الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

«قضية ظل الحمار» تواجه المعاقبة.. على العائم الصغير!

«قضية ظل الحمار» تواجه المعاقبة.. على العائم الصغير!
«قضية ظل الحمار» تواجه المعاقبة.. على العائم الصغير!




عندما ينطق الحمار على المسرح، متسائلا «من منا كان الحمار فى هذه المسرحية؟؟!»..  بـ«قضية ظل الحمار»، فاعلم أننا قد وصلنا، إلى قمة السخرية والهزل، من الأوضاع السياسية والاجتماعية المتردية، التى تعيشها شعوب العالم الثالث اليوم، وهو ما يطرحه العرض المسرحي، فى قضيته على خشبة المسرح العائم الصغير بالمنيل، للمخرج محمد جبر، وتأليف الألمانى فريدرش دروينمات، الذى كتب النص عام 1951 -1956، وكان فى البداية عبارة عن قصة إذاعية، كتبها بناء على تكليف من إذاعة برن السويسرية.

لكن هذه القصة الإذاعية الهزلية البسيطة، التى تروى قصة شجار وخلاف كبير، نشأ بين طبيب أسنان وتاجر حمير، حيث قرر طبيب الأسنان، تأجير الحمار يوما من التاجر، لكن نظرا لشدة الحر، يتوقف الطبيب فى منتصف الطريق، ويستظل بالحمار من قيظ الصحراء، بينما يعترض التاجر، ويعتبر أن هذا استغلال آخر للحمار، ويجب دفع مال مقابل استغلال ظله، ومن هنا تبدأ أحداث المسرحية، والشجار الكبير، الذى تتكشف من خلاله، وعلى مدار سرد الحكاية، عورات المجتمع بالكامل، سواء من رجال سياسة أو دين أو محاماة، فالجميع يستغل القضية، ويحولها إلى منفعة شخصية للاسترزاق من ورائها، وفى اشعال نار الفتن والعنف، وهكذا تحمل المسرحية الكثير من المعانى والدلالات، التى تمس نسيج المجتمع من الداخل، لذلك لا تزال صالحة حتى اليوم، فهى تحاكى مجتمعاتنا العربية المهترئة انسانيا وثقافيا وكأنها كتبت من أجلنا .
فلم يكتف المؤلف باستعراض شهوة رجال الدين، والقضاء للنزاع والخلاف وافتعال الفتن، التى أدت إلى احتراق البلد بالكامل، بتدخل كهنة معبدين متصارعين، فى القضية، حتى يحسم لأحدهما النصر فى النهاية، لكن طال النص أيضا، وأشار إلى مدى قصور وعى الفقراء، ونظرتهم المحدودة للأغنياء، فالفقراء ينظرون بغل وحقد دائما، ويصل هذا الغل، إلى حد اتهامهم للأغنياء بالإلحاد، فتاجر الحمير، كان يرى الطبيب ملحدا، لمجرد أنه يمتلك «حوضا للاستحمام»، ووصلت رغبته فى استغلاله له إلى حد اقناعه، بضرورة تأجير «ظل الحمار»، لأن الحمار يتبعه ظله !
 يعتبر هذا النص المسرحى الإذاعي، من أرحب النصوص المسرحية، وأكثرها قابلية للتشكيل والتقديم، بأكثر من رؤية ومعالجة مختلفة، ففى عرض «قضية ظل الحمار» للمخرج محمد جبر، ترى عرضا مسرحيا مغايرا تماما، لما سبق وأن قدمه المخرج إسلام إمام، فى عرضه «ظل الحمار» عام 2010، على مسرح مركز الإبداع الفني، وشارك به ضمن فعاليات مهرجان القاهرة الدولى للمسرح التجريبي، فهنا تشاهد عملا آخر، حتى أنه يصعب عليك المقارنة بينهما، لأن جبر يجبرك، على الاندماج فى قضيته هو، التى اعتمد فيها، على معالجة جديدة ومختلفة، عن غيرها من المعالجات السابقة، وذلك عن طريق استغلاله، لفكرة أن النص كان قد قدم خصيصا للإذاعة، فقرر بذكاء مخرج محترف الاستعانة، بلوكشن إذاعة وموسيقى لايف، على المسرح، واستعاض عن بعض المشاهد، التمثيلية الطويلة بمقاطع مغناة، يروى خلالها تسلسل أحداث القصة، بإيقاع موسيقى ومسرحى مدروس، وكأنه يقدم مسلسلاً إذاعيًا للأطفال، حتى أن الموسيقى المصاحبة لتقديم العرض، والتى تتخلله دائما فى أكثر من موضع، تذكرك بمسلسلات الأطفال الإذاعية القديمة، ومن هنا انطلقت معالجة جبر، على لسان مذيعه، الذى يروى قصة تاجر الحمير، وطبيب الأسنان، والتى سرعان ما تحولت إلى فتنة طائفية، وقضية رأى عام.
لم يعتمد محمد جبر على ديكور أو سينوغرافيا مسرحية، مبالغ فيها، بل التزم بفلسفته الإخراجية الخاصة، والتى تعتمد دائما على العنصر البشري، وهم الممثلون أنفسهم، الذين قدموا تشكيلات مسرحية بأجسادهم، فكانت أجسادهم، هى سينوغرافيا العرض المسرحي، فمرة ترى هذه الأجساد سفينة، يحركها قبطان فى انسجام وانسياب، ثم سرعان ما تتحول هذه السفينة، إلى حمار معذب ومطيع، ثم يتحول جسد الحمار، إلى جدران منزل زوجة تاجر الحمير، وأحبال غسيلها، وهكذا إعتمد جبر على حركة ممثليه، وأدائهم الجماعى الغنائى والتمثيلي، كما فعل تماما بآخر، وأنجح عروضه «1980 وانت طالع»، حيث يدعم ويرسخ المخرج الشاب، مع ممثليه، لفكرة المسرح الفقير، الذى قد لا يعتمد على إبهار شديد فى الصورة أو الملابس، بل هم من يقومون بتشكيل هذه الصورة، فحل الممثل هنا محل الديكور، وهو ما يحسب للمخرج، وفريق العمل بالكامل، كما استطاع هؤلاء الشباب أن يضعوا الجمهور، فى مشاعر متناقضة، جمعت بين البهجة والشعور بالغصة والمرارة، وذلك رغم بساطة القضية، التى يطرحونها، شارك فى بطولة «قضية ظل الحمار»، عدد كبير من شباب جامعة عين شمس، هم لبنى مجدي، أحمد راضى، نغم محمد، محمود طنطاوي، ميشيل ميلاد، ضحى محمد، أحمد شوكت، دنيا إبراهيم، محمد عبد الرحمن، صلاح السيد، محمد بغدادي، فادى أيمن، نانسى نبيل، إبراهيم أحمد، أحمد الجوهري، إسلام علي، سلمى صلاح، صابر عادل، أميرة فوزي، محمد مرسى، محمد إبراهيم، مى عصام، تأليف موسيقى وألحان أحمد نبيل.
وبالرغم من عمق التناول الفلسفى والفكري، وبساطة التعبير عنه فى هذه القضية، إلا أن هذا العمل يواجه أزمة حقيقية، قد تتسبب فى إغلاقه أو موته، وهى أزمة الجمهور، فهذا المسرح على وجه التحديد «مسرح الشباب»، وبدعم مديره الدكتور أسامة رؤوف، تمتع بإنتاج غزير ومهم هذا العام، لمجموعة من الشباب الموهوبين، لكنه فى نفس الوقت، يعانى من وقوعه فى موقع مجهول، لا يسمع عنه أحد، سوى الصفوة والمتخصصين، وتبقى الأزمة قائمة دائما، وهى أن البيت الفنى للمسرح، يرى أن مهمته تتوقف عند حد الإنتاج، لهذه العروض، لكنه غير مسئول، عن الدعاية لها..!!، وبالتالى يكون مصير هذه الأعمال المسرحية، سواء فى الشباب أو غيره، ألا يشاهدها أحد، ونحن فى أشد الحاجة، لهذا النوع من الفن الراقي، للنهوض بمستوى وعى شعب عانى طويلا، من تراجع فنى وفكرى، أدى به إلى ما نراه، من نتائج انتخابية اليوم، فكيف نمتلك عددًا، لا حصر له من الشباب الموهوب، سواء على مستوى التمثيل أو الإخراج أو التأليف، أو الإعداد المسرحي، ثم يكون مصيرهم، ألا يلتفت أو يشعر بهم أحد، فى هذه الفترة الحرجة، التى تحتاج وبشدة إلى نفخة حياة من هؤلاء، فلا يعقل أن يعتمد المسرحيون الشباب، على مجهوداتهم الذاتية البحتة، فى البحث عن الجمهور والدعاية لأعمالهم، مثلما يقول محمد جبر مخرج العرض.. » ليس امامنا إلا العمل بالطريقة التصاعدية، وهى أن يساعدنا من حضر العرض، فى الدعاية الإيجابية له، وهذا ما حدث مع «1980 وانت طالع»، ظل العمل لمدة ثلاث سنوات، لم يشاهده سوى أعداد ضئيلة للغاية، إلى أن أصبح اليوم وللسنة الخامسة، على التوالى من أكثر العروض، التى حققت إقبالا جماهيريا «.. وبرغم أن هذه الفكرة التى يتبعها جبر أو غيره تبدو نبيلة، إلا أنه ليس من المنطق، أن يعاقب عمل متميز بالترك، ثلاث سنوات، حتى يفيق الجمهور، وتلتفت إليه الفضائيات، معلنين أن هناك شباب « واعد»، و«مسرح حقيقى»، و«شىء مبهر»، و«مصر ولادة».. وكل هذه الشعارات الرنانة، وهم موجودن بيننا بالفعل، ويعملون دوما فى صمت، لكن لم يراهم أحد، فى الوقت الذى هم فيه قادرون، على صناعة حركة مسرحية حقيقية، جديرة بالمتابعة والنقد..  فحتى يجيب الجمهور على سؤال الحمار.. عليه أولا أن يتعرض لـ«قضية ظل الحمار»!!