، على ما يبدو أن الشباب يتبع نظرية «القوميسيير أولا» فى حين أن القوميسيير غير مسئول عن رفض وقبول الأعمال أو عن منح الجوائز، لذا أوصى القوميسيير ولجنه الفرز بأن يتم إعلان اسم القوميسيير بعد نهاية الصالون.
■ عدد المشاركين فى الصالون
تقدم لهذه الدورة 547 فنانا، تقدموا بـ666 عملا عملا فنيا، تم قبول 149 فنانا منهم شاركوا بـ 166عملا فى مجالات (التصوير، الجرافيك، الرسم، النحت، التصوير الضوئي، الخزف، التجهيز فى الفراغ، الكمبيوتر جرافيك، البيرفورمانس، الرسوم المتحركة، الفيديو آرت) وتم رفض 398 فنانا بمعدل 500 عمل! باستثناء البيرومانس، وجدنا أربع] مجالات فنية تشير لوجود أزمة فنية وفكرية وتقنية عند الشباب هى (الرسم - والتصوير- الجرافيك - التجهيز فى الفراغ) ومن هذه الإحصائية وجدنا مؤشرا سلبيا لا يطمئننا على الشباب ولا على مستقبل الحركة الفنية.
■ مجالات فنية تشير لوجود أزمة فنية
مجال التصوير تقدم إليه 226 فنانا بـ280 عملا فنيا تم قبول 49 فنانا منهم و52 عملا فنيا ً فقط! أما مجال الرسم فتقدم إليه 59 فنانا بـ 65 عملا تم قبول 18 فنانا منهم و18عملا فنيا فقط!! وهو مايدعونا للتساؤل: أين الشباب من الرسم والتصوير؟ خاصة أن معظم الفنانين المشاركين ليسو امن خريجى الكليات الفنية المتخصصة بل منهم شباب هواه للفن وتصل نسبتهم إلى أكثر من نصف المشاركين، ونجد أيضا من المشاركين شبابا تخصص فى مجال فنى وابتعد عن تخصصه الأصلى اعتقادا منهم بأن صالون الشباب له طبيعية أخرى، وهذا اعتقاد خاطئ تراكمى نتيجة أداء المسئولين السابقين.
أما مجال التجهيز فى الفراغ هذا المجال الذى اعتادنا أن يخوضه الشباب بتحد وذلك لميولهم إلى التجريب والسير عكس الاتجاهات النمطية لمسايرة الأفكار والتقنيات المعاصرة منذ الدورة الأولى للصالون عام 1989 تقدم عدد 23 فنانا وكانوا مفاجأة الصالون، والدورة الـ22 كانت أعلى دورات الصالون من حيث عدد المشاركين بأعمال التجهيز فى الفراغ حيث تم قبول 36 عملا، أما الدورة السابقة الـ25 للصالون تم قبول 34 فنانا! أما الدورة الحالية فقد جاءت عكس توقعتنا حيث تقدم 57 فنانا قدموا 60 عملا فنيا، تم قبول سبعة فنانين وسبعة أعمال فقط!! أليس هذا مفزعا وغريبا أن يرفض 50 فنانا، هل هذا تراجع فى المستوى الفنى؟
الفنان الدكتور أحمد عبد الكريم رئيس لجنة الفرز والاختيار للدورة الحالية تحدث عن سبب رفض كل هذا العدد من إعمال التجهيز فى الفراغ قائلا: «بعض الشباب لديهم حالة خلط فى المفاهيم والمصطلحات وعدم دراية وعدم وعى بالتوجهات المعاصرة وخصوصا التجهيز فى الفراغ، وسهولة الاطلاع على الأعمال الغربية أثرت عليهم بشكل سلبى، الاطلاع ثقافة مطلوبة ولكن التأثير والتقليد يبعد الشباب عن ترك بصمته وشخصيته على العمل، ورفضنا أعمالا مقلدة ومأخوذة من الانترنت ونعلم مصادرها، هذه الدورة باعتبارها دقت ناقوس خطر ومسؤولية علينا تجاه الشباب فالكثير منهم مشوش فنيا، ويبحث عن هوية فنية، وكتبنا كأعضاء لجنة الفرز والاختيار توصيات لمعالجة كل السلبيات التى رأيناها فى أعمالهم أملا فى أن يؤخذ بها فى الدورات السابقة».
