الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

طه حسين.. قاهر الظلام.. قائد التنوير

طه حسين.. قاهر الظلام.. قائد التنوير
طه حسين.. قاهر الظلام.. قائد التنوير




أعدته للنشر - رانيا هلال

من رحم المعاناة تولد الرؤية ومعها بصيص الأمل كما أن بريق الروح أقوى من بريق الضوء وهكذا هو عميد الأدب العربى طه حسين صاحب الرؤية الثاقبة والروح البراقة فقد كان علما ونبراسا لأجيال أتت من بعده ولن ترى منه سوى حبر على ورق لكنه كان شفيفا ومؤثرا لدرجة جعلت منه رمزا خالدا للمثابرة والإصرار على النجاح والتميز رغم صعوبات الحياة ورغم الظلام الذى كان يلف المجتمع المصرى آنذاك.


ولد طه حسين يوم الجمعة 15 نوفمبر 1889، وهو سابع أولاد أبيه حسين، فى قرية الكيلو قريبة من مغاغة إحدى مدن محافظة المنيا فى الصعيد الأوسط المصرى وما مر على عينى الطفل أربعة من الأعوام حتى أصيبتا بالرمد ما أطفأ النور فيهما إلى الأبد، وكان والده حسين عليّ موظفًا صغيرًا رقيق الحال فى شركة السكر، أدخله أبوه كتَّاب القرية للشيخ محمد جاد الرب، لتعلم العربية والحساب وتلاوة القرآن الكريم وحفظه فى مدة قصيرة أذهلت أستاذه وأترابه ووالده الذى كان يصحبه أحياناً لحضور حلقات الذكر، والاستماع عشاء إلى عنترة بن شداد سيرة عنترة، وأبو زيد الهلالى.
فى سنة 1902 دخل طه الأزهر للدراسة الدينية، والاستزادة من العلوم العربية، فحصل فيه ما تيسر من الثقافة، ونال شهادته التى تخوله التخصص فى الجامعة، لكنه ضاق ذرعاً فيها، فكانت الأعوام الأربعة التى قضاها فيها، وهذا ما ذكره هو نفسه، وكأنها أربعون عاماً وذلك بالنظر إلى رتابة الدراسة، وعقم المنهج، وعدم تطور الأساتذة والشيوخ وطرق وأساليب التدريس.
ولما فتحت الجامعة المصرية أبوابها سنة 1908 كان طه حسين أول المنتسبين إليها، فدرس العلوم العصرية، والحضارة الإسلامية، والتاريخ والجغرافيا، وعدداً من اللغات الشرقية كالحبشية والعبرية والسريانية، و ظل يتردد خلال تلك الحقبة على حضور دروس الأزهر والمشاركة فى ندواته اللغوية والدينية والإسلامية. ودأب على هذا العمل حتى سنة 1914، وهى السنة التى نال فيها شهادة الدكتوراه وموضوع الأطروحة هو: «ذكرى أبى العلاء» ما أثار ضجة فى الأوساط الدينية ، وفى ندوة البرلمان المصرى إذ اتهمه أحد أعضاء البرلمان بالمروق والزندقة والخروج على مبادئ الدين الحنيف.
وفى العام نفسه أى فى عام 1914 أوفدته الجامعة المصرية إلى مونبيليه بفرنسا، لمتابعة التخصص والاستزادة من فروع المعرفة والعلوم العصرية، فدرس فى جامعتها الفرنسية وآدابها، وعلم النفس والتاريخ الحديث، بقى هناك حتى سنة 1915، سنة عودته إلى مصر، فأقام فيها نحو ثلاثة أشهر أثار خلالها معارك وخصومات متعددة، محورها الكبير بين تدريس الأزهر وتدريس الجامعات الغربية ما حدا بالمسئولين إلى اتخاذ قرار بحرمانه من المنحة المعطاة له لتغطية نفقات دراسته فى الخارج، لكن تدخل السلطان حسين كامل وحال دون تطبيق هذا القرار، فعاد إلى فرنسا من جديد لمتابعة التحصيل العلمي، ولكن فى العاصمة باريس فدرس فى جامعتها مختلف الاتجاهات العلمية فى علم الاجتماع والتاريخ اليونانى والرومانى والتاريخ الحديث وأعد خلالها أطروحة الدكتوراه الثانية وعنوانها: (الفلسفة الاجتماعية عند ابن خلدون).
