الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

بثينة خضر: حياتى خارج السودان وإبداعى فى سن كبيرة وراء جرأة كتاباتى «الجنسية»




 
رغم زياراتها المنتظمة سنويا لمصر، فإن زيارة الكاتبة السودانية بثينة خضر مكي، التى تعد من رائدات الرواية السودانية وعضوة بالبرلمان السودانى حاليا، هذه المرة تزامنت واحتفالية وزارة الثقافة بمئوية أديب نوبل نجيب محفوظ، الذى تفتخر به ككاتبة عربية وتدين له بفضل كبير فى كتابة الرواية والتعبير عن الحارة المصرية بكل تفاصيلها، ليقترح عليها الروائى يوسف القعيد المشاركة بالاحتفالية وتقديم شهادة عن محفوظ بأمسية «مرايا نجيب محفوظ» حملت إضاءة لمدى تأثرها بنجيب محفوظ كروائى عربى مصري، أكدت من خلالها نجاة محفوظ من التعبير عن صراع الهوية الذى يعانى منه الكتاب السودانيون، التقتها «روزاليوسف» لمزيد من الفهم لهذا الصراع بالأدب السودانى وكيف لامرأة سودانية أن تصبح من رائدات الرواية السودانية فى ظل الظروف السياسية للسودان المتعثرة لوقت طويل .. فإلى نص الحوار...
 
 
■ حدثينا عن رؤيتك لأدب نجيب محفوظ وتأثرك به خاصة فيما يتعلق بصراع الهوية رغم مخاصمة معظم الكتاب السودانيين لهذا الاتجاه؟
 
- مصر لها تاريخ إسلامى وعربى تليد وراسخ، أما فى السودان فالمواطن والمبدع السودانى يتجاذبه انتماؤه العربى والإفريقي، فتارة يكتب كإفريقى منجرف نحو التراث الإفريقي، وتارة أخرى تستحوذ عليهم العروبة فيكتب عن التراث العربي، بينما محفوظ ككاتب مصرى عربى انطلق من أرضية ثابتة، فى الوقت الذى لا يمكن لمبدع سودانى أن يفصح عن تعلقه بالعروبة دون أن يواجه ولو قليلا بأنه قد تنكر لإفريقيته وانتصرت عروبته، هذا ما أردت التعبير عنه.
 
■ هل نجح الأدب السودانى فى التعبير عن حاجات مجتمعه أم لا؟
 
- الأدب السودانى يعبر عنه حالة إنسانية، فلكى أعبر عن حال عربى إنسانى بالتأكيد لابد أن انطلق من محليتى وذاتيتي، فلابد للخاص أن يلقى بظلاله على العام، وهذا لا يمنع أن هناك كتابا مثل الطيب صالح وإبراهيم إسحق عبروا عن هذه المحلية.
 
■ أين ترين الأدب السودانى على خريطة الأدب العربي؟
 
- أعتقد أن الأدب السودانى ترك بصمة واضحة واتخذ حيزا جيدا، فهناك عدد من الكتاب تقدموا لجوائز عربية ودولية وهناك أدباء مثل الطيب صالح وأمير تاج السر وآخرون ألقيت عليهم الأضواء بشدة، فالأدب السودانى يسير بخطوات ثابتة، ففى البداية كانت تعوزه دور النشر والترويج، الآن هذه المشكلة محلولة وإن كنت أرى أن المبدع السودانى الذى عاش خارج السودان كانت فرصه أفضل فى الانتشار عبر الأدوات الإعلامية المتنوعة والمتعددة، إضافة إلى المواقع الإليكترونية.
 
رغم اهتمامك بقراءة الأدب والشعر لماذا اخترت السرد واحترفت كتابة الرواية؟
 
حينما كنت مُدرّسة لغة إنجليزية للأطفال كنت أترجم أيضا عن الأدب الإنجليزى للأطفال إضافة لعملى بدار النشر الخاصة بوزارة التربية والتعليم بالسودان، ثم كتبت المقالة وبدأت بالقصة القصيرة وكان النقاد دائما ما يقولون لى إن ما أكتبه من قصص فيه «نَفَسْ» الرواية وطالبونى بالاستكمال، فاتجهت للرواية وكتبت روايتى الأولى «أغنية النار» فى عام 1993م وكانت جريئة فى الطرح الاجتماعى والسياسى ولاقت صدى كبيرا مما شجعنى على أن استكمل الطريق فى الرواية، فكتبت روايتى الثانية «صهيل النهر».
 
