السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

حسين الشافعى:الشخصية العربية بحاجة إلى ثورة تعيدها إلى تراثها الحقيقى

حسين الشافعى:الشخصية العربية بحاجة إلى ثورة تعيدها إلى تراثها الحقيقى
حسين الشافعى:الشخصية العربية بحاجة إلى ثورة تعيدها إلى تراثها الحقيقى




حوار - خالد بيومى

الدكتور حسين الشافعى كاتب ومفكر ومؤرخ وناشر يعد جسراً للتفاعل الثقافى بين الثقافتين العربية والروسية من خلال دار نشر «وكالة أنباء روسيا» التى تترجم كنوز الثقافة العربية إلى الروسية والعكس ،كما تركز على الأدب والإنسانيات والعلوم الاجتماعية بالدرجة الأولى ،وتجسيد قيم التعاون الخلاق التى تقوم على احترام التعدد الثقافى للعالم والهويات الخاصة للشعوب. وهو من أنصار الاتجاه شرقاً واستلهام تجارب الأمم الشرقية فى النهضة مثل الروسية والصينية واليابانية .بعد أن كشفت الثقافة الغربية عن وجهها الاستعمارى البغيض ويرى أن مشروع السد العالى كان اختباراً لكسر إرادة مصر، وها هوالتاريخ يعيد نفسه.وهو مفكر يدلى بدلوه فى التحولات السياسية والفكرية والثقافية العميقة التى تمر بها المنطقة العربية وتغذيها الصراعات المذهبية والنعرات الطائفية ونظم العديد من المؤتمرات الدولية عن علاقة الاستشراق الروسى والثقافة العربية على نفقته الخاصة .من أعماله : تراث الشيخ محمد عياد الطنطاوى أول معلم للعربية فى روسيا، خمسون عاما للسد العالى، المستشرقون الروس، وغيرها من الكتب.
عن كتبه وترجماته وأفكاره الثقافية كان حوارنا معه.. فإلى نصه.

