الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

الكاتب إبراهيم المليفى: أكتب «أدب الرحلات» بحثا عن شغف الاكتشاف

الكاتب إبراهيم المليفى: أكتب «أدب الرحلات» بحثا عن شغف الاكتشاف
الكاتب إبراهيم المليفى: أكتب «أدب الرحلات» بحثا عن شغف الاكتشاف




حوار – خالد بيومي


إبراهيم المليفى كاتب كويتى متعدد الاهتمامات، ويعد من أبرز كتاب الرحلات فى عالمنا العربى حيث زار العديد من دول العالم من خلال عمله كصحفى فى مجلة العربى الكويتية وسجل مشاهداته والغرائب والعجائب التى شاهدها فى هذه البلدان واطلع على سر تطور هذه الأمم . وهو مجال شديد الجاذبية ؛ لأنه يوقفنا على ظواهر حيوية حيث يتأمل المجتمع الذى يزوره ويتحسس مشكلاته ويقارن فى الوقت ذاته بين مجتمعات أخرى لا تتفق فى العادات والتقاليد.وهذا الجنس الأدبى لا يهم القارئ المتخصص فقط، ولكنه يخاطب القارئ العام. ولغة المليفى علمية محددة لا تزيد فيها ولا فضول. فى المقابل يتوقع المليفى أن يسير العالم نحو الصدام والحروب لأن موارد الكوكب الأرضى أصبحت محدودة وسيندلع الصراع من أجل السيطرة على مصادر المياه والغذاء وسجل المليفى  مشاهداته فى كتابه (كنا هناك.. صراع مضى وإرث بقى). ويرى المليفى أن دور المثقف النمطى انتهى لأن مواقع التواصل الاجتماعى تقف له بالمرصاد والمستقبل للمثقف العضوى الذى ينخرط فى هموم الجماهير رغم الآثار الجانبية التى يعانيها.المليفى أيضا يعد أحد نقاد الفن التشكيلى المعاصر حيث أصدر الكتاب التذكارى عن الفنان التشكيلى الكويتى الراحل (صفوان الأيوبى) أول شخصية كويتية تدرس الفن التشكيلى فى إيطاليا ووصفه بالريشة العنيدة .كما يعد من أبرز الداعمين لحرية التعبير فى الكويت والعالم العربى فأصدر كتابه (حالة حرية التعبير فى الكويت)، عن كتبه وأفكاره كان حوارنا معه.
■ متى وكيف بدأت رحلتك مع أدب الرحلات؟
- البداية الأولى حصلت أيام الدراسة الجامعية عندما نشر لى فى صحيفة جامعة الكويت «آفاق» عام 1990م تغطية لرحلتى إلى مستشفى العيون السوفييتى وهو عبارة عن سفينة طبية متنقلة رست فى ميناء جبل على فى امارة دبى لتقديم مختلف العمليات العلاجية المتخصصة فى جراحة العيون بالليزر والمشارط.
البداية الثانية وهى التى لا زلت منغمسا انطلقت بعد انتقالى لمجلة العربى الرائدة فى أدب الرحلات المعاصر وكان ذلك عام 1999م، فى أول الأمر نشرت لى مجموعة من الاستطلاعات الصحافية المحلية التى تخص الكويت ثم تطور الأمر مع رحلات الى مدينة صنعاء القديمة وجزيرة بوكيت التايلندية ودبى وأبوظبى لتحدث النقلة النوعية جغرافيا وموضوعيا الى كوبا عام 2003 وآخر ما نشرت هو استطلاع شامل عن جزيرة تايوان فى شهر أغسطس 2015 الماضى .
■ لماذا اخترت هذا الجنس الأدبى للكتابة فيه؟
- شغف الاكتشاف أولا ثم تأتى سلسلة من الأسباب أهمها أن الرحلة المعاصرة فى مجلة العربى تطورت فى اتجاهين الأول هو التركيز على النماذج الآسيوية فى نهضتها الاقتصادية والتأكيد على أن ذلك التطور لا يعنى ذوبان خصوصيتها الثقافية.