■المتابع لأعمالك يحتار ما بين ندائك للحفاظ على التراث وبين رفضك له.. ماذا تريدين من التراث؟
 
- الكاتب ليس من مهمته التوجيه لكنه يعرض ما هو مخزون بالنفس الإنسانية بكل سلبياتها وإيجابياتها فهو يضىء فقط ويترك للقارئ حرية القرار.. بالنسبة لى أنا أعرض شخصيات من البيئة ومن خلال الأمكنة التراثية التى تعيش بها بكل ما يحيط بها من طقوس ورؤية، فهى التى تحدد كيف يكون التراث، الحياة على ضفاف النهر بالسودان غير الحياة بعيدا عنه لأن هناك طقوسا تخص النيل مثل اغتسال العروسة والطفل بالنيل، لكن هذه الطقوس تقريبا اندثرت الآن لذا أردت أن أوثق لهذا الزمن الجميل.
 
■ فى روايتك «حجول من شوك» ناقشت إشكالية العلاقة بين الأنا السودانى والآخر العربي..كيف ترين مفهوم الهوية وما دور الرواية فيه؟
 
- كسودانية من الشمال العربى لم تكن هناك بالنسبة لى حواجز كثيرة خاصة أننى قضيت ثمانى سنوات بالمملكة العربية السعودية واثنا عشر عاما بالإمارات العربية المتحدة، لكننى عايشت الكثير من المفارقات، فلقد كانت هناك معاناة حقيقية لجنوب السودان وغربه قبل الانفصال، فكردفان ودارفور الثقافة عربية إسلامية إنما الفارق فى الملامح الشخصية، فبطلة الرواية كانت تعتقد كسودانية أنها عربية خالصة لكنها اكتشفت أنها مختلفة بعد سفرها لبلدان عربية أخرى، وهو ما أثنى عليه النقاد ووجدوا فيه جرأة منى لطرح هذه الإشكالية التى ما كانت تطرح سوى بالجلسات الرسمية للحكام!
 
■ كيف اقتربت من مثلث المنطقة المحرمة «الجنس والسياسة والدين» وأنت امرأة سودانية وفى ظل حكم إسلامي؟
 
- ربما ما ساعدنى على ذلك حياتى فى أجواء ثقافية أخرى مختلفة، كما أننى بدأت الكتابة وانا امرأة ناضجة فى مرحلة عمرية متأخرة..كنت زوجة وأم لمراهقين..كنت أسألهم وقتها وأستشيرهم فيما أكتبه وشجعونى كثيرا، أيضا تراثنا العربى بكل عصوره كالجاهلى والعباسى والأندلسى والإسلامى فيه جرأة كبيرة جدا غير موجودة الآن بل وتعتبر إباحية!.. فأنا دائما ما أنادى بالنظر للتراث وجرأته.
 

 
■ كيف قوبلت كتاباتك بالسودان؟
 
- باندهاش شديد جدا من حيث قوة الطرح فى السرد والأسلوب والشخصيات، كذلك كيف لكاتبة سودانية أن تكتب هكذا؟!!!...أيضا أنا طرحت نفسى بقوة دون اللجوء للأضواء أو مساعدات بل قدمت نفسى كما أنا، ولا تنسى أن عملى بالتدريس للثانوى وهى مرحلة حرجة وصعبة أكسبنى قوة فى الشخصية والأداء.
 
■ ما هى أبرز مشاكل المرأة السودانية التى تسعين لتقديمها فى رواياتك؟
 
- هى مشاكل اجتماعية فى المقام الأول تحد من طموحاتها، فبالرغم من المرأة السودانية الآن أصبحت قاضية ومستشارة للرئيس، لكن عددا كبيرا من المتزوجات والأمهات يواجهن مشكلات من نوعية عدم وجود دور حضانة للأطفال، أيضا البيئة نفسها فقيرة فلا توفر للمرأة كل احتياجاتها التى تساعدها على تحقيق ذاتها، فبالنسبة لى ككاتبة لا أستطيع أن أعتكف شهورا للكتابة فالهموم المنزلية تجتذبنى والاجتماعية وهى متشابكة بالسودان، كذلك لا أستطيع مثلا الجلوس على النيل فى المساء لأكتب! فهذه المسألة لازالت غير مقبولة اجتماعيا!..لكننى على مستوى الكتابة تخطيت الكثير من الضغوط الاجتماعية أتمنى أن أستطيع بالواقع أيضا!
 