■ حدثنا عن نشأتك والروافد التى شكلت تجربتك الفكرية والثقافية؟
ــ لقد نشأت بحى حلمية الزيتون بالقاهرة وتلقيت تعليمى الابتدائى فى مدرسة أمير الشعراء أحمد شوقى، وكنت شغوفاً باللغة العربية وكنت عضوا بجماعات الكشافة وجماعة الوعى الثقافى لجماليات اللغة العربية وما زلت أؤكد أن المدرسة هى المربى الأول لى، وأذكر أن مدرس اللغة العربية الاستاذ عبد المحسن كان يجمعنا فى منزله يوم الجمعة من كل أسبوع ويخرج علينا مرتدياً الجلابية والقبقاب.. ويجمعنا حول طبلية صغيرة ويقرأ علينا «بردة البوصيرى».. وكان أول تليفزيون» أبيض وأسود» يدخل الحى كان فى بيتنا وكانت تلتف الأسر كلها رجالاً ونساء لمشاهدة حفلات أم كلثوم والمسرحيات التى أنعشت الحركة الثقافية المصرية فى الستينيات .التى تمثل العصر الذهبى للثقافة العربية والمصرية ثم جاءت نكسة 1967م لتجهض مشروع النهضة العربية والذى فشلت كل المحاولات لإحيائه مرة أخرى.. فكان هناك مشروع المراجل البخارية بمسطرد الذى وضع مصر على طريق امتلاك الطاقة النووية ضمن مشروع التصنيع الاشتراكى الذى تولاه رئيس الوزراء الأسبق عزيز صدقى، والغريب أنه كان أول مصنع يقع فريسة لسياسة الخصخصة فى زمن المخلوع مبارك عام 1984 والذى هدم كل ما بناه الرئيس عبد الناصر من مشروعات لعامة الشعب المصرى.
■ أنت مهندس فى مجال الطاقة الشمسية والكهربائية.. لماذا اتجهت إلى المجال الثقافى؟
ــ لقد درست فى المدارس الثانوية الصناعية وأدركت القيمة المهمة للإنتاج والتصنيع وقررت أن أستكمل تعليمى العالى حتى أكون مفيداً لبلدى .بعد أن حصلت على بكالوريوس الهندسة والتكنولوجيا من جامعة حلوان . ورحب الاتحاد السوفيتى بفكرة استكمال الدراسة هناك وقدمت لأول مرة موضوعاً لم يكن مطروحاً على بساط البحث: «توليد الطاقة الكهربائية من الخلايا الشمسية للاستخدامات الأرضية والفضائية» وكان هذا موضوع دراستى للدكتوراه، التى حصلت عليها من معهد أبحاث الطاقة فى موسكو عام 1992م. وهناك حدث تعاون مع المنشآت الصناعية فى روسيا، وما زال مستمراً حتى اليوم.
واتجهت للثقافة لأننى اكتشفت أن المجتمعات فى حركتها وتناقضاتها وتعاونها، وصراعها تمضى بين بعدين الثقافى، والعلمى والتكنولوجى، وهذان البعدان على الصعيد الإنسانى فى تطور مستمر.. والحضارة فى أبسط تعريفاتها: هى الإبداع العلمى التكنولوجى مقترناً بإطار ثقافى قيمى فالثقافة تجل لواقع إبداعى علمى تكنولوجى.
■ ما الفرق بين العقلية العربية والعقلية الروسية؟
ـــ العقلية العربية كما وصفها الدكتور جلال أمين عقلية صوتية لا تستخدم عقلها وتستعيض عن استخدام العقل بالصوت المرتفع كما يحدث فى المساجد، فالخطيب بمجرد صعوده المنبر يتبنى الزعيق والصياح وكأن التعبد لا يكتمل إلا بالضغط العصبى، فالصراخ هو السمة المميزة للعقلية العربية كما أنها شخصية غير اجتماعية، فكلما ارتفع صوتك كان الحق بجانبك.. ناهيك عن سلوكيات التواكل وغياب الجدية وافتقاد الجودة فى العمل والكسل  وعدم احترام الآخر والأنانية وفى غياب القانون ترتكب كل الموبقات،  كل تلك المتناقضات من سمات الشخصية العربية.. وربما سبب هذه السلبيات غياب مشروع قومى يكون بمثابة المغناطيس يجذب الناس حوله، والشخصية العربية بحاجة إلى ثورة تعيد إلى تراثها الحقيقى المبدع المتسامح.
أما الشخصية الروسية فعكس ذلك تماما.. لقد عشت هناك فى فترة تفكك الاتحاد السوفيتى، ثم سنوات طويلة بعد التفكك .ولم تؤثر هذه الأحداث فى جوهر الشخصية الروسية على الإطلاق.. فالروس محبون لبلدهم ومنتمون لتراثهم وثقافتهم، فالعمل والأخلاق هما عنوان الشخصية الروسية.
للأسف المجتمع العربى يمثل حالة مترسخة من «الزنا المجتمعى».. المجتمع العربى هو الوحيد على كوكب الأرض الذى يسمح بزواج الأقارب رغم الأضرار الناتجة عن هذا الزواج ورغم نهى الإسلام عنه قال صلى الله عليه وسلم «اغتربوا لا تضووا». ويعد هذا الزواج جريمة كبرى فى الخارج ويجب على علماء النفس بحث هذه الظاهرة وأن يطرحوا الحلول الممكنة للتخلص من هذا المرض اللعين.
■ كيف تفسر ندرة دور النشر التى تهتم بترجمة الأدب العربى إلى الروسية والعكس؟
ـــ كما قلت لك نحن شعب يعيش حالة صوتية ومشغول ببرامج من نوعية «من سيربح المليون» وتصفيات الدورى العام والفنون الهابطة.. المجتمعات المتقدمة تبنى على الفنون والعلوم والثقافة،  ونحن كلنا مخطئون - لا أستثنى أحداً - فى حق أطفالنا الذين يتلقون تعليماً هزيلاً يقوم على الحفظ والتلقين رغم حصولهم على شهادات دولية تعد أكذوبة كبرى فى حق المجتمع كلنا مشاركون فيها لأنه يفرز أجيالاً من الإرهابيين والفاشلين وإذا استمر هذا الوضع سنظل عالة على المجتمع الدولى وبالتالى لن نلومه إذا فكر فى التخلص من هؤلاء الإرهابيين والفاشلين.. وهل يوجد شخص منا يفخر بأنه عربى؟
■ حدثنا عن الدور التنويرى للشيخ محمد عياد الطنطاوى؟
ـــ يعد الشيخ محمد عياد الطنطاوى (1810- 1861) أول معلم للغة العربية فى روسيا حيث عمل معلماً للعربية فى جامعة بطرسبرج التى كانت عاصمة للإمبراطورية الروسية آنذاك، كما علم العربية للمستشرقين الأجانب وقد تأثر بمنهج صديقه الشيخ رفاعة الطهطاوى الذى وصف باريس فى كتابه الشهير «تخليص الإبريز فى تلخيص باريز»، فكتب الطنطاوى كتاب «وصف روسيا» الذى ما زال مخطوطة حتى الآن .وقد جمع بين العلم والأدب والدين وأتقن عدة لغات هى الروسية والفرنسية والالمانية والفارسية والتركية ومن أبرز كتبه «تحفة الاذكياء بأخبار بلاد الروسيا»، و«أحسن النخب فى معرفة بلاد العرب»، واستمرت جهوده فى التدريس لمدة 15 عاما، وتوفى بعد إصابته بالشلل، وقد قمت أنا وزوجتى بزيارة ضريح الشيخ فى سانت بطرسبرج فى شتاء 2013 وكانت درجة الحرارة ( - 30) تحت الصفر وكان من المثير أننا شاهدنا الزهور النضرة على مقبرته وإن دل ذلك على شىء فإنما يدل على احترام الروس لذكرى عالم جليل لم يحل صقيع بلادهم ولا بردها الشديد بينهم وبين أن يظلوا متذكرين أياديه البيضاء على الرغم من مرور قرن ونصف القرن على رحيله.
■  أصدرت كتاب (خمسون عاماً سد) عن السد العالى.. كيف ترى مشكلة سد النهضة؟
ــ فى مايو 2014 أقمنا احتفالية كبرى بمناسبة مرور خمسين عاماً على تحويل مجرى السد العالى ودعونا الخبراء الروس الذين شاركوا فى بناء هذا المشروع وبعضهم تجاوز التسعين عاماً الذى يعد أهم مشروع تنموى فى القرن العشرين طبقا للأمم المتحدة، وذهبنا إلى أسوان أمام السد العالى لنعيد إلى الأذهان أن كل المشكلات التى يواجهها المجتمع قابلة للحل إذا ما أراد الشعب وعزم أمره على حلها .كنموذج لما نراه من ضغوط على مصر لكسر إرادتها.. وكل الصور التى تم التقاطها لسد النهضة تظهر آثاره السلبية على مصر وقد تحولت مشكلة السد إلى ثأر شخصى عقب محاولة اغتيال مبارك فى إثيوبيا عام 2005، فعزف عن التعاون مع إثيوبيا، وكانت لدينا قاعدة جوية فى جنوب السودان لمراقبة السد فتم إلغاؤها.. وفوجئنا برئيس مسرحى يهدد بضرب إثيوبيا عسكريا على الهواء مباشرة فى زمن الإخوان مما أضر بالمصالح الاستراتيجية لمصر، وعلى متخذى القرار ألا يتخلوا عن حماية حقوقهم فى هذا النهر وحتى لا يموت أولادهم عطشى وإذا فشلنا فعلينا أن نطرح أرض مصر للإيجار بعد طرح جثث أبنائنا إن وجدوا من يدفنهم فيها.. أنا شخصيا سوف أغفر لأولادى مغادرتهم هذا البلد والذهاب إلى بلاد يجدون فيها شربة ماء.