كان ذلك سنة 1918 إضافة إلى إنجازه دبلوم الدراسات العليا فى القانون الروماني، والنجاح فيه بدرجة الامتياز، وفى غضون تلك الأعوام كان قد تزوج من سوزان بريسو الفرنسية السويسرية التى ساعدته على الإطلاع أكثر فأكثر بالفرنسية واللاتينية، فتمكن من الثقافة الغربية إلى حد بعيد.
كان لهذه السيدة عظيم الأثر فى حياته فقامت له بدور القارئ فقرأت عليه الكثير من المراجع، وأمدته بالكتب التى تم كتابتها بطريقة برايل حتى تساعده على القراءة بنفسه، كما كانت الزوجة والصديق الذى دفعه للتقدم دائماً وقد أحبها طه حسين حباً جماً، ومما قاله فيها أنه «منذ أن سمع صوتها لم يعرف قلبه الألم»، وكان لطه حسين اثنان من الأبناء هما: أمينة ومؤنس.
لما عاد إلى مصر سنة 1919 عين طه حسين أستاذا للتاريخ اليونانى والرومانى فى الجامعة المصرية، وكانت جامعة أهلية، فلما ألحقت بالدولة سنة 1925 عينته وزارة المعارف أستاذاً فيها للأدب العربي، فعميداً لكلية الآداب فى الجامعة نفسها، وذلك سنة 1928، لكنه لم يلبث فى العمادة سوى يوم واحد؛ إذ قدم استقالته من هذا المنصب تحت تأثير الضغط المعنوى والأدبى الذى مارسه عليه الوفديون، خصوم الأحرار الدستوريين الذى كان منهم طه حسين.
وفى سنة 1930 أعيد طه حسين إلى عمادة الآداب، لكن، وبسبب منح الجامعة الدكتوراه الفخرية لعدد من الشخصيات السياسية المرموقة مثل عبدالعزيز فهمى، وتوفيق رفعت، وعلى ماهر باشا، ورفض طه حسين لهذا العمل، أصدر وزير المعارف مرسوما يقضى بنقله إلى وزارة المعارف، لكن رفض العميد تسلم منصبه الجديد اضطر الحكومة إلى إحالته إلى التقاعد سنة 1932.
فى عام 1926 ألف طه حسين كتابه المثير للجدل «فى الشعر الجاهلي» وعمل فيه بمبدأ ديكارت وخلص فى استنتاجاته وتحليلاته أن الشعر الجاهلى منحول، وأنه كتب بعد الإسلام ونسب للشعراء الجاهليين. تصدى له العديد من علماء الفلسفة واللغة كما قاضى عدد من علماء الأزهر طه حسين إلا أن المحكمة برأته لعدم ثبوت أن رأيه قصد به الإساءة المتعمدة للدين أو للقرآن، فعدل اسم كتابه إلى «فى الأدب الجاهلى» وحذف منه المقاطع الأربعة التى أخذت عليه.
دعا طه حسين إلى نهضة أدبية، وعمل على الكتابة بأسلوب سهل واضح مع المحافظة على مفردات اللغة وقواعدها، ولقد أثارت آراؤه الكثيرين كما وجهت له العديد من الاتهامات، ولم يبال طه بهذه الثورة ولا بهذه المعارضات القوية التى تعرض لها ولكن استمر فى دعوته للتجديد والتحديث، فقام بتقديم العديد من الآراء التى تميزت بالجرأة الشديدة والصراحة فقد أخذ على المحيطين به ومن الأسلاف من المفكرين والأدباء طرقهم التقليدية فى تدريس الأدب العربي، وضعف مستوى التدريس فى المدارس الحكومية، ومدرسة القضاء وغيرها، كما دعا إلى أهمية توضيح النصوص العربية الأدبية للطلاب، هذا بالإضافة لأهمية إعداد المعلمين الذين يقومون بتدريس اللغة العربية، والأدب ليكونا على قدر كبير من التمكن، والثقافة بالإضافة لاتباع المنهج التجديدى، وعدم التمسك بالشكل التقليدى فى التدريس.