■ كيف كان أثر تجربتك المبكرة مع الزواج على حياتك وعلى إبداعك؟
 
- ربما كان لها الأثرين الإيجابى والسلبي، فلقد تزوجت وأنا فى السادسة عشرة من عمرى واستكملت دراستي..الزواج يحقق الاستقرار الأسرى والنفسى وفكرة الاستقرار لاتتفق والإبداع الذى يتسم بالقلق الدائم، كما أننى أشكر زوجى أن ساعدنى وكانت حياتى ميسرة فسافرت معه لعدة دول واشتريت الكتب وأرتاد المكتبات إضافة إلى أن المجتمع الخارجى ساعدنى كثيرا أثناء ارتياد المنتديات واحتكاكى بالثقافات المختلفة والمعتقدات الدينية والكتاب والأدباء الآخرين أيضا إضافة إلى مساعدة أمى لى خاصة أننى الابنة الوحيدة..الحقيقة أعتبر نفسى كنت محظوظة، فمنذ صغرى وأنا أريد أن أكون كاتبة وهو ما أدركته من موضوعات الإنشاء التى أعطتنى الإحساس بأن الكتابة تمنحنى عالما أرحب، فالكتابة رسمتنى كشخص لأنها حققت لى الهدوء والعزلة والاعتكاف، كما أن الزواج جعلنى أكثر جرأة فى اقتحام القضايا واستطعت أن أتفرغ مبكرا بعد أن كبر أبنائى وهو ما كان السبب فى منح النقاد لى لقب «كاتبة مع سبق الإصرار».
 
■ لماذا تتلاعبين بالزمن فى رواياتك ما بين زمن السرد وبين زمن الحكاية ذاتها؟
 
- ربما يظهر هذا التلاعب أكثر فى رواية «أغنية النار» بما فيها «فلاش باك» حينما وجدت البطلة نفسها فى مكان مرتبط بأشخاص معينين وبدأت ذاكرتها تستدعيهم، أيضا فى بداية كتابتى كنت لا أجرؤ على البوح ببعض الأشياء لذا كنت أكتب برمزية حتى أننى كنت أكتب باسم مستعار فى البداية!...فكان من الصعب أن أكتب باسمى الحقيقى لوضعى الاجتماعى والأسرى وعدة مشاكل أخرى.
 
■ ما رأيك فى الأجيال الجديدة من الكاتبات السودانيات؟
 
- هناك أجيال واعدة مثل أميمة عبدالله ورانيا مأمون ومن الشاعرات أيضا مثل الشاعرة روضة الحاج والتى حصلت هذا العام على جائزة عكاظ للشعر، فالمرأة السودانية طرقت مجالها وهناك الكثير اللاتى استطعن إيجاد مكان لأنفسهن وإبداعاتهن، فهن جيل غيرنا تماما من حيث أدواته المتنوعة والمتعددة وتنوع ايضا وسائل الاتصال فهناك أكثر من بديل للوصول بإبداعاتهن إلى القراء والمهتمين.
 
■ كعضوة بلجنة الثقافة بالمجلس السودانى كيف ترين ملامح علاقة المثقف بالسياسة أو السلطة؟
 
- المثقف عموما ينفر من أى قيد سواء أكانت السلطة أو السياسة، فالمرأة فى كتاباتها تنفر من سلطة الأب وسلطة الزوج والسلطة الذكورية عموما والسلطة الفكرية، رغم أن هناك خطوطا حمراء لايجب تجاوزها حتى فى الكتابة عن الجنس فيها خطوط حمراء، بالرغم من أننا لو عدنا للتراث العربى لوجدنا حرية مطلقة فى التعبير والفكر.
 
■ كيف تبدو الحياة الثقافية حاليا بالسودان بعد الانفصال؟
 
- هناك موجة من الحزن حاليا مسيطرة على أوساط المثقفين لكن الحياة تأخذ دورتها عموما، ومن حسن الحظ أن معظمهم من شمال السودان لذا فلم يختلف الوضع كثيرا، لكن الآن الأزمة الاقتصادية هى المهيمنة حاليا على كل مناحى الحياة بالسودان كما هو الحال هنا بمصر وكل الدول تقريبا.
 
■ هل هناك مشروعات أدبية قادمة؟
 
- لدى مجموعة قصصية تحت الطبع...وأكتب رواية جديدة.