الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

مريم الساعدى: الإنسان قصة الوجود الغامضة

مريم الساعدى: الإنسان قصة الوجود الغامضة
مريم الساعدى: الإنسان قصة الوجود الغامضة




حوار- خالد بيومى


مريم الساعدى كاتبة إماراتية متفردة فى كتاباتها، تمتلك موهبة وحساً قصصياً خاصاً بها، صقلت موهبتها بقراءاتها المتعددة والمتنوعة، تستخدم لغة تتسم بالرشاقة، وتجسيد الحدث، مما يسهم فى ترسيخ المصداقية الفنية للأحداث، وتأثير النص فى المتلقى لجودة الأداء اللغوى ورصانته. وهى مشغولة بالإنسان ومصيره وقضية وجوده الغامضة، وهى مسكونة بالرحيل بحثاً عن الجديد والمتفرد. من أعمالها : « مريم والحظ السعيد»، و«أبدو ذكية»، و«نوارس تشى جيفارا». وقد ترجمت قصصها إلى العديد من اللغات الأجنبية شاركت فى العديد من المؤتمرات الثقافية العربية والدولية.. عن كتاباتها وعن حال الثقافة كان حوارنا معها فإلى نصه:

 

■ متى بدأت الكتابة؟ وما العوامل التى أسهمت فى إبراز موهبتك؟
- فى إجابة مباشرة أستطيع القول أنى بدأت الكتابة من أيام المدرسة الإعدادية. كتبت قصصًا أسميتها روايات قرأها المقربون فقط. أقول إننى كتبت طوال الوقت، أجد نفسى كاتبة، أعرف نفسى كذلك، بغض النظر إن كنت أكتب كما أريد وكما يفترض بى أو لا. الكتابة بالنسبة لى هى حالة الحياة ذاتها، أنهض فى الصباح وأتفكر فى الصبح وفى النهار وفى مرور الأيام وأرى الناس وأقول كل شخص كتاب وكل لحظة حكاية وكل يوم رواية. هكذا لم أكتب رواية بعد حقاً، لأننى خاضعة تحت تأثير انطباعى الخاص والوهمى أنى فى كل يوم أكتب رواية بمجرد وجودى فى الحياة ليوم آخر.
■ لماذا اخترت ( نوارس تشى جيفارا) عنواناً لمجموعتك القصصية الثالثة ؟ وما هو مدلول هذه التسمية؟
- هذا عنوان أحد النصوص فى المجموعة. حيث الشخصية تبحث عن وظيفة، فى الواقع هى كانت تبحث عن أفق حياة.  اختيار العنوان للمجموعة كان باقتراح من الناشر، ووافقت عليه، غالباً أوافق على الاقتراحات إن لم تكن مؤذية. تستطيع القول إنى شخص «موافق» لدرجة تثير الاستغراب حتى يُظن بى أنى شخص «رافض».  مدلول التسمية: الحرية ومحاولات التحرر وكسر القيود بكل أنواعها، وأنك تبدو عكس ما تشعر، وتسعى عكس ما تريد، وأنك فى النهاية تذهب ثم يتم تأطيرك فى أُطر أنت لم تخترها، لا علاقة للشيوعية بالمسألة، مجرد استعارة لرمز الرجل «جيفارا» الأكثر رومانسية فى عشق الحرية.
■ كيف ترصدين حركة شخصيات قصصك .. هل يتم ذلك من خلال مشاهداتك اليومية؟ أم من خلال ما تلاحظينه شفاهياً أو ما تسمعينه؟