رشحته الحكومة المصرية لنيل جائزة نوبل، وفى سنة 1964 منحته جامعة الجزائر الدكتوراه الفخرية، ومثلها فعلت جامعة بالرمو بصقلية الإيطالية، سنة 1965. وفى السنة نفسها ظفر طه حسين بقلادة النيل، إضافة إلى رئاسة مجمع اللغة العربية، وفى عام 1968 منحته جامعة مدريد شهادة الدكتوراه الفخرية، وفى سنة 1971 رأس مجلس اتحاد المجامع اللغوية فى العالم العربي، ورشح من جديد لنيل جائزة نوبل، وأقامت منظمة اليونسكو الدولية فى أورغواى حفلاً تكريمياً أدبياً قل نظيره، وأيضا كان وزيرا للتربية والتعليم فى مصر.
■ الكاتب فؤاد نصر الدين: صورة طه حسين الناقد
تعرفت على طه حسين حينما كنت طفلاً استمع للراديو القديم الذى ينصت إليه أبى على موجة إذاعة القاهرة ،وكان يعرف الكثير عن طه حسين وتوفيق الحكيم والعقاد... كنت اسمع صوت طه حسين دون أن أعى شيئاً من كلامه، ثم دُرّس لنا فى المدرسة أنواع من كتاباته.. أتذكر سيرته الروائية (الأيام) وكتابه (الشيخان).. اهتممت بطه حسين بعد ذلك فتابعت ماكان يقوله فى الإذاعة أو ما ينشره فى الأهرام ولقاءاته فى التليفزيون خاصة مع ليلى رستم، كنت أحفظ له صوره الخاصة التى تنشر فى الصحف مثل الأهرام والمصور.. أتذكر صوره مع ابنه مؤنس وابنته أمينه وزوجته سوزان، ولا أنسى صورته وهو محمول فوق كرسيه ويهبطون به سلم المجمع اللغوى (سكرتيره وزوجته وآخرين).. كنت مفتوناً بطه حسين وأحتفظ بصوره وكتبه... الأيام / أديب/ دعاء الكروان/ على هامش السيرة... والأجمل رواية القصر المسحور التى كتبها مع توفيق الحكيم... وكتاب من جد الشتاء إلى هزل الصيف.. أتذكر أننى علقت على جدار بيتنا صورة له وكانوا يسألونى: لماذا طه حسين بالذات؟ وحينما حاربه أعداؤه واتهموه بالإلحاد والكفر غضبت وتأثرت ولم يهدأ قلبى إلا حينما رأيت له صورة وهو بملابس الإحرام فى الكعبة المشرقة، وقتها أيقنت أن الأعداء يختلقون الأكاذيب لمحاربة كل شخص ناجح وله تاريخ؛ فيعملون كل جهدهم لتشويه وطمس هويته... لا أنسى من أقواله (التعليم كالماء والهواء حق لكل مواطن) و( لغتنا العربية يسر لا عسر) الجملة التى دأبت إذاعة القاهرة على إذاعتها يومياً بصوته الساحر.
■ الروائى إسماعيل حامد: طه حسين عميد التنوير
كلما قرأت عن عميد الأدب العربى كلما ازداد انجذابى له، فمثله بدء من الظلمة فصنع منها نورا للثقافة والتنوير، فى كتابه الأيام يسرد لنا واقعا مأساويا، عن أحلام كانت منذ باكورتها تسعى نحو التحرر، فى معركته الأدبية الشهيرة مع العقاد كنت أظن اغلب الظن انه كان يواجه عبثا وتجاهلا وتحاملا على شخصه قبل أن يكون على رؤيته او معتقده الادبى، شئنا أم أبينا فلن نبخس الرجل حقه فتلك الشمعة التى أضاءها بمفرده فى بلاد النور ما كانت إلا جذوة لإضاءة شموع الفكر والتحرر والحرية فى بلاد الظلمة والتهميش، حرية الكلمة وحرية الرأى بل حرية الوجود .. السؤال الذى يشغل بالى كثيرا لماذا لم يحص على العميد على نوبل؟!! أشكرك.
■ القاص أحمد سعيد: من حق الناس أن تخطئ
فى ذكرى ميلاد طه حسين، أتذكر من معاركه المتعددة للدفاع عن الرأى، ومحاولات تنوير مجتمع متصلب الرأي، دفاعه عن فتوى الشيخ عبد الحميد بخيت المنشورة بجريدة الإخبار فى رمضان 1955، والتى أباح فيه إفطار رمضان لمن يجد فيه أدنى مشقة، ودعم فتواه بالحجج والبراهين التى يراها كافية لدعم صحة فتواه، فما كان من الأزهر إلا أن أمر بتحويل الشيخ بخيت للتحقيق، وأصدر بيان أكد فيه أن الفتوى تخالف صريح الدين، وظهرت العديد من المقالات التى تنتقد الشيخ بخيت، فكتب عميد الأدب العربى الدكتور طه حسين مدافعاً عن الشيخ بخيت، من منطلق حق الخطأ، وأنه لا يحق محاكمة شيوخ الأزهر على إبداء رأيهم فى بعض القضايا الاجتهادية، وأخذ على الأزهر جموده وثباته على القديم وعدم قدرته على فتح الباب أمام الاجتهاد.
