السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

السلفية الخطر الأكبر على مصر

السلفية الخطر الأكبر على مصر
السلفية الخطر الأكبر على مصر




صالح الوردانى يكتب

منذ أن برزت السلفية فى واقع المسلمين وهى تتربص بمصر وتكيد لها.. ويعود السبب فى هذا الموقف العدائى إلى كون مصر كانت على الدوام عقبة كؤودًا فى طريقها.. كان السلفيون أشبه بالخفاش الذى يعيش فى الظلام.. ومصر كانت المصباح والمنارة للمسلمين فى كل مكان.. من هنا كان الصدام.. ومن هنا كان العداء ولقد قدر للسلفية أن تنتشر فى مصر لأسباب سياسية سوف نستعرضها هنا.. إلا أنها لم يكتب لها الشيوع والانتشار بين المصريين وذلك لكونها تيارًا يتبنى معتقدات تتصادم مع الشخصية المصرية وقيم مصر الثابتة التى تقوم على الاعتدال والتسامح وقبول الآخر.

 وتعد السلفية من التيارات الوافدة على مصر التى لا تتميز بالعمق التأريخى فمن ثم لا جذور لها على أرض الواقع. وقد تفرعت منها تيارات جهادية وتكفيرية وتغيبية لم يقدر لها البقاء والاستمرار.. وهذه التيارات الثلاث هى التى تشكل حالة التطرف والإرهاب القائمة فى محيط مصر وغيرها.
الاختراق
كيف تسللت السلفية إلى مصر؟
تمكن السلفيون من استقطاب أحد رجال الأزهر من الحنابلة وهو الشيخ محمد حامد الفقى وتمكنوا بمساعدته وآخرين من تأسيس جماعة أنصار السنة المحمدية بالقاهرة فى عام 1926م.
وكانت هذه الجماعة هى البذرة السلفية الأولى فى مصر..
ثم تمكن السلفيون بعد ذلك من تجنيد بعض الشوام الفارين لمصر من الترك العثمانيين وعلى رأسهم محب الدين الخطيب ومحمد رشيد رضا لكنهم نبذوه حين أبدى رأيه فى بعض الروايات وعلى رأسها حديث : سحر الرسول «صلى الله عليه وسلم».
وقام محب الدين بتأسيس المطبعة السلفية ومكتبتها والتى صدرت من خلالها لأول مرة فى مصر العديد من كتب ابن تيمية وتلاميذه.
إلا أنه لم تتح للسلفية الفرصة للبروز والانتشار فى مصر طوال العهد الملكى بسبب الانشغال بالانجليز والحالة الثقافية المنتعشة التى كانت تعيشها مصر.. وبالإضافة إلى وجود جماعة الإخوان المسلمين والجمعية الشرعية والطرق الصوفية وهذه التيارات شكلت عقبة كبيرة أمام السلفية.
ومع سقوط الملكية فى مصر جاءت الرياح بما لا تشتهى السفن حيث تم حظر النشاط السلفى ووقف جماعة أنصار السنة ومجلتهم التى حملت اسم الهدى طوال فترة عبدالناصر.. ولما جاء السادات فتح الأبواب على مصاريعها أمام السلفية لتعود للبروز من جديد على الساحة المصرية وبدأت فى التفاعل مع التيارات الإسلامية الطلابية التى كانت فى بداياتها.. وعادت جماعة أنصار السنة لمزاولة نشاطها من جديد كما عادت مجلة الهدى ولكن باسم جديد هو مجلة التوحيد.
وتمكنت فى تلك الفترة من ضم بعض رجال الأزهر مثل الشيخ عبدالرازق عفيفى والشيخ عبدالرحمن الوكيل ثم الأستاذ على عبدالرحيم الذى برز دوره فيما بعد فى فترة السبعينيات حيث تمكن من نقل الأفكار السلفية للجامعة المصرية واستقطاب العديد من الطلاب الذين لعبوا دورًا فى محيط الجماعات.
وحدث انشقاق فى الجماعة لتبرز جماعة سلفية جديد تحمل اسم: دعوة الحق بقيادة الدكتور رزق الطويل تولت إصدار مجلة خاصة بها تحمل اسم الهدى النبوى.