الاتجاه الثانى وهو محاولة مد جسور ثقافية مع مناطق جديدة وأخرى كانت محجوبة خلف أسوار أحلاف دولية تمكنت الآن من إبراز نفسها للعالم مثل البوسنة والهرسك أو دول بحر البلطيق، وما سبق لا يعنى أن رسالة رحلات العربى قد انتهت كتعريف العرب بالعرب أو أخذ القارئ فى رحلة لبلاد بعيدة ولكن مفهوم الرحلات تطور ليشمل نقل النماذج المحفزة للعقل العربى كى يفكر بطريقة مختلفة.
■ طفت العديد من بلدان العالم شرقاً وغرباً .. برأيك هل تتجه البشرية للصدام أم للتعايش الإنساني؟
- البشرية تتصادم منذ الأزل ولأسباب شخصية أحيانا وبقايا آخر حرب عالمية لا زالت تحصد الأرواح والأصابع فى بر «العلمين»، الفارق اليوم وغدا هو أن الموارد الأساسية لبقاء البشر كالماء والغذاء تتجه نحو النفاذ والحروب المتوقعة مستقبلا ستكون بسبب الماء ومنطقتنا العربية ليست مستبعدة.
قد يوحى كلامى بالتشاؤم ولكن أليس قسمًا كبيرًا من البشر يعانون من الفقر والأمراض والمجاعات؟ ألا تلاحظ معى تزايد موجات النزعات الانفصالية للهويات الفرعية فى مختلف ارجاء العالم اما نحو تأسيس أوطان جديدة أو تخليق «كانتون» داخل وطن قائم؟ هل يمكن تجاهل الاحتضان الواسع للدعوات العنصرية والاقصائية داخل بيئات غارقة بالتفكير العلمى والرخاء الاقتصادي؟، مثل هذه الأوضاع وأكثر تجعل العالم يعسكر عند تخوم الهاوية.
■ خلال زيارتك للأندلس.. كيف ترى حضور الثقافة العربية الإسلامية فى الفردوس المفقود؟
- لم يعد هناك أندلس غير اقليم باسم (اندلوسيا) يقع جنوب اسبانيا وهى الاسم الحالى لما كان يعرف فى الماضى بلاد الأندلس، الحضور العربى والإسلامى كأثر مادى ولغوى أمر مفروغ منه، فجامع قرطبة وقصر الحمراء فى غرناطة ومئذنة الخيرالدا فى أشبيلية ومئات الشواهد العمرانية لا زالت موجودة بكل ألق وبهاء، أما اللغة الإسبانية فيكفى أن نعرف أن ربع مفرداتها مصدرها عربى مع اختلاف طفيف فى النطق .
يبقى أن نشير الى النظرة الاسبانية المتطورة نحو التصالح مع الحقبة العربية الإسلامية التى مرت عليهم باعتبارها جزءًا من التاريخ الاسبانى وقد نجم عن ذلك دراسات ومراجعات وشواهد مرئية مثل تمثال صقر قريش عبدالرحمن الداخل الذى شيد عام 2005م فى بلدة المنكب الساحلية تخليدا لذكرى نزوله أول مرة فى ذلك المكان.
■ وصفت الفرنسيس بضمور التوهج .. كيف تفسر تراجع الثقافة الفرنسية على مستوى العالم؟
- كتبت عن هذه القضية فى رحلتى لفرنسا عام 2008 وملخصها أن اللغة الفرنسية تتراجع الى داخل حدود وطنها الأم بعد عجزها عن تصدير نفسها مقابل تقدم اللغة الإنجليزية.
■ برأيك .. هل أثرت رحلات الطيران بالسلب على أدب الرحلات؟
- الطيران الحديث دلالة التطور لهذا العصر وهو قد جعل من الرحلة المعاصرة أكثر جمالا، فمثلا لو قررت اليوم الذهاب لنيوزلندا فإمكانى الوصول اليها بعد يومين ولكن لو كنت فى زمن ابن بطوطة او ابن فضلان أو فى القرن التاسع عشر فلربما أصلها ولكنى أشك بالعودة مرة ثانية مالم يقتلنى قطاع الطرق او يفتك بى مرض غامض؟، لقد تطورت مهام الرحالة بتقلص مدة الرحلة وطرق التوثيق بالصورة والكلمة وبقى الجوهر وهو الاكتشاف ونقل المعارف وفتح طريق جديد بين عالمين.
ما نفقده فى الرحلة المعاصرة هو سعة الوقت والمعايشة البطيئة لمن سنذهب اليهم ورحابة المشهد عند الكتابة عن جغرافيا الطريق ووصف أحوال من نمر عليهم ذهابا وإيابا، ولكن تبقى فرص الرحالة القدماء فى تكرار تجربتهم قليلة جدا مقارنة مع الفرص التى تتيحها وسائل المواصلات الحديثة علما بأن المشقة فى الرحلات المعاصرة لا تزال موجودة نظرا لوجود مناطق لا يمكن الوصول اليها لوعورتها أو ارتفاعها... إلخ .
 - لماذا ينظر النقاد إلى أدب الرحلات على أنه أدب من الدرجة الثانية؟
عن نفسى لم أشعر بذلك بل ما أراه هو العكس من زاوية الترحيب بذلك الأدب وتزايد نتاجات من يخوضون فى هذا الأدب المستقل بذاته، ربما كان ذلك النقد موجها لمنتج ما ولكن التقليل من شأن ذلك الأدب بذاته فلم ألمس وجود تيار قوى يتبنى ذلك الرأى .
■ هل كان من الصدف التاريخية أن يتزامن اختراع شبكة الإنترنت مع سقوط سور برلين وانهيار المعسكر الشرقى وتهاوى سيف الرقابة وهل أسهمت هذه العوامل فى ظهور المثقف الكوني؟
- لم يحصل غير المتوقع له وهو أن التطور التكنولوجى فى الإعلامى الرقمى ووسائل التواصل سيدهس تحت (كليكاته) كل عقلية تريد العودة بنا لحقبة الثمانينيات ولن أقول الستينيات والمثقف الكونى لم تصنعه أدوات العصر الحديث ولكنها ساهمت بزيادة (الكونيين) ممن يريدون الاطلاع على الأدب والفن والثقافة العالمية فى شتى المجالات بعكس أيام الرقابة الذى أغلقت فيه السماء والحدود لمنع دخول أى كتاب أو مجلة أجنبية.
■ وصفت الفنان التشكيلى الراحل صفوان الأيوبى بالريشة العنيدة.. لماذا؟
لأنه مارس العناد فى فنه بشكل مذهل، فى البداية عاند فقر البيئة المحيطة به فى مد الفنان التشكيلى بالجمال اللازم لرسمه، ثم ذهب للدراسة على حسابه فى كلية الفنون الجميلة فى إيطاليا كأول طالب كويتى يدرس فى ذلك البلد، وأخيرا عناده الأسطورى لمرضه الذى حرمه من امساك ريشته كما كان يفعل مما اضطره للرسم على مساحة أضيق كانت بمثابة فتح بوابة جديدة للإبداع تمكن من عبورها بنجاح.
■ برأيك.. هل جردت ثورات الربيع العربى المثقف من كاريزميته؟ وهل اختفى دور المثقف النمطى؟
- لم تجرد غير الذين رفعوا الشعارات التى تؤدى لقيام الثورة وعندما وقعت تنصلوا منها لأنها لم تكن على مقاسهم، المثقف العضوى المندمج بهموم وطنه سيحظى بالكاريزما والتقدير حتى لو تعرض للركل فى المناخات الساخنة لأن الاقتراب من الناس البسطاء ومحاولة بث الوعى بينهم له آثار جانبية، أما المثقف النمطى فاليوم (الفيسبوك وتويتر) يقفان له بالمرصاد عند حدث أو احتكاك.