رحلة «عذاب» للحصول على «مدفن»

تحقيق - دعاء محمد

الوصول إلى مأوى للإنسان فى الدار الآخرة ليس سهلًا كما نتوقع جميعًا، بل يحتاج للعديد من الإجراءات والانتظار ورحلة عذاب طويلة للحصول على هذا المأوى، ويقف المصريون فى طوابير ورحلة طويلة من الإجراءات للحصول على مدافن أو جبانات تصل سعرها لعشرات الآلاف من الجنيهات، فهى لا تختلف كثيرًا عن نفس رحلة الحصول على دار الدنيا التى يعيش فيها، والتى يعمل طول حياته من أجل توفيرها وقد يموت قبل ذلك، ويتعرض المواطنون لعمليات نصب فى بعض الشركات التى تنفذ وحدات للجبانات، حتى أصبحت تجارة تحتاج لوعى المواطن قبل الإقبال على شرائها.

شت «روزاليوسف» تلك الإجراءات مع المواطنين بمحافظة الجيزة أثناء تقديمهم الأوراق للحصول على المدافن، وبالتحديد فى إدارة الجبانات بمدينة 6 أكتوبر، وذلك عقب إعلان المحافظة عن فتح باب الحجز للمواطنين، فى نوفمبر 2014 ومد باب الحجز حتى نهاية سبتمبر 2015، وتخصيص 10 آلاف جبانة فى طريق الفيوم الكيلو 42، والتى تصل تكلفة الواحدة منها إلى 27 ألف جنيه للجبانة العادية، و30 ألف جنيه للجبانة المميزة، على أن يتم السداد بأحد فروع بنك مصر لحساب صندوق الجبانات.
وكعادة الإجراءات الحكومية الروتينية التى توصف بالبطء الشديد، التى لاقت استياء من جميع المتقدمين خاصة كبار السن الذين انتظروا ساعات طويلة فى الطوابير من أجل الحصول على إذن دفع الأقساط.
قابلنا سيدة ستينية تدعى «هدية محمدي» وقفت لاستيفاء أوراقها بالإدارة، وقالت عن مأساتها مع السن والانتظار قائلة: «كل دا عشان اشترى قبرى» وواست نفسها قائلة: المقبرة أرحم من الدنيا وهى البيت الأصلى للبنى آدم، وسترة للميت قبل الحي، فمعظم المواطنين المنتظرين إذن الدفع حصلوا عليه قبل إغلاق البنك بساعة واحدة، لذلك شهد البنك، الذى يقع على بعد عدة أمتار من الإدارة، حشدًا كبير وتكدسًا للمواطنين خلال تلك الساعة.
وجاءت إيناس الحلوانى - مواطنة - لتدفع القسط الثانى للجبانة الخاصة بها، ولكن بعد انتظار دام 4 ساعات للحصول على إذن الدفع، واجهتها مشكلة كتابة اسمها بالخطأ فى كشوف المتقدمين وتشابهه مع اسم آخر، مما دفعها للاشتباك مع الموظفين داخل الإدارة لتصحيح خطأ اسمها، وقالت بإن الموظفين لم يقوموا بعملهم كما يجب، وأنها لو لم تشتبك معهم لتصحيح بياناتها لضاع ما دفعته من القسط الأول، ولن تحصل على حقها.
وتوهم أحمد على – مواطن – أنه يستطيع تقديم ورق حجز الجبانة ودفع القسط الأول فى نفس اليوم، لأنه من قاطنى الوراق والمسافة لـ 6 أكتوبر بعيدة عليه، ولكن الموظف طلب منه تسليم الأوراق بعد أسبوع، ولكنه جاهد مع الموظفين لعمل جميع الإجراءات فى نفس اليوم لتوفير الوقت، ويرى أنها فرصة الحصول على مدفن جاهز بـ 27 ألف جنيه وبالتقسيط، نظرًا لارتفاع الأسعار عند الشراء من مكتب عقارات أو سمسار للمدافن.