- هو كل شىء مشاهدات يومية وملاحظات، يحركنى الحدث اليومى، وحين لا يكون هناك حدث كما هو الحال فى أيام كثيرة، فيحركنى اللاحدث اليومى، وكل ما يمكن أن أسمعه وأراه بين الناس وكيف مثلاً مشهد شخص يغير مشيته بعد أن يعطى فقيراً بعض نقود، كيف يصير يتحرك كأنه قد أنجز للتو عملاً سيدخله الجنة، أتأمل مثلاً فى دلالة الخير الذى يفعله الإنسان لكى ينجو بنفسه أكثر منه إنقاذاً فعلياً لآخر، أتأمل فى انعكاس أفعال الناس على نفسياتهم كيف تغيرهم وتحولهم، وكيف بذلك لا يجب أبداً أن نُصنف أحدا أو نحكم على أحد لأن الإنسان يتغير وفق نفسيته، ونفسيته تتغير وفق ظرفه وظرفه يتغير وفق المزاج العام للمجتمع، باستثناء بعض الأشخاص بالطبع المتعالين على الظرف الراهن الراسخين فى صفتهم الأولية الطينية التى خلقوا بها. أتأمل وأكتب القصص، وغالباً أكتب فى رأسى فقط، أقول قد يأتى يوم أكتب كل ذلك على الورق. ولا أجد فى نفسى الرغبة المستعجلة لأن يأتى ذلك اليوم، فكل أحد يكتب وهذا يعطينى انطباعًا أن العالم مزدحم كفاية بالكتّاب فأسترخى على مقعدى الهزّاز أسحب كتابا من المكتبة وأقرأ.
■ مجموعتك القصصية الثانية جاءت بعنوان «أبدو ذكية» ماذا تقولين عن هذه المجموعة؟
- هى على نهج نصوصى أجمعها أتصور أنها تحمل ذات الطابع فى محاولة تفسير الوجود الذاتى للفرد. كلها تدور حول شخصيات تريد أن تكون لذلك تكافح، فى النهاية تكتشف أنها لا تكون شيئًا لأنها ضيعت العمر كفاحاً للكينونة عوضاً عن الكينونة ذاتها، ينسى المرء غالباً أن الحياة هبة إلهية لا حاجة لإذن البشر لاستعمالها، فيهدر عمره حاملاً صك الاعتراف، يجرى به وراء مختلف أصناف البشر بحثاً عن ختم التصديق منهم ليبدأ العيش، فيذهب إلى أبيه، وأمه، وأخيه الأكبر، وأخيه الأصغر، وأخته، وعمه، وعمته، وجده، وجدته، وخاله، وخالته، ومدرسته، ومديرة المدرسة، وسكرتير التحرير فى الجريدة، ومديره فى العمل، وصديقه، وصديق صديقه، وجاره، وجار الجار، والحاكم، والمحكوم، وكتب التاريخ والجغرافيا. حتى يأتى القدر المحتوم، فيغيب عن مدرسة الحياة ولم يحضر بعد.
■ هناك تعدد للأمكنة فى قصصك وهذا يقودنا للحديث عن الأمكنة والفضاءات التى تتحرك فيها قصصك .. ماذا يعنى المكان بالنسبة لك؟
- المكان هو الإنسان المقيم فيه، يتغير الإنسان بتغير المكان، أقصد أن خصائص الناس فى مكان تختلف عن مكان آخر وأتساءل هل الإنسان ما يُضفى المعنى على المكان ويعطيه نكهته الخاصة أم المكان ما يحدد الخريطة النفسية للإنسان ويمنحه خصائصه المميزة؟. والإجابة تحتمل احتمالات مختلفة بالنسبة لكل سياق. المكان بالنسبة لى هو أصدقائي، حيث يتواجدون، والمكان بالنسبة لى فى حالة مزاجية أخرى هو أثر المطر على الحجر والجدران وأسفلت الشوارع، أثر مرور الإنسان والزمان، أثر عبور الحياة من هنا، ودوماً تحوى الأمكنة فى ثغورها القصية رائحة الرحيل. أحب الاستقرار فى فكرة الرحيل، تجعلنى أتحرك، وأن القصة لم تنته وأن هذه ليست المحطة الأخيرة، هناك دوماً أمل يبزغ من الرحيل الدائم عن المكان.
■ ما القضية الرئيسة التى تشغلك؟