أما فى مجال الجرافيك الذى يمكننا أن نطلق عليه المجال المحير منذ الدورة الأولى للصالون الشباب، فتقدم لدورته الحالية 20 فنانا و34 عملا وتم قبول 11 فنانا و13 عملا، وإذا تتبعنا مجال الجرافيك على مدار دورات الصالون الماضية سنجده فى حالة من الصعود والهبوط يصعب تحديد أسبابها، ففى الدورة الأولى للصالون شارك 22 فنانا و51 عملا فنيا، ثم اختفى مجال الجرافيك من الدورة الرابعة إلى الدورة العاشرة، ثم عاود مجال الجرافيك الظهور تدريجيا، وتألق الجرافيك فى الدورة الـ17 عام 2005 وتعد أعلى نسبة أعمال مشاركة للصالون بمشاركة 39 فنانا قدموا 64 عملا.
مجال الأداء الحركى «البيروفومانس» هو المجال الاستثنائى لما يتطلبه من ثقافة ووعى بكل وسائط التقنية والأفكار الفلسفية والمفاهيمة، وان يكون لدى الفنان رؤية ذاتية للقضايا يجسدها ويشارك فيها، بدء البيروفومانس كمجال فى الصالون مع الدورة الـ14 عام 2002 وكانت مشاركة واحدة فقط، ثم تزايد فى عام 2005 فى الدورة الـ17 حيث شارك 7 فنانين، وظل يترجح ما بين زيادة ونقصان إلى أن وصل فى الدورة السابقة إلى 25 بمشاركة 6 فنانين فقط، أما الدورة الحالية فكان تواجد «البيروفومانس» بمشاركة واحدة فقط.
مجال الكمبيوتر جرافيك الذى بدأ فى صالون فى الدورة الحادية عشرة عام 1999 بمشاركة عشرة فنانين، وزاد الإقبال عليه من الدورة الـ12 إلى الدورة الـ25 وتراجع بدرجة كبيرة فى هذه الدورة حيث تقدم إليها 29 فنانا تم قبول 6 فنانين فقط، وحجبت جائزة الصالون لهذه الدورة.
■ تنسيق وتنظيم الأعمال فى الصالون
قام قوميسيير المعرض الفنان خالد زكى بتنسيق الأعمال مع فريق العمل بقصر الفنون وعرضها بالشكل لائق يؤكد مدى احترامه للعمل الفنى بصرف النظر عن آراء البعض فى قيمة العمل الفنى نفسه، حيث تم ولأول مرة تغيير لون بعض أجزاء من جدران قصر الفنون حتى يخدم رؤية العمل الفنى، كما أغلقت كل الممرات التى كانت سببا فى الإساءة لعروض سابقة، وقام قوميسيير المعرض بتقديم جائزة باسم الفنانة الراحلة «عايدة عبد الكريم» قيمتها 5000 جنيه تقديرا لقيمتها الإنسانية والفنية.
■ لجنة لفرز الأعمال المشاركة وأخرى للتحكيم
تشكلت لجنة الفرز والاختيار برئاسة الدكتور أحمد عبدالكريم، وعضوية كل من الفنانين: السيد قنديل، عمر عبد الظاهر، هانى فيصل، أشرف رسلان، خالد السماحي، الناقد سامى البلشي، ولجنة التحكيم الدكتور أحمد رجب صقر (رئيسا)، وعضوية كل من الفنانين: محمد إسحاق، خالد سرور، هويدا السباعي، فتحى عبدالوهاب، وئام المصري، إسلام عبد الله، بسام الزغبي، والناقدة هبة عزت الهواري، واللجنتان من اختيار الدكتور حمدى أبو المعاطى رئيس قطاع الفنون التشكيلية والذى حرص أن تكون اللجان من أجيال مختلفة وتوجهات فنية مختلفة ولم يلتق هؤلاء الفنانون فى لجان سابقة ولم يسبق أن اشتركوا فى عمل مؤسسى، ومنحهم حرية التصرف دون التدخل فى عملهم.