 وأكد على أهمية الإقرار بحرية الرأى، وقال «من حق الناس أن تخطئ، وويل لأمة يعاقب الناس فيها على الخطأ، وويل لأمة لا تعرف الحرية، ولا تقدر ولا تقيم أمرها على القصد والاعتدال، وإنما تقيمه على الغرور».
ورغم تراجع الشيخ بخيت عن فتواه، ليضمن عدم تجريده من العالمية، فأن طه حسين استمر يدافع عن حرية الرأي، وبصدور حكم المجلس التأديبى بفصل الشيخ، تكررت مقالات طه حسين للدفاع عن مبدأ حق الخطأ، حتى قضت محكمة القضاء الإدارى بوقف قرار المجلس التأديبى وشيخ الأزهر.
■ القاص عادل العجيمى: تمنى لقب شيخ فحصل على العميد الشاعر
من هنا بدأت أزمته النفسية مع العمى الذى أدرك فيما بعد -علاوة على أن العمى آفة- أنه أيضا عورة على حد قول أبى العلاء  يظل طه حسين منذ الوهلة اﻷولى يتحسس الخطى نحو مكانة يتمناها لنفسه فهو فى صغره بعد أن حفظ القرآن الكريم يتمنى الحصول على لقب الشيخ شكلا ومضمونا فالعائلة تفتخر باللقب وهو ينتظر تكريما آخر من حيث ارتداء الجبة والقفطان والعمامة ولما لم ينل ما يريد أهمل الحفظ ونسى القرآن الكريم ثم أعاد الكرة مرة أخرى وحفظ القرآن الكريم ثم يأتى الطموح اﻷكبر أن يدرس فى اﻷزهر الشريف راغبا فى المكانة التى وصل لها أخوه اﻷزهرى من حيث اختياره خليفة فى مولد النبى حيث يركب جوادا مزينا بأجمل السروج ويطاف به فى القرية والقرى المجاورة التماسا للبركة فيشعر الصبى بغبطة اﻷب وفخره وبسعادة اﻷم فيتمنى لو حاز هذه المكانة غير أنه لن يحوزها إلا إذا حفظ كتبا بعينها ودرس فى اﻷزهر الشريف هنا تظهر مقولة أبى العلاء مرة أخرى ( اﻷعمى رجل مستطيع بغيره) ، فلن يذهب إلى اﻷزهر إلا بموافقة أخيه وبمباركته . يذهب طه حسين إلى اﻷزهر فيراه من خلال ما قاله أبوه وسمعه فى صباه (إن العلم بحر لا ساحل له) فيأخذ المقولة كما هى ويتمنى لو ألقى بنفسه فى ذلك البحر على وجه الحقيقة لا المجاز فينظر إلى العلم نظرة إكبار وإجلال غير أنه يعانى من البيئة الجديدة المختلفة التى تصيبه باضطراب نفسى ينال منه فيبقى وحيدا فى غرفة قديمة تكثر فيها المخاوف فيشتد الفزع حد البكاء ﻷن أخاه اﻷزهرى يتركه كثيرا فى وحدة مؤلمة إلى أن يأتى ابن الخالة فيبدد ظلمة الكون المحيط به ويرافقه فى رحلته اﻷزهرية فتظهر مرة أخرى مقولة أبى العلاء سالفة الذكر أن اﻷعمى مستطيع بغيره فيتغير به الحال ويرى الكون بعينيه . ثم تأتى رحلته إلى فرنسا وتأتى صاحبة الصوت العذب الفتاة الفرنسية التى صارت زوجا له لتبدد ظلمة الكون من حوله وينتقل من خلالها إلى عالم آخر وتتفتح أمامه منابع العلم ويحصل على درجاته العلمية معترفا بدور الزوجة التى وصفها بالملاك ومؤكدا على ما غرسه أبوالعلاء فى نفسه من أنه مستطيع بغيره.