الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

حرباء الفساد

حرباء الفساد
حرباء الفساد




كتب: د. علي الشامي

تشيكوف أحد أعظم الأقلام فى تاريخ الأدب الروسى رائد فن القصة القصيرة تلمح الجانب الإنسانى فى كتابته جنبا إلى جنب مع السخرية، كتب تشيكوف ما يزيد على ألف قصة قصيرة، وعدد من المسرحيات، إحدى تلك القصص استوقفتنى بشدة أثناء إعادة قراءة بعض من كتاباته، القصة بعنوان «الحرباء».
القصة تدور أحداثها حول إحدى الشخصيات المهمة أثناء عودته وحارسه يسير خلفه إذا بصوت صراخ، توجه المسئول الكبير إلى موضع الصراخ، ليجد أن كلبا قد عض اصبع رجل بسيط، فثار المسئول المهم وغضب جدا، وأقسم أيمانا مغلظة بأنه سينتقم من صاحب الكلب، وتحرك الجميع إلى مكتب الرجل وبدأ التحقيق، فقال أحدهم إن الكلب لأحد الأثرياء، فتغير المسئول المهم وأحس بالبرودة وارتدى معطفه ثم نفى رجل آخر صلة الكلب بهذا الثري، فتنفس المسئول الصعداء وخلع البالطو، وهكذا تحرك الوعد والوعيد والانتقام من الرجل البسيط الذى عضه الكلب إلى الرجل صاحب الكلب، حتى اتضح فى النهاية أن الكلب يملكه أخو الثرى الذى جاء لزيارته بشكل مفاجئ، فقام المسئول بمعاقبة الرجل البسيط الذى بالتأكيد قام بضرب الكلب فدافع الكلب عن نفسه بعض أصبعه!
وهناك قصيدة شهيرة للشاعر الكبير الفاجومى أحمد فؤاد نجم والذى يحكى فيها عن الطالب الغلبان الذى عضه «كلب الست» وبسخرية لاذعة يقول الفاجومى «طب دا كلب الست يا بنى.. وأنت تطلع كلب مين؟»  
السخرية اللاذعة للفاجومى والأسلوب الساخر لتشيكوف وغيرهما، وضع أمامنا مشكلة متفشية فى المجتمع وهو أن الفساد المستشرى يحمى طبقة الفاسدين وتدريجيا يتحول الفساد إلى منظومة يصعب كسرها.
وعشرات القصص بل مئات تحدثنا بكل الصيغ عن الفساد والمحسوبية وعن «اللى له ضهر» فالأمر مستشرى بدرجات فى كل المجتمعات.
السؤال المهم هنا: ماذا بعد أن تغلغل الفساد فى أوصال الدولة عبر سنوات من عمر دولة مبارك و رجاله؟ وكيف يمكننا أن نتخلص من هذا الإرث البغيض؟ لكن السؤال الأهم: إصلاح هذا الفساد مسئولية مَن؟ هل هذه مسئولية الرئيس أن يزور مواقع الكوارث ويحلها بنفسه؟ هل من واجب الرئيس أن يفعل ذلك؟ هل صار الرئيس هو الرجل الوحيد الذى  يعمل فى مصر؟ والسؤال الأصعب هل الرئيس هو الرجل الوحيد الذى يجب أن يعمل فى البلاد؟ هل يبقى المسئولون الفاسدون – الرجال غير المناسبين فى المكان غير المناسب – فى مناصبهم يفسدون؟
هل يحمل الرئيس عصاه السحرية لإصلاح واقع خرب من الجذور؟ إلى متى سيتقلد الفاسدون مواقع المسئولية وانصاف الموهوبين الذين لا يربطهم بمواقع المسئولية شىء سوى تشابه الـ «دى إن إيه» الخاص بهم مع كبار الفاسدين؟
يجب علينا الإجابة على تلك الاسئلة لأن عدم الإجابة عليها يعنى انهيارا للمجتمع أكثر وأكثر. الإجابة الصريحة الأمينة عليها ستحل المشكلة.
ببساطة شديدة لن تحل مشاكل شعب وتبنى الأمم إلا بانتهاء الفساد وإلا بأن يقوم كل مسئول بدوره فى مكانه وأن يتوقف البعض عن الاعتماد على عصا الرئيس السحرية التى وإن كانت تقوم بحل المشكلة إلا أنها تبرز فشل المسئولين.
الحل ببساطة أن تتوجه العصا السحرية لا لحل المشاكل ولكن لوضع الرجل المناسب الوطنى فى المكان المناسب وأن تزيل كل مسئول من أنصاف الموهوبين أو الفاسدين.