وبالتحدث مع أحد الموظفين بإدارة الجبانات بمحافظة الجيزة، عن الأوراق المطلوبة للحجز وعن دورة الإجراءات، قال لابد أن يكون المتقدم من قاطنى محافظة الجيزة، ويحضر إفادة من الوحدة المحلية، بأنه لم يسبق له الحصول على مدفن، بالإضافة إلى صورة بطاقة رب الأسرة والزوجة، وقسيمة الزواج، وإيصال كهرباء، ودفع وصل بـ50 جنيهًا، وألا يقل سن المتقدم عن 50 عامًا، ثم يقدم الأوراق مع الإفادة بنفسه، لتسجيل بياناته على كمبيوتر الإدارة، ليحصل على إذن دفع القسط الأول، فى أحد فروع بنك مصر، ثم يحضر بصورة من إيصال الدفع، ليقدمه مع كل قسط يدفعه.
وأشار إلى أن كل 4 أشهر يتم دفع قسط، مبلغ 9 آلاف جنيه حتى بداية تسليم المدفن جاهز الإنشاءات، فى خلال شهر يناير أو فبراير عام 2016 بمساحة 21,66 متر.
وفى محافظة القاهرة قال أحد الموظفين بإدارة الجبانات، داخل المحافظة بإنه لا يوجد حجز هذه الأيام لعدم وجود أرض لإقامة جبانات عليها، وآخر فترة حجز جبانات كان منذ فترة، ونصح بالحصول على رقم هاتف المحافظة والاتصال كل أسبوعين للسؤال عن أى جديد.
وتصل تكلفة الجبانة بمحافظة القاهرة 12 ألف جنيه لمساحة 20 مترًا، بالإضافة إلى 500 جنيه تأمين، ويتم الحصول عليها كحق انتفاع حتى لا تستخدم فى أى أغراض سوى المدافن، ومعها رخصة مكتوب بها رقم المدفن والعين ومكانها.
ورغم عمله فى إدارة الجبانات إلا أن هذا الموظف لا يطمئن لحجز المدافن تبع المحافظة، حيث تم النصب عليه فى محافظة الجيزة منذ 3 سنوات، عندما تم الإعلان عن فتح باب الحجز، وذهب الكثير من المواطنين، وتم دفع 110 جنيهات رسوما بريدية، إلا أنهم لم يحصلوا على شيء، ولم تسترد لهم الرسوم البريدية، لذلك فهو لا يثق بحجوزات المحافظة.
وعن أسعار الجبانات خارج المحافظات والمحليات قال محمد أحمد عبدالرؤوف - سمسار جبانات - إن سعر الجبانة 40 مترًا جاهزة بالحوش تصل إلى 100 ألف جنيه وتصل حتى250 ألف جنيه، ويصل سعر المدفن مرحلة أولى بدون حوش أو سقف يبدأ من 45 إلى 90 ألف جنيه، علمًا بأن مدافن الناصية تختلف عن وسط الشارع، وتختلف عن آخر الشارع فى الأسعار، وأن الفرق فى زيادة الأسعار من عام 2000 حتى 2015 وصل 4 أضعاف بسبب زيادة أسعار الأرض.
وأشار إلى أن هناك أصولًا لشراء المدفن يجب الذهاب إلى التربى «الحانوتى» المسئول عن هذه المنطقة لأنه يكون على علم بالذى تم بيعه، فهو تحت يديه 1350 مدفنًا يتعايش منها، معظمهما مغلقة، لذلك فى حالة حدوث اختلاط أو نصب يساهم فيه ستجده بسهولة، وستقوم بتقديم شكوى ضده فى المحافظة ويعزل من مهنته.
بعكس السماسرة الجوالة الذين ينتظرون الأفراد على الطريق أمام المدافن، ليوهم الناس ببناء المدفن وتجهيزه مع أخذ العربون الذى يقدر عليه من الزبون ثم يختفي.