■ حجب الجائزة الكبرى وأربع جوائز أخرى
خصص قطاع الفنون لهذه الدورة جوائز بقيمة 146 ألف جنيه، وحجبت الجائزة الكبرى للصالون وقيمتها عشرون ألف جنيه، وحجبت أيضا أربع جوائز أخرى قيمة كل منهم عشرة آلاف جنيه فى مجالات (التجهيز فى الفراغ - الفيديو آرت - البيرفورماس - الكمبيوتر جرافيك) وحجب تلك الجوائز اعتراف واضح وصريح من لجنة التحكيم بعدم وجود عمل يستحق الحصول عليها، فى مقابل ذلك الحجب نجد أن أفضل جوائز الصالون هى الجوائز غير المادية جوائز «العرض الخاص» التى منحت لعشرة شباب وتعنى متابعة واهتمام من القائمين على الفعالية بمنتجهم الفنى القادم وأنهم لهم سمة خاصة سوف تتبلور أكثر فى معارضهم الخاص.
وعن الصالون قال الفنان حمدى أبوالمعاطى رئيس قطاع الفنون: «أنا مع عدم وجود تيمة لأن التجربة أثبتت أن التيمة أشبه بموضوع مدرسي، كما أن الشباب لا يلتزم بها وتكون قيدا عليهم، وقد رشحت المثال خالد زكى عن قناعة ولأنه يحترم كل التوجهات الفنية وليس لديه توجه عدائى ضد أى مجال فنى، وأنه سوف يقدم للصالون طرحا جديدا، وبالفعل قدمه بشكل مميز عن دورات سابقة، وإخراج الصالون والتنسيق جاء لمصلحة العمل الفني، وتوظيفه للمكان المناسب للأعمال ينم عن خبرته فى التنسيق، كما أن اللجنة لم تنشغل بالعدد واهتمت بقيمة الأعمال المشاركة، وليس لنا دخل فهذا المستوى الذى قدم هذه الدورة، فهؤلاء أجيال جديدة بالتأكيد قليلة الخبرة والتجربة وما زال أمامهم مشوار من التجريب، والجوائز التى حجبت بما فيها الجائزة الكبرى والجوائز التى منحت من تعود لرأى اللجنة ومعاييرها والتى يجب احترامها».
■ نظرة عامة على الأعمال المشاركة
الانطباع الذى يسود بعد رؤية الصالون أن الأعمال لا جديد فيها مقارنة بدورات أخرى قدمت للوسط الفنى مواهب استمرت وأصبحوا اليوم نجوما وأصحاب بصمة فنية، كنا نتوقع أن حماس وطاقات الشباب يحمل أكثر مما قدم، وهو مايدعونا للتساؤل: أين العمل الفنى الإبداعى المميز وأين العمل الفنى المعاصر الصادم الجريء؟ وحتى نكون منصفين وداعمين للشباب فلن نصدر أحكاما نهائيا على أعمالهم المطروحة، فقط سوف نصفها، الأعمال توحى بوجود طاقات عديدة بالشباب بعضها طاقات سلبية والأخرى طاقات إيجابية، طاقة قلقة فى حجم الوعى الثقافى للمجال الفنى والمنتج الفنى مشوش ولم يحسم بعد وهذا طبيعى ومن سمات مرحلة الشباب، التجريب بكل الاتجاهات، الإنسان المقهور محور الأعمال، والموضوعات اغلبها درامى معتم يشئ بحالة من الإحباط والانخراط فى قضايا بعيدة عن الفن، باستثناء قلة من الشباب العارضين نعرفهم من الدورات السابقة يملكون أسرار أعمالهم ولهم أساليبهم الفنية ومشروعهم.
والبعض يتمتع بطاقة إيجابية فى رفض الرسوخ لتقاليد الفنية الجمالية المتعارف عليها والهروب من المهارات الشكلية، لطرح جماليات الفكر المعتمدة على المضمون مهما كان أسلوب الأداء، ولكن البعض قدم منتجا منتقص الشخصية الفنية الواضحة، ومازالوا فى فترة بحث عن مشروع فنى متكامل، وهذا ليس اتهاما للشباب للمشاركين أو الاستهانة بهم، إنما نحن نريد لهم الأفضل إيمانا منا أنهم يحملون على عاتقهم تحديث وتطوير الحركة الفنية ومستقبل الفن المصرى، فيجب علينا جميعا دعمهم، والوقوف على نقاط الضعف ومعالجتها واستخلاص نقاط القوة والارتقاء به.