- الإنسان. وكيف يتعايش مع فكرة وجوده ويتحايل على حتمية رحيله، كل الحيل النفسية والفكرية التى يخترعها لكى يظن بنفسه الخلود، أين يذهب بعد الآن، وماذا يفعل الآن. الإنسان، كيف جاء إلى كوكب الأرض وكيف عبر ومر وانتهى، أثر أقدامه على سجاد عتيق معلق فى متحف، ذهبت الأقدام وبقى الأثر، التقديس لذلك الأثر، أثر الإنسان مقدس، هكذا أشعر، الإنسان كائن يستحق المحبة، لأنه يسعى ويخاف ويحزن ويفرح ويبكى ويضحك،لأنه قصة الوجود الغامضة.
■ هل أنت راضية عن قصصك ؟ وأيهما أقرب إلى قلبك والأكثر تعبيراً عن نفسك وأفكارك؟
- فى أحيان كثيرة أشعر أنى غير راضية إطلاقاً عن أى شيء كتبته، أشعره مضحك وتافه وساذج، هكذا كلما فكرت فى إعادة طباعة مجموعاتى القصصية الثلاث لأنها غير متوافرة أتراجع وأقول كيف أعيد طباعة هكذا كلام لا يستحق الورق المطبوع عليه. ولكن فى أحيان أخرى، حين أكون فى مزاج مختلف، أجد أنى كتبت كلاماً يستحق أن يُقرأ ولو بعد حين.
■ ترجمت قصصك إلى العديد من اللغات الأجنبية .. كيف تنظرين إلى نصوصك وهى تسافر إلى لغات أخرى؟
-الترجمة جميلة. أقصد فكرة أن تصل لأشخاص يقرءونك بلغات مختلفة. أن تُقرأ من قارئ جاء من ثقافة مختلفة هى تجربة مختلفة فيها ما يدعو للاهتمام. يهتمون بالكلمات ومدلولاتها، يقرءون أحيانا بشكل مجهري؛ الكورى مثلا ناقشنى فى جملة «بقعة زيت» وكان مهتماً بشدة أن يعرف المعنى وإيحاءاته بدقة وتأثيره على الجمل التى تليه فى النص، فى النص الألمانى كانت مفردات «سعادة وحظ» محل نقاش فى مدلولاتها فى الثقافة العربية والغربية، وفى الترجمة الهندية اكتشف احتفاءهم بكل ما هو عربي. تجد الكثير من هذا الآخر يهتم بالقراءة بدقة، يريد أن يفهمه تماماً، هو يقدر الكلمة المكتوبة بشكل مثير للدهشة، هذا يعطينى إحساسًا بالأمل فى الكلمة، وأن الكتابة قد تكون فعلاً أداة كشف فعالة لتشخيص الحالة وبالتالى إحداث تغيير ولو على المستوى النفسى للأفراد.
■ كيف تقرئين تأثير الربيع العربى على المشهد الإبداعى فى السنوات المقبلة؟
- أعتقد ستتجه الكتابة لناحيتين. نحو الإحباط واجترار الخيبات بشكل سوداوى أكثر يعكس معاناة الناس من هذا الربيع الذى ابتدأ رومانسياً وانتهى إرهابيًا، أو سيتعالى الكتّاب على كل الفوضى غير المعقولة ويخرجون خارج السياق فيتحدثون عن الإنسانية فى معناها المطلق الباحث عن الأمل والفرح والحب والحياة. أى إما كتابة موت، أو كتابة حياة للتعالى على الموت.
■ هل توافقين على مصطلح الأدب النسوى والأدب الذكورى ؟ وهل تفكرين فى صورة المرأة النموذج حين تصوغين شخصيات قصصك ؟
- لا تبدو هذه التسميات دقيقة، لكن فى أغلب الأحيان تجد هناك سمات خاصة للأدب المكتوب بأقلام نسائية، وليس فى كل الحالات، عموماً أحب النظر إلى الأدب بشكل إنسانى لا يخضع للتصنيف، نحن فى النهاية نكتب لنعبر عن وجودنا ومعاناتنا الإنسانية نساءً كنا أو رجالاً. نحن كُتّاب وهذا جنس قائم بذاته وغير قابل للتصنيف.