وتمكن السلفيون من استقطاب العديد من دور النشر البارزة فى المحيط الإسلامى وعن طريقها تم إصدار العديد من المنشورات السلفية التى كانت فى أغلبها تهدى ولا تباع وهى منسوبة للجامعة الإسلامية فى المدينة المنورة.
ومن هذه المنشورات:
العقيدة الواسطية لابن تيمية..
الأسماء والصفات للشنقيطى..
وحكم بناء الكنائس والمعابد فى بلاد المسلمين لإسماعيل الأنصارى..
التوحيد الذى هو حق الله على العبيد..
مسائل الجاهلية..
الكلمات النافعة فى المكفرات الواقعة..
وهذه الكتب الثلاثة الأخيرة لمحمد بن عبدالوهاب..
وكان لهذه المنشورات وغيرها دورها البارز فى تشكيل عقول الشباب فى تلك الفترة.. كذلك تم طبع مجموعة فتاوى ابن تيمية «37» مجلدًا تهدى ولا تباع من قبل دور النشر السلفية التى تكاثرت فى مصر مع فترة السبعينيات.
وتمكن السلفيون من اصطياد العديد من العناصر التى شردت من تيار التكفير والإخوان وتوظيفهم لخدمة أفكارهم وتسويقها فى مصر.. وطوال فترة مبارك لعبت السلفية دورًا كبيرًا فى خدمة نظامه.. وبرز دورها بقوة أثناء اشتعال الحرب العراقية - الإيرانية حيث تم إغراق الساحة بكم هائل من المنشورات الطائفية المحرضة على الفتنة والداعمة لنظام صدام.. بالإضافة إلى استثمارها المساجد واستخدام منابرها فى التحريض على الفتنة وبث الأفكار المتطرفة المفرقة.. وهو ما دفع بالحكومة آنذاك إلى مصادرة هذه المساجد وضمها للأوقاف.
وقد عانت السلفية فى مصر من نقص الرموز وهو ما دفع بها إلى استقطاب الرموز الأخرى إلى صفوفها.. ودفع بها أيضًا إلى صناعة رموز خاصة بها وتضخيمها.. والاعتماد على الدعاية.. ومحاولة فرض أنفسهم على الناس كعلماء ودعاة.
وهو ما نراه بوضوح من خلال استثمارهم لقنوات الفضائية وظهورهم المتكرر فيها مع كونهم يحرمون التصوير والتصوير الحى أولى بالتحريم.. ومحاولاتهم من خلال هذه القنوات فرض أنفسهم على الناس كعلماء ودعاة.. وحتى يضفوا المشروعية على أنفسهم استتر بعضهم بلقب دكتور واستتر آخرون بزى الأزهر.
ودفعوا بعناصر نحو الجامعة الإسلامية فى المدينة المنورة ليدرسوا فيها ويستمدوا المشروعية من خلالها.
هذا على الرغم من كونهم لا يعترفون حتى باسم المدينة المنورة.. ويمكن تحديد خطوات الاختراق السلفى لمصر فيما يلى:اختراق الجماعات.. اختراق الأزهر.. اختراق الجامعات.. تأسيس دور النشر.. استقطاب الرموز الإسلامية.
ويمكن تحديد العوامل التى ساعدت السلفية على التغلغل فى مصر فيما يلى.. ظهورها فى أرض الحرمين.. استثمار الإخوان.. رفع شعار التوحيد.. دعم السادات الأموال الدعاية
الأزهر والسلفية
ولم يتوقف الاختراق السلفى عند حدود الجماعات والكتاب والمؤسسات بل امتد ليخترق الأزهر..
ففى نهاية السبعينيات ارتد العديد من عناصر التكفير عن جماعتهم وتبنوا السلفية، وتم توجيههم نحو الأزهر..
وقد تمكن هؤلاء وغيرهم من إتمام دراستهم بالأزهر والتعيين به كمدرسين.. ثم تمكن بعضهم بعد ذلك من تكوين ما أسموه جبهة علماء الأزهر، تلك الجبهة المتطرفة التى اصطدمت بشيخ الأزهر حينها والأزهريين المعتدلين وأحدثت البلبلة فى صفوفه.
وتمكنت من اختراق مجمع البحوث الإسلامية ودفعت به لمواجهة الكتاب والمثقفين ومصادرة الكتب التى تشكل خطرًا على أفكارهم.
ولم يبرز الأزهر أى مواقف جادة تجاه الظاهرة السلفية التى تهدد أمن المجتمع، بل انشغل بمحاربة المثقفين وأصحاب الرأي، فمن ثم هو يتحمل القدر الأكبر من المسئولية فى نمو هذه الظاهرة وتمددها.
ويحمل أوزار أولئك الشباب الضحايا الذين تشبعوا بهذا الفكر المتشدد.. وتلك التيارات التى تبنته قلبًا وقالبًا.. بداية من تبنى اللحية والجلباب والنقاب، إلى مقاومة الأضرحة والمقامات.. وتحريم الآثار والصور والتماثيل.. وتبنى المواقف العدائية من الواقع والمرأة والعقل.
وتبنت رفض الآخر ومعاداته.. وتقمص الشخصية الحنبلية والعيش بعقل الماضي.
وبعد اغتيال السادات علت الأصوات مطالبة بمصادرة الكتب السلفية وحظر تداولها فى مصر، خاصة كتب ابن تيمية وابن القيم بعد أن تبين أن هذه الكتب كانت المصادر التى اعتمد عليها تيار الجهاد فى قتل السادات..
إلا أن هذه الأصوات سرعان ما اختفت واستمر الكتاب السلفى فى الشيوع والانتشار دون أن يظهر أى رد فعل من قبل الأزهر..
وركز الأزهر على منشور الفريضة الغائبة  المتطرف الذى كتبه محمد عبد السلام فرج أحد الخمسة الذين اعدموا فى قضية اغتيال السادات.
واعتبر هذا المنشور الوثيقة التى قادت محمد عبد السلام إلى حبل المشنقة.
وكتب شيخ الأزهر الراحل جاد الحق ردًا عليه نشر كملحق لمجلة الأزهر، بينما تم تغافل المصادر السلفية التى اعتمد عليها المنشور والتى شكلت ثقافة الإرهاب التى قام على أساسها تيار الجهاد، وأصبحت مرجع ومستند التيارات الإرهابية فيما بعد.
مصر الجبهة والحاجز
لم تجد السلفية فى مصر الأرض الخصبة والمناخ الملائم لنشر أفكارها وأباطيلها.. ويبدو ذلك بوضوح من خلال كم الردود التى صدرت فى مواجهتها.. ومن خلال تصدى الطرق الصوفية لها..ومن خلال العشق الجماهيرى لأهل البيت والمداومة على إحياء المناسبات الخاصة بهم وزيارة قبورهم، وهو ما تعده السلفية من الشرك والبدع والضلالات..
ومع فترة السادات والفترات اللاحقة تمكنت السلفية من التأثير فى عقول الشباب، وامتد تأثيرها إلى جوانب كثيرة من المجتمع المصري.
إلا أن السلفية رغم ذلك كله لم تنجح فى سيادة الشارع المصري.
وظل أتباعها أقلية منبوذة وسط المصريين وهو ما جعلهم يحقدون على مصر وشعبها.. وقد تم انفاق المليارات من أجل كسب الجمهور المصرى ودفعه للكفر بالأولياء والصالحين واتباع مذهبهم ولم يفلحوا.
واستمرت الموالد وإحياء المناسبات والزيارات رغم كل ما بذلوه لجعل الناس يكفرون بها.. ومهما حاول أنصار السلفية فى مصر أن يرتدوا ثوب الاعتدال ويعلنوا ولاءهم للحكام فإن معتقداتهم فى أساسها تقود للتطرف ونبذ الآخر وتهديد أمن الوطن.
والسلفية فى حقيقتها لا تمثل السلف بل تمثل الحنابلة وابن تيمية وفقه البدو ومن هنا هى لا تحمل الاعتدال ولا تتبنى التسامح ولا تعترف بالآخر شأنها شأن الحنابلة القدامي.
وأبسط معتقداتهم هى تكفير المخالفين لهم من المسلمين الذين يرون جواز التوسل بالأولياء والصالحين.. وهو ما يعنى تكفير المصريين الذين يعشقون الأولياء ويحيون الموالد ويشدون الرحال لمراقدهم طوال العام.
آثار السلفية
ومع فترة السادات والفترات اللاحقة تمكنت السلفية من التأثير فى العقل المسلم فى مصر. وامتد تأثيرها إلى جوانب المجتمع المصري.
فى حدود الشارع سادت العديد من المظاهر من إطلاق اللحى وتقصير الجلباب، ووضع الشال الأبيض على الرؤوس، وارتداء الساعة فى اليد اليمنى، وانتشار النقاب بين النساء، واحتراف البيع أمام المساجد، وامتهان بيع العطور والسواك والجلباب الرجالى القصير، وملابس المحجبات وعسل النحل، والابتعاد عن العمل فى دوائر الحكومة، والتهرب من الخدمة العسكرية، وأيضًا التهرب من التعليم.
وفى مجال الفتوى سادت فتاوى ابن باز وابن عثيمين وابن جبرين وغيرهم.. وكان من انعكاسات السلفية على حالة التدين أن تحول التدين إلى حالة مرضية ومعوجة وغاضبة، تتلحف بقشور الدين، وتغوص فى الفروع والشكليات، وتفتح جبهات صراع مع الصوفية والشيعة والعلمانيين، وتعادى العقل والفكر، وتعشق العسر وترفض اليسر، وتعيش حالة عداء دائمة مع الواقع.
وقد برزت فى الواقع المصرى نتيجة لهذه الحالة الكثير من الأمراض النفسية التى طالت الشباب والشابات، وألقت بهم فى المصحات النفسية، بسبب إدمانهم قراءة كتب السلفية التى تركز على عذاب القبر والنار وحال العصاة والمشركين التى صورت الدين كأداة تخويف وإرهاب لا مجال فيه للرحمة والأمن والنجاة من النار.
أما الجماعات فقد تشبعت بالفكر السلفى الذى رضعته فى بداية نشأتها فى فترة السبعينيات من هنا برزت على ساحة الواقع تلك الصور المعوجة والمشوهة التى أساءت للإسلام وتسببت فى تخلف المسلمين.
ومن أهم الجماعات التى خرجت من عباءة السلفية..
السلفية التكفيرية وهى فرق مختلفة ومتناحرة منها فرقة الناجون من النار.. فرقة الجماعة الإسلامية وجماعة الجهاد..
ومنذ أن برز التيار السلفى على الساحة المصرية وهو يشن حربًا على المجتمع والحكومة والناس والمخالفين على مستوى المسلمين وغير المسلمين..
وبدا وكأنه يدعو لدين جديد يتحرك لأول مرة لمواجهة مجتمع كافر وجماهير كافرة..
أعلن الحرب على الحكومة
وأعلن الحرب على الصوفية..
وأعلن الحرب على الأضرحة والمقامات والمناسبات.. وأعلن الحرب على المسيحيين.. وأعلن الحرب على الإعلام والكتاب والمثقفين.. وأعلن الحرب على الإسلاميين المعتدلين.. وأعلن الحرب على الجماهير تحت مسمى مقاومة البدع والمنكرات..
وجملة هو لم يبق على شىء لم يحاربه..
وهو قد قدم لنا الدليل القاطع والبرهان الساطع على أن الإرهاب سلاحه الدائم.. وأنه يهدد أمن وسلام المجتمع.
ورفع السلفية شعار التوحيد والفرقة الناجية من النار يعنى أنهم وحدهم أهل التوحيد وأهل الجنة.
ويعنى الحكم بالشرك على جميع المسلمين وخلودهم فى النار..
وحكمهم بالشرك والضلال على زوار القبور ومحيى المناسبات يعنى تكفيرهم لأغلب المصريين الذين يمارسون الزيارة والتوسل ويقيمون الاحتفالات لأهل البيت والأولياء عن حب وإيمان طوال العام وبلا توقف..
لقد تسبب السلفية فى فرقة المسلمين وتناحرهم وتكفير بعضهم بعضًا فى كل مكان برزت فيه..
وهو ما حدث فى مصر منذ أن أطلت السلفية برأسها فيها.. وقد كانت ساحتها هادئة تنعم بالأمن والسلام طوال قرون طويلة.
ولن تعود لها هذه الحالة إلا بزوال السلفية منها.