ومن الممكن أن يبيع السماسرة الجوالة الذين لا يمتلكون مكاتب، أرض المدفن الواحد لأكثر من شخص، لذلك ينصح المواطنين بعدم التعامل معهم، واللجوء لسماسرة ومقاولين مضمونين ولديهم مكاتب معروفة للوصول إليهم، والسؤال فى المحافظة على قطعة الأرض قبل شرائها، للعلم بملكية صاحب هذه الأرض ومعرفة الإجراءات اللازمة للتنازل عنها بحق المنفعة، ويذهب مهندس من إدارة الجبانات ليطلع على المدفن ليتأكد من سلامة الملكية للشخص العارض للبيع.
أما عن إعلانات شراء المقابر على موقع التواصل الاجتماعى فيس بوك، ومنها الحقيقى والوهمي، أجرينا عدة اتصالات للإعلانات المتواجدة على فيس بوك، ووجدنا أن معظم هواتفها مغلقة أو خارج نطاق الخدمة.
وأن الإعلانات المتواجدة على المواقع الشهيرة، لها صدى إيجابى من قبل التعامل والرد، فالاتصال بمكتب عقارات العزيزي، تم الرد من قبل الحاج ماهر، للبيع وشراء المقابر، وكل منطقة ولها سعرها، فمنطقة 15 مايو مساحة 21 مترا تتراوح بين 45 ألفًا و 60  ألف جنيه، ومدينة 6 أكتوبر من 95 إلى 150 ألف جنيه، وطريق الواحات مساحة 40 مترًا من 95 إلى 180 ألف جنيه، ومدينتا العاشر وبدر مساحة 40 مترًا من 125 إلى 150 ألف جنيه، ومدينة نصر والقطامية وطريق السويس مساحة 21 مترا تتراوح بين  200 و 250 ألف جنيه، ومساحة 40 مترا تتراوح اسعارها بين 300 و 400 ألف جنيه.
بالإضافة إلى أنه يمكن شراء مدفنين متجاورين للحصول على ضعف المساحة، والتعامل كاش، وعن طريق الشهر العقارى والمحافظة، فكل ما يحتاجه من أوراق صورة البطاقة والعنوان والاسم فقط.
ومن جانبه أوضح خالد مصطفى - مدير العلاقات العامة بمحافظة القاهرة - أن أخر إعلان لفتح باب المحافظة لحجز الجبانات كان منذ عام 2012، حيث كانت هناك أرض بمنطقة 15 مايو محتلة بوضع اليد، وبعد استردادها قرر المحافظ وقتها تخصيصها كمقابر، فهى تحتوى على 800 ألف مدفن يتم توزيعها على المواطنين حتى الآن.
وللحصول على مدفن بها يحتاج المتقدم لإجراءات طويلة، ثم تتولى المحافظة تصفيتها بعد معرفة من الجاد والمستحق من بينهما، علمًا بأن المحافظة قامت بحساب المتر بمنطقة 15 مايوبـ 500 جنيه فقط على مساحة 21 مترًا، من غير بناء، ويتسلمها المواطن أرض فضاء وهو المسئول عن بنائها، مع إلزامه بفترة محددة يكمل إنشاءاته خلالها بحيث لا تتعد3 شهور لكى لا يتم سحب الأرض منه مرة أخرى، مع الحفاظ على نفس الشكل لجميع المقابر المحيطة به، ولا يتعدى بالسقف الارتفاع المخصص للشارع المتواجد به.
وأشار إلى أن هناك عدد 112 قطعة أرض مميزة، عبارة عن أراض «مسحوبات» فى البساتين ومدينة نصر، قامت المحافظة ببيع المتر فيها بـ 5000 جنيه، ووصل عدد المتقدمين لهذه الأراضى لـ 500 فرد، وتم إجراء قرعة عليهم لاختيار المستحقين، وأضاف بأن جميع أموال الجبانات مورد للمحافظة، وحين استلام المواطن الأرض الخاصة به ستكون تحت حمايته من التعديات، أو وضع أى شخص يده عليها.