الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

«البلاقسة» القريبة من مقر الحكم فى مصر لم تطأها أقدام مسئولين منذ أكثر من 100 سنة

«البلاقسة» القريبة من مقر الحكم فى مصر لم تطأها أقدام مسئولين منذ أكثر من 100 سنة
«البلاقسة» القريبة من مقر الحكم فى مصر لم تطأها أقدام مسئولين منذ أكثر من 100 سنة




 كتب- بشير عبد الرؤوف

ﻗﺒل تقاطع ﺸﺎﺭﻉ ﻗﻭﻟﺔ ﻤﻊ ﺸﺎﺭﻉ محمد فريد «ﻋﻤـﺎﺩ ﺍﻟﺩﻴﻥ سابقًا، ﻭﻋﻠﻰ الجانب الأيسر يقع ﺸـﺎﺭﻉ ﻀﻴﻕ، هو أقرب إلى ﺃﻥ ﻴﻜﻭﻥ حارة، ﻟﻜﻨﻪ سمى ﺸﺎﺭﻋﺎ ﻷﻥ بداخله عطفة ﺼﻐﻴﺭﺓ ﺘﺤﻤل ﺍﺴﻤﻪ ﺘﺤﺕ تصنيف حارة ﻭﺍﻟﺸـﺎﺭﻉ ﺍﻟﺤﺎﺭﺓ، ﻭﺍﻟﺤﺎﺭﺓ ﺍﻟﻌﻁﻔﺔ ﻫﻭ ﺸﺎﺭﻉ ﺍﻟﺒﻼﻗﺴﺔ.
ويوجد بهذا الشارع ﻀﺭﻴﺢ ﻟﻤﺘﺼﻭﻑ ﻤﺠﻬﻭل ﻴـﺩﻋﻰ «ﺍﻟﺸﻴﺦ حمﺯﺓ»، فى ﺫﻟﻙ ﺍﻟﺤﻴﺯ ﺍﻟﺼﻐﻴﺭ ﻟﺸﺎﺭﻉ ﺍﻟﺒﻼﻗﺴﺔ كانت هناك الفرحة والبهجة رغم البساطة فالأراجيح ﻭﺃﻟﻌﺎﺏ ﺍﻟﻤﻔﺭﻗﻌﺎﺕ، ﻭﺍﻟﺴﺭﺍﺩﻗﺎﺕ، والطارة وهكذا.
وعلى بعد مئات من الأمتار من «البلاقسة» يقبع مبنى ديوان محافظة القاهرة، والذى كان جزءًا من مقر الحكم فى مصر بعد نقله من القلعة إلى هذا المكان على يد عابدين بك، حيث تقبع أيضا حديقة ميدان عابدين المواجهة لمبنى ديوان المحافظة، والتى يتم حاليًا تجديدها وتغيير ملامحها التى كانت عليها منذ عشرات السنين والبالغ مساحتها تقريبًا 426 مترا، ويتم تطويرها حاليًا أو بمعنى أدق يتم تغييرها مما كانت عليه تماما، على نفقة أحد البنوك من حساب الأرباح المخصصة للأعمال الخدمية.
وعلى الجانب الآخر من الحديقة تقبع البلاقسة، الواقعة فى عمق حى عابدين بما يحمله من تراث وتاريخ وخصوصية وشعبية المكان الذى يجمع جميع الطبقات، ويواجه أهلها أزمة حقيقية لا تزيد على توفير مسكن مناسب.
والبلاقسة واحدة من المناطق التى نشأت مع التخطيط لميدان عابدين عندما تقرر أن يتم نقل مقر الحكم فى مصر من القلعة إلى مقره الحالى فى عابدين، حيث تم إنشاء الأزقة والدروب التى تفتح الطرق إلى ميدان التحرير.
ومع هذه النشأة كانت «البلاقسة» التى لم تطأها أقدام مسئولين حتى الآن منذ نشأتها رغم قدمها وتميز مبانيها، إلا أنها مبان آيلة للسقوط يشكو أهلها مر الشكوى من سوء حالتها وتعرضها لحالة من الانهيار بين الحين والآخر، فأحلام الناس هناك الذين نشأوا مع نشأة حى عابدين لا تتعدى توفير الحوائط الأربعة التى يعيشون فيها وتأويهم وتستر أعراضهم، حيث أكد الأهالى أنه لأول مرة تطرق أبواب الصحافة منطقتهم التى لا يعرفها المسئولون.
تقول عزة السيد التى تعيش فى البلاقسة، إنها لديها أربعة أبناء فى مراحل التعليم المختلفة بينهم شاب له متطلباته من الحياة ولا تتقاضى معاشا عن زوجها سوى أربعمائة وخمسين جنيها فقط تدفع منهم ثلاثمائة جنيه لإيجار الغرفة التى تعيش فيها، كما أنها تنفق على دراستهم وتكاليف حياة ابنها الوحيد، وتسعى طوال الشهر للحصول على قليل من المال ببيع الخبز.
عزة التى لها ثلاث بنات فى مراحل التعليم المختلفة تؤكد أنها تنام وبناتها فى حوش المنزل الذى هو عبارة عن غرفة تضع فيها أشياءها وتشارك أدوات المطبخ الحياة نظرا لضيق المكان فى منزل عمره حوالى 150 عامًا.
وفى المنزل المجاور الذى تستند حوائطه على منزل عزة والذى تعيش فيه فوزية عبد الحميد التى لا تعرف سنها، سوى أنها نشأت فى هذا المنزل الذى يبلغ من العمر ما يزيد على المائة عام وبحسب وصفها تلامس رأسها سقف المنزل، حيث أن الارتفاعات المستمرة للشوارع جعلت المنزل فى مكان منخفض، ويسكن معها أحفادها داخل غرفة واحدة ولا يزيد المطبخ على مساحة متر مربع تشاركه «كراكيب» المنزل الذى يختصر كله فى غرفة.
وفى الطابق الثانى من المنزل المتهتك والذى يربطه بالطابق الأول عدد من السلالم التى تودى بمن يحاول استخدامها إلى الأسفل بدلا من الصعود به لأعلى، فضلا عن الظلمة التى تحيط بالسلم، إلا أن الطابق الثانى الذى لا يتصور أحد أنه يؤدى إلى حياة أخرى، تشبه الحياة الآخرة، حيث تعيش أسرة مكونة من سبعة أفراد يفترشون الأرض ليقضون ليلهم وينامون جنبا إلى جنب، فالمنزل كله عبارة عن غرفة واحدة والحمام لا يفصله عن تلك الغرفة سوى مقاس قدم واحد، أما الأمر الأكثر غرابة أنه اضطر أحد الشباب إلى الإقامة فى الطابق الثالث الذى تزداد الحالة السيئة للسلالم الصاعدة إليه سوءا، إلا أنه اضطر أن يتزوج فيه فى ظل عدم القدرة على تدبير مسكن مناسب.
وتشير نادية عبد السميع البالغة من العمر 68 عاما إلى أنها نشأت مع المنزل وتبادلت الأجيال داخله وأنه كان قصرا فى يوم من الأيام، وقامت بتربية أبنائها وتربى اليوم أحفادها داخله، وتواجه مع سنها المتقدم الصعوبة فى استخدام السلم الرخام نظرا لهبوط بلاطاته.
أما زياد محمد الذى يدرس فى المرحلة الإعدادية، فيتمنى أن تتبنى محافظة القاهرة شأنهم بإنشاء عقارات بديلة لهم، فلا يعيش فى قلق مع الأتربة التى تتساقط فوق رءوسهم بمجرد أن يسير أحد بالمنزل وكذلك مثله مثل كل أبناء جيله لا يريد سوى الأمان فى الحياة. 
أما عزيز العبساوى والذى يعمل بالحياكة فيؤكد أن أهالى البلاقسة يعملون بمهن متعددة ويحصلون على ما يناسبهم من قوت يومهم، إلا أن المشكلة التى تواجههم هناك هى ترهل العقارات التى يعيشون داخلها، ويضطرون إلى ذلك نظرا لانخفاض القيمة الإيجارية التى يدفعونها مقابل السكن فى منازل قديمة فى ظل الارتفاع الجنونى للإيجارات والتى لا تتناسب مع ما يتحصلون عليه من أعمالهم ومهنهم التى يشغلونها، مطالبا بالتعامل مع البلاقسة شأنها شأن جميع المناطق التى تقوم محافظة القاهرة بإحلالها وتسكين أهلها بمساكن مناسبة.
مصدر مسئول بمحافظة القاهرة أكد أنه لأول مرة يعرف أن هناك منطقة تسمى بهذا الاسم قريبة من ديوان عام المحافظة، وبالقرب من ميدان عابدين كواحد من أشهر الميادين، رغم وقوعها على حافة أحد الشوارع المهمة «محمد فريد»، إلا أنه أكد أن المحافظة تهتم بجميع المناطق الأكثر احتياجا وأن هذا الأمر سيتم بحثه وزيارة المنطقة التى لا يعرفها المسئولون.