الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

حول التقارب الصينى - التايوانى

حول التقارب الصينى - التايوانى
حول التقارب الصينى - التايوانى




أحمد عبده طرابيك يكتب

جاء لقاء الرئيس الصينى شى جين بينج ونظيره التايوانى ما يينج جيو، يوم 7 نوفمبر 2015 فى سنغافورة ليفتح صفحة جديدة فى العلاقات بين الجانبين منذ انفصال تايوان عن الصين قبل 66 عاما فى أعقاب الحرب الأهلية وقيام جمهورية الصين الشعبية عام 1949، ولجوء القوميين فى حزب كومينتانج «الحزب القومى الصيني» إلى تايوان، وقد أشاع اللقاء جوا من التفاؤل حول امكانية عودة الجزيرة الشاردة إلى الوطن الأم - كما تصر الصين على وصف الوضع القائم حاليا - تحت أى مسمى من الاقتراحات التى طرحت من قبل، وأهمها «وطن واحد ونظامين»، على غرار ما حدث فى هونج كونج، رغم معارضة الشارع التايوانى لتلك الخطوات فى الوقت الراهن، وخاصة من جانب الشباب الذين ولدوا فى ظل الوضع الراهن.
قال الرئيس الصينى بعد اللقاء إن تطوير العلاقات بين جانبى المضيق - مضيق تايوان الذى يفصل جزيرة تايوان عن الصين - خلال أعوام الانفصال الطويلة الماضية يظهر أن ما من قوة تستطيع أن تفصلنا مهما كانت المحن والصعوبات التى واجهها مواطنونا فى الجانبين، ومهما استمر الانفصال زمنا طويلا نظل إخوة ومواطنين والدم نفسه يجرى فى عروقنا، الأمر الذى يعكس الإصرار الصينى على عدم استقلال الجزيرة مهما كانت الظروف.
القمة التى جمعت بين الرئيسين الصينى والتايوانى والتى لم تدم أكثر من ساعة واحدة لم يعلن بعدها عن أى اتفاق بين الطرفين كما كان متوقعا، ولكن كان اللقاء له صفة رمزية كبيرة خصوصا بعد تلك القطيعة الطويلة التى ظل خلالها الجانبان يرفض كل منهما الاعتراف بشرعية الآخر، لدرجة جعلت كل مسئول يرفض إطلاق لقب رئيس على الآخر، بل كان اللقب السائد بينهما هو «السيد».
سادت العلاقات بين الصين وتايوان شيئا من الدفء منذ وصول ما يينج جيو إلى السلطة فى تاييبه عام 2008، حيث يعتبر من أكثر الزعماء فى تايوان تأييدا للتقارب مع بكين، فقد عمل على تخفيف الحواجز بين الجانبين، وذلك عندما تم تدشين أول رحلة جوية يومية بينهما بشكل مباشر فى نفس العام الذى وصل فيه إلى السلطة.
وعندما يأتى الحديث عن الاقتصاد فإن كل شىء يتلاشى أمامه، وكل العقبات تزول من طريقه، فقد سبق لقاء الرئيسين الصينى والتايوانى توقيع اتفاق تجارى تاريخى بين الجانبين فى مدينة شونج كينج الصينية فى 27 أكتوبر 2015، الأمر الذى من شأنه أن يعمل على توسيع حجم التبادل التجارى وترسيخ الروابط الاقتصادية على جانبى المضيق، حيث تنظر الصين إلى ذلك الاتفاق على أنه البوابة للتقارب السياسى بين الجانبين، خاصة أن الاتفاق به الكثير من المزايا التفضيلية التى من شأنها أن تشجع تايوان على المضى فى طريق توطيد العلاقات على جانبى المضيق، فقد نص الاتفاق على رسوم جمركية تفضيلية تقترب من الصفر بالنسبة إلى 539 منتجا تايوانيا من البتروكيماويات إلى قطع غيار السيارات، حيث تمثل تلك المنتجات نحو 16 % من صادرات الجزيرة إلى الصين، التى تعتبر الشريك التجارى الأول لها، والوجهة الأولى لاستثماراتها، وسوف يوفر ذلك الاتفاق 260 ألف فرصة عمل، ويزيد 1.7 نقطة مئوية فى مؤشر نمو الجزيرة، وفى المقابل يخضع 267 منتجا صينيا، يمثلون نحو 10.5 % من الصادرات الصينية لتايوان لمعاملة مماثلة.
الصين التى تسعى بكل قوة إلى الزعامة العالمية، تريد أن تجد حلولا لكل مشاكلها الداخلية والإقليمية، فلا يمكن لها أن تكون قوة عظمى وتتوسط فى القضايا الإقليمية والدولية قبل أن تجد حلولا لمشاكلها أولا، وحتى لا تستنفذ تلك المشاكل قواها، أو تشغلها وتشتت جهودها خلال صراعها مع القوى المنافسة لها على قيادة العالم.
مصر والعالم العربى مدعون إلى الاستفادة من التجربة الصينية بشقيها الاقتصادى والاجتماعي، فلا تنمية اقتصادية دون تصفية للمشكلات التى تعيق التعاون العربى - العربي، وتشتت الجهود وتستنزف الموارد والطاقات العربية المطلوبة وبشدة فى هذا التوقيت الذى تعاد فيه رسم خرائط القوى على المستوى الإقليمى والدولي، ولابد أن يكون للعالم العربى بقيادة الدول الكبرى وفى مقدمتهم مصر مكانة تليق بتاريخها وقدراتها وامكانياتها على تلك الخرائط الجديدة سواء فى منطقة الشرق الأوسط أو على المستوى الدولي.