الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

في كتاب صدر لمرور 50 عاماً علي رحيله «الأعلى للثقافة» يؤرخ لمسيرة شيخ النقاد محمد مندور

في كتاب صدر لمرور 50 عاماً علي رحيله «الأعلى للثقافة» يؤرخ لمسيرة شيخ النقاد محمد مندور
في كتاب صدر لمرور 50 عاماً علي رحيله «الأعلى للثقافة» يؤرخ لمسيرة شيخ النقاد محمد مندور




كتبت - سوزى شكرى

الناقد المصرى الراحل محمد مندور (1907 ـ 1965) رائد من رواد النقد الأدبى الحديث، رغم أن الكثير يعرفون قيمته فإنه لم يبادر الكثيرون بالكتابة عنه وتوثيق مشواره، الكاتب الراحل فؤاد قنديل ظل مهمومًا بالكاتبة عنه  وعلى حد  قوله: «منذ مايزيد على أكثر من عشرين عاما وقد عقدت العزم على تأليف كتاب عن الدكتور محمد مندور كنت أشفق على نفسى من حمل هذه  الأمانة كيف ينسى لى أن اكتب فصولاً عن حياة رجل من أبرز رجالات البعث الفكرى». بهذه العبارة جاءت مقدمة الكاتب والروائى الراحل فؤاد قنديل فى أحدث إصدار عن المجلس الأعلى للثقافة  كتاب بعنوان «محمد مندور – شيخ النقاد»، وهى الطبعة الثانية 2015  وكانت الطبعة الأولى عن دار الحضارة بالقاهرة فى عام  1994 الكتاب مقسم إلى أربعة أبواب بالإضافة إلى ملحق عن مؤلفات محمد مندور،  ويقع الكتاب فى 260 صفحة.
الباب الأول قسم إلى ستة أجزاء عن حياة الناقد، ويصفه «قنديل» بأنه الأستاذ القدوة والمناضل الثورى، والناقد الذى لا يجامل ولا ينحاز، والصحفى الجرىء، ناضل من أجل الحريات فى مصر والعالم العربى قاده نضاله إلى السجن مرات كثيرة.
 جعل «قنديل»  الباب الأول مقسمًا إلى ستة أجزاء ووضع لها عناوين ودلالات تبدأ من الجذور وتنتهى بالثمار، مرورا بالسيقان، قاصدا الروافد الفكرية والسياسية، التى شكّلت عقلية مندور النقدية،  الأول « الجذور لنشأة وأيام الصبا (1907– 1925) والثانى: السيقان الجامعة المصرية (1925 – 1930) – الثالث : الفروع البعثة فى باريس 1930 -1930) – رابعا: الأوراق والزهور العمل بالجامعة (1939 – 1944 9 – خامساً : عصف الريح الفترة العملية الثانية (1944 – 1953) -  سادساً: المرحلة النقدية المكتملة (1953 – 1965) .
  يسرد فى هذه الأجزاء حياته ونشأته  حيث ولد محمد  مندور فى كفر مندور مركز منيا القمح بالشرقية فى 5 يوليو ١٩٠٧، وحصل العديد من الشهادات من بينها ليسانس الآداب سنة ١٩٢٩، وليسانس الحقوق عام ١٩٣٠، وسافر فى بعثة إلى باريس سنة ١٩٣٠، عمل فى معهد الصحافة لتدريس اللغة الفرنسية والترجمة من الفرنسية إلى العربية، وفى سنة ١٩٤٢ استطاع عام 1943 الحصول على الدكتوراه  وأنجزها فى تسعه أشهر  فى (النقد المنهجى عند العرب).
وله أيضا أزمات ومعارك فى الصحافة حدث خلاف بسبب مقال نشره فى جريدة «الأهرام»، وبعد ذلك اتجه للتدريس فى معهد التمثيل، وانشأ مجلة «البعث» وإصدارها من منزله، وفى عام 1945 بأمر «صدقى باشا» ألقى القبض عليه باسم محاربة الشيوعية، رفض مندور الرشوة التى قدمها له  «صدقى باشا» وهى تعيينه سفيراً لمصر فى سويسرا مقابل التوقف عن الهجوم على الوزارة  ، وفى عام 1950 انتخب مندور عضواً فى مجلس الأمة، وعمل فى معهد الصحافة وقسم الصحافة بجامعه القاهرة،  لكنه أصيب بورم فى المخ كاد أن يفقده  بصره واضطر للسفر إلى انجلترا للعلاج عاد بعدها 1951 وكثف مجهوده على الدراسات النقدية، وحصل على جائزة الدولة التشجيعية عام 1961 فى النقد،ورحل مندور 19 مايو 1965 .
الباب الثانى من الكتاب تحت عنوان  «مندور ناقدًا
 قسم «قنديل» النقد عند «مندور» إلى مراحل ثلاث، المرحلة النقدية الأولى (1939 – 1944 ) التى يصفها «قنديل» من خلال احد كتب «مندور» النقدية بعنوان «نماذج بشرية» بأن  «مندور» يميزه فى هذه المرحلة القراءة والتأويل ولكنه لم تتشكل لدية منهجا نقدياً  محدداً، فكان «مندور» يبحث فى العمل الادبى على الحيوية والإنسانية، ويبحث عن المحاولات الشبيهة فى التاريخ الادبى ومقارنتها بآخر لتحديد الأصالة والجدة مستعينا بالحس التاريخى لا بالمنهج التاريخي، والمقارنة هى وسائل المعرفة للوصل للفروق.
 فى كتاب مندور «فى الميزان الجديد» إرساء مبادئ أساسية للنقد والمنهج التأثيرى ودعا فيها إلى الانغماس فى الحياة والبعد عن الأفكار المجردة، والدعوة للأدب المهموس، وأهمية الصدق فى العمل الادبى حتى يكون النقد صادقًا، كما لخص «مندور» تعريف الأدب فى كلمات بسيطة «الأدب هو صياغة فنية لمواقف إنسانية»، يرى «قنديل» تأثر «مندور» وإعجابة بالنموذج النقد الفرنسى التأثيرى الذى يتعمد إلى تحليل النصوص وشعور الناقد بالأحاسيس وتلقى العمل الادبى والفنى ومن الإحساس يصدر الأحكام وتقيم العمل.
المرحلة النقدية الثانية (1949 – 1957)
هذه المرحلة تطور النقد بسبب عمله فى الصحافة والسياسية حيث انتمى لحزب الوفد واتسمت هذه المرحلة بالموضوعية فى النقد محاولاً تفسير وتبرير انطباعاته وتفسيرها بحجج عقلية واعتبر أن العقل هو أعدل الأشياء قسمة بين الأصحاء من البشر،  ومالت كتابته إلى الاعتماد على التحليل والعرض الوصفى المحايد فى أحيان كثيرة،  ومن سطور كتاب مندور «الأدب والنقد» الذى صدر عام 1949 اكتشف «قنديل» انه اهتم بالمنهج التاريخى الذى كان يخشى منه فى السابق على القيم الجمالية فى الأدب، وحدد «مندور» الاتجاه العام فى الأدب يتجه لتحديد العلاقة بين الأدب والأخلاق وفهم النفس البشرية وتحليلها، وخلق الجمال وتهذيب النفوس.
المرحلة النقدية الثالثة (1957 -1965)
التى تبلورت خلالها منهج «مندور» والتى حلل بها أدب الشعراء القدامى والمحدثين، ويشير قنديل إلى تأثر «مندور» البالغ بالنقد الغربى فى تعريفاته حين وصف النقد انه صياغة فنية لتجربة إنسانية إلا أنه أضاف إليه أن الأدب «نقد للحياة» ويعد هذا منهج التحليل والكشف عن عناصر الحياة،  ويقول «مندور» : وان ما نسميه واقعا ما هو إلا الصورة الذهنية التى لدينا عن الحياة فإذا كانت الصورة ملكنا فنحن نستطيع ان نلونها باللون الذى نريده والذى نرى فيه مصلحة أنفسنا ومجتمعنا».
 فانتقل مندور من المرحلة التأثيرية إلى المرحلة الموضوعية إلى الايديولوجية أو الاجتماعية الذى تناصر القضايا الأديبة الإنسانية مثل قضية الأخلاق والفن الهادف وأصبح المنهج النقدى الايديولوجى  يميزه نقدياً.
 الباب الثالث «مندور ناقد النقاد»
 كان لمندور مأخذ على كبار النقاد ولا يصفهم بالمبدعين وهذا سبب وجود خصوم ومعارك لكنه «ناقد جرىء» انتقد كبار الكتاب منهم «المازنى – ميخائيل نعيمة – لويس عوض –يحيى حقى– الدكتور رشاد رشدى – أحمد شوقى - وأيضا الأديب  طه حسين الذى انتقده  فى انه أسرف فى رد كل فكر عربى إلى مثيله الأوروبى، ويحاول من خلال منهج تحليلى وهذا تعصب لفكر مسبق، وأن طه حسين أمعن فى محاولة التقريب الثقافة الغربية والشرقية على حساب الفوارق بين الثقافتين، كما انتقد مندور الكاتب العقاد واختلف معه كثيرا رغم منزلته الخاصة عند مندور.
الباب الرابع «مندور المناضل الثورى
والكاتب السياسى»
بدأها حين كان طالبًا فى المرحلة الثانوية قاد مظاهرات ثورة 1919 فى مينا القمح فامتلكه الحس الوطنى والحماس الثورى، وفى فرنسا أثناء البعثة تعرف على القوى السياسية وردود أفعالهم إزاء الأحداث، وقرر مندور النزول للحياة العامة من اجل الجماهير الذين يعانون من الأغنياء والرأسماليين، وانضم إلى حزب الوفد هو حزب أغلبية الشعب، واشتبك مع إسماعيل صدقى ومكرم عبيد، ويرى مندور وجود طائفة من المفكرين ليست لهم علاقة بالسياسة وطائفة من السياسيين لم يقرأ يوما كتابا وتساءل اين قادة الفكر الذين مفترض أن يقودوا الثورات الفكرية والإصلاح.
 شارك فى  ثورة 23 يوليو 1952واتفق معها فيما حققته من منجزات التى شارك فى صياغتها ويرى أن الديمقراطية احترام حقوق الإنسان ومدخلا أساسيا لتحقيق أهداف أى تغيير ثورى صحيح، استمر ثوريًا بمقالاته حول الحريات ويقول «إذا أردت أن يحترم البشر القانون والنظام فمنحهم حقوقهم وحريتهم».
تفرد العمل النضالى عند مندور ودخل فى صراعات من أطراف العمل السياسى والعمل كصحفى ونشر أوراق ضد الحكومة الانجليزية وصدر حكم بحبسة أربعة أيام، وبعد الإفراج عنه سقطت الحكومة، وعاد واستكمل دوره فى الدراسات